الغزو الروسي لأوكرانيا يربك التبادل التجاري بين موسكو وبكين

time reading iconدقائق القراءة - 8
الرئيسان الصيني شي جين بينج والروسي فلاديمير بوتين خلال قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان - 28 يونيو 2019 - Bloomberg
الرئيسان الصيني شي جين بينج والروسي فلاديمير بوتين خلال قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان - 28 يونيو 2019 - Bloomberg
دبي- الشرق

باتت العلاقات التجارية بين بكين وموسكو أكثر تعقيداً، منذ الغزو الروسي لأوكرانيا قبل أكثر من 3 أسابيع، ممّا أثار تساؤلات بشأن تبادلهما التجاري في الطاقة والمعادن والمحاصيل، كما أفادت "بلومبرغ".

قبل الحرب في أوكرانيا، تزايدت أهمية روسيا بالنسبة إلى الصين، بوصفها مورّداً للمواد الخام. وترسّخ ذلك في صداقة "بلا حدود" أعلنتها الدولتان، قبل دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي نُظمت في بكين الشهر الماضي، وتُوّجت بإبرام اتفاقات جديدة لتزويد بكين بنفط وغاز وقمح من روسيا.

بعد الغزو مباشرة، أعلن مسؤولون صينيون رفضهم العقوبات الأحادية، مؤكدين أن بكين ستواصل علاقاتها التجارية الطبيعية مع موسكو. ولكن منذ ذلك الحين، أوقفت مصارف تمويل مشتريات، ويجتهد تجار في التعامل مع الخدمات اللوجستية، فيما قال وزير الخارجية الصيني، وانج يي، أخيراً إن بكين لا تريد أن تتأثر بالعقوبات الدولية المفروضة على روسيا.

وسلطت "بلومبرغ" الضوء على تداول السلع الأساسية مع روسيا، وكيفية تطوّر الأمر نتيجة العقوبات.

الطاقة

قد يشكّل قطاع الطاقة أبرز الفرص التجارية بين البلدين. ويعني النموّ في اقتصاد الصين أنها في حاجة متزايدة للفحم والغاز، لتدفئة المنازل وتشغيل مصانع الطاقة. ولدى الصين كميات ضخمة من الفحم، لكنها لا تكفيها، كما تعاني نقصاً في الغاز، ممّا يجعل وارداتها ضرورية لمواكبة مستوى الطلب.

وتُعدّ روسيا الآن ثاني أبرز مصدّر للفحم إلى الصين، بعد إندونيسيا، فيما نمت صادراتها من الغاز بشكل كبير، منذ بدء تشغيل خط أنابيب سيبيريا في عام 2019. كذلك ارتفعت شحنات النفط الخام في السنوات الأخيرة، بما في ذلك النفط عبر خطوط الأنابيب، علماً أن روسيا كانت ثاني أبرز مورّد للصين في عام 2021، بعد المملكة العربية السعودية.

وساهم الفحم الروسي في سدّ الفجوة الناجمة عن حظر فرضته الصين على الشحنات الأسترالية، منذ أواخر عام 2020، فضلاً عن اضطرابات إضافية أخيراً في الشحنات من منغوليا وإندونيسيا. علاوة على ذلك، تزوّد الولايات المتحدة وأستراليا الصين بما يزيد قليلاً على نصف وارداتها من الغاز الطبيعي المسال، التي تُنقل عبر سفن، في ما اعتبرته "بلومبرغ" تبعية تحاول بكين التحرّر منها.

ولكن بعد غزو أوكرانيا، تجنّب مشترون صينيون، ومقرضون يموّلون مشترياتهم، إلى حد كبير الشحنات الروسية من الفحم والغاز الطبيعي المسال، وكذلك النفط الخام.

وقد يكون هذا التردد مؤقتاً، نظراً إلى غموض الهدف النهائي للتدابير الدولية المُتخذة ضد موسكو. لكنه قد يعكس أيضاً مخاوف عميقة لدى شركات، بشأن الوقوع في شرك العقوبات، التي يمكن أن تمسّ الترتيبات المصرفية العالمية، إضافة إلى مخاوف حكومية من استبعادها من الأسواق الأكثر أهمية بالنسبة إلى السلع الصينية.

ووَرَدَ في مذكرة أعدّتها الأسبوع الماضي "كابيتال إيكونوميكس"، وهي شركة استشارية تتخذ لندن مقراً: "بالنسبة إلى أيّ شركة صينية لديها عمليات ضخمة في الخارج، يكتسي الوصول المستمرّ إلى النظام المالي الأميركي قيمة أكبر من أيّ صفقات يمكن أن تبرمها مع روسيا، رغم أن شركات صغيرة قد تكون مستعدة لتحمّل أخطار" في هذا الصدد.

"فرصة نموّ هائلة"

وثمة مشكلة لوجستية أيضاً، إذ التقى كثيرون من مستوردي الفحم الصينيين ومسؤولين روس في قطاع المناجم هذا الشهر، لمناقشة زيادة حجم المشتريات، لكنهم أشاروا إلى عراقيل كثيرة، بما في ذلك إمكان استخدام نظام الدفع الصيني القائم على اليوان، إضافة إلى مشكلات متصلة بقدرات النقل وجودة الفحم، بحسب "الجمعية الصينية لنقل الفحم وتوزيعه".

وأشارت "بلومبرغ" إلى التزام الصين بإنجاح أضخم مشاريع الطاقة في روسيا، لافتة إلى مناقشة تشييد خط أنابيب غاز آخر. وأضافت أن شركة Wood Mackenzie، التي تؤمّن استشارات وتحليلات في قطاع الموارد الطبيعية العالمية، تقدّر حجم استثمارات الصين في النفط والغاز بروسيا، بـ24 مليار دولار، بما في ذلك حصص في مشروعَي "يامال" و"أركتيك" للغاز الطبيعي المسال في روسيا.

وقال نيل بيفريدج، أبرز محلّلي الطاقة في شركة الوساطة "سانفورد سي بيرنشتاين"، إن بكين لا تستطيع أن تحاكي الشركات الدولية وتتخلّى عن أصولها في قطاع الطاقة الروسي، معتبراً أن "لدى الصين فرصة نموّ هائلة في روسيا".

في ظلّ هذه الظروف، سيكون غريباً أن تقلّص بكين مشترياتها من الغاز الطبيعي المسال الروسي على المدى البعيد. لكن المشهد بالنسبة إلى الفحم مختلف تماماً. وثمة ما يشبه سوء تقدير بالنسبة إلى المبيعات الروسية، مقارنة بـ4 مليارات طنّ من الوقود يتم تعدينها محلياً. كما أن خطة الصين لزيادة قدراتها في صناعة الفحم بمقدار 300 مليون طنّ، توحي بأنها تسعى إلى تعزيز أمن الطاقة لديها، من خلال التخلّص من الواردات تماماً.

وبالنسبة إلى النفط الخام، يتمحور الأمر أيضاً حول أسعار الشحن، والأقساط المرتفعة المرتبطة بالشحنات الروسية، نتيجة الحرب. وثمة دول كثيرة تزوّد الصين بالنفط، وحتى عندما تكون الأسعار مرتفعة جداً، فإن ذلك يتيح للمشترين أن يكونوا أكثر انتقائية، بحسب "بلومبرغ".

الحبوب

ارتفاع تكاليف النقل يشكّل أيضاً عائقاً محتملاً أمام موسكو، لزيادة مبيعات الحبوب. وتبيع روسيا القمح لأكثر من 100 دولة، لكن الصين كانت واحدة من الأسواق الضخمة المحدودة التي واجهت صعوبات في دخولها. وحتى وقت قريب، كانت الشحنات محدودة نتيجة حظر معظم القمح الروسي، بسبب مخاوف من الفطريات.

في فبراير الماضي، سمحت الصين باستيراد القمح من كل أنحاء روسيا، في إطار اتفاقات أُبرمت خلال زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لبكين أثناء دورة الألعاب الأولمبية الشتوية. وكان متوقعاً أن تشكّل هذه الخطوة، تحدياً لمبيعات من دول، مثل فرنسا وأستراليا وكندا والولايات المتحدة.

ورجّح دارين فريدريش، المؤسّس المشارك ومدير أبحاث السوق في شركة "سيتونيا للاستشارات" بشنغهاي، أن تواصل الصين الاستيراد من مصادرها المعتادة، رغم رفع القيود. وأضاف: "لا أعتقد إمكانية استيراد كميات ضخمة من مصادر جديدة مثل روسيا. سيتوجّب عليهم دفع المزيد".

المعادن

ضَعُف اعتماد الصين على روسيا في السنوات الأخيرة، بالنسبة إلى بعض المعادن. وبرزت إندونيسيا بوصفها مورّداً أساسياً للنيكل. ورغم ارتفاع حصة روسيا من واردات النحاس المكرر، فإن توسّع الصين في صناعة الصهر يعني أن استيراد الخام مباشرة من مناجم في أميركا الجنوبية، بات أكثر أهمية.

في أيّ حال، تشتري الصين غالبية صادرات روسيا من النحاس المكرر، بحسب مذكرة أعدّها مصرف الاستثمار السويسري "يو بي إس".

وزادت صادرات روسيا من البلاديوم إلى الصين في السنوات الأخيرة، ويمكن نظرياً أن ترتفع أكثر، علماً أنه يُستخدم بشكل أساسي لخفض نسبة التلوث التي تسبّبها السيارات. وأشار "يو بي إس" إلى عراقيل محتملة، تتمثل في أن الشركات المدرجة في بورصات أوروبا تنتج غالبية محولات التحفيز المُبيعة في الصين، وقد لا ترغب في الاستيراد من روسيا.

شاهد أيضاً:

تصنيفات