قصة متطوع أميركي قاد مهمة استثنائية لإجلاء 5 آلاف شخص من أفغانستان

time reading iconدقائق القراءة - 9
طائرة تم تأمينها من قبل فريق زاك فان ميتر خلال عملية إجلاء بمطار كابول
طائرة تم تأمينها من قبل فريق زاك فان ميتر خلال عملية إجلاء بمطار كابول
واشنطن-هبة نصر

حين بدأت خطة الولايات المتحدة لإجلاء الأميركيين والحلفاء الأفغان في الفشل بدخول حركة طالبان إلى العاصمة كابول منتصف أغسطس الماضي، شكل رجل أعمال أميركي وحدة شبه عسكرية لإجلاء مواطنين أفغان شعروا بأنهم تم التخلي عنهم في الأيام الأخيرة لانسحاب القوات الأميركية.

يقول زاك فان ميتر، مستثمر في الأسهم وصاحب شركة متخصصة في التصنيع الدفاعي من ولاية فلوريدا في مقابلة مع "الشرق"، إن فريقه الذي ضم مجموعة من قدامى المحاربين ودبلوماسيين ومانحين أثرياء، تمكن من إجلاء 5000 شخص من أفغانستان على مدار أسبوعين.

جهود زاك فان ميتر وفريقه نالت إشادة كبيرة من قبل وسائل الإعلام الأميركية، ووصفتها صحيفة "وول ستريت جورنال" بأنها  "أنجح العمليات الخاصة المعروفة لإجلاء المواطنين الأفغان"، مشيرةً إلى أن فريق زاك فان ميتز أنجز عمليات الإنقاذ بطريقة "شبه عسكرية".

ونفى فان ميتر أن يكون وراء تسخير وقته وماله في مهمة الإجلاء نوايا لخوض غمار الحياة السياسية، مشيراً إلى أن "نجاح المهمة جاء لأنها بقيت بعيدة عن الإعلام ونظراً للتعاون بين فريق متنوع من دبلوماسيين وشخصيات عسكرية سابقة وأشخاص يعرفون أفغانستان جيداً".

مهمة صعبة

كل شيء بدأ بمكالمة هاتفية تلقاها زاك فان ميتر من قائد سابق في الجيش الأميركي يشتغل معه في شركة التصنيع الدفاعي، يُدعى شون.

"اتصل بي شون وسألني إن كنت أود المساعدة في إنقاذ 3500 يتيم"، يقول فان ميتر لـ"الشرق"، مضيفاً أنه وافق على ذلك دون معرفة تفاصيل الموضوع.

وتابع: "أخبرني شون بأنهم (اليتامى) في أفغانستان (..) كنت متردداً لأنني لم أعرف ضخامة الموقف، لكنني قلت نعم".

وما لبثت أن انطلقت عمليات الإنقاذ بمساعدة جنرالات سابقين ومتطوعين ومنظمات غير حكومية ، شكلوا معاً خلية عمل.

وقال فان ميتر إنه استأجر صالة في فندق "ويلارد" (Willard ) التاريخي في واشنطن، حيث كانت الخلية تجتمع للتخطيط لعمليات الإجلاء، ولا تزال مستمرة لمحاولة إخراج من تبقى وتأمين أماكن إقامة دائمة لمن تم إجلاؤهم.

وبينما كانت مهمة جزء من الفريق المتواجد في واشنطن تكمن في التخطيط والتنسيق مع الحكومات، تم نشر جزء من الفريق -وهم أساساً محاربين قدامى- في أفغانستان من أجل الإشراف على عمليات إيصال الأفغان إلى المطار قبل ترحيلهم.

ولفت فان ميتر إلى أن فريقه استطاع "إجلاء 5000 شخص من أفغانستان إلى (عاصمة الإمارات العربية المتحدة) أبوظبي في ظرف أسبوعين".

"لم يكن الأمر سهلاً مثل الدخول إلى أفغانستان وطلب وضع الأشخاص على متن الطائرات. بل تطلب ذلك التنسيق مع حكومتنا (الأميركية) وحكومة الإمارات العربية المتحدة وإيجاد مكان لأخذ الأشخاص، والتفاوض مع حكومات أخرى لاستقبالهم"، يوضح فان ميتر.

وأكدت صحيفة "وول ستريت جورنال" بأنها اطلعت على رسائل عبر البريد الإلكتروني لمحادثات فريق فان ميتر مع مسؤول عسكري في الإمارات العربية المتحدة، تضمنت موافقة أبوظبي على استقبال اللاجئين الأفغان. ولفتت الصحيفة إلى أن حكومة أبوظبي وافقت أيضاً على إرسال طائرة للنقل العسكري من طاراز "سي 17" وعدد من الجنود بهدف إنجاز عملية الإجلاء.

"عراقيل طالبان"

يوضح فان ميتر لـ"الشرق" أن فريقه الذي كان في أفغانستان "أقام على جهة الجانب التجاري من مطار حامد كرزاي" في كابول، مضيفاً أنه "كان يأخذ المعلومات التي كنا نحصل عليها من عدة منظمات غير حكومية وجمعيات خيرية" بشأن أسماء الأفغان الذين يجب ترحيلهم ومكان تواجدهم، فضلاً عن أرقام هواتفهم.

وتابع: "كنا ننقل هذه المعلومات لرجالنا في مطار كابول، الذين كانوا يتصلون بهم ويتفقون معهم على توقيت الحضور أمام بوابة المطار، وفي بعض الحالات كانوا يطلبون منهم جلب عائلاتهم إلى مكان محدد (بعيداً عن المطار) ثم يرشدونهم إلى نقطة اللقاء".

وأشار رجل الأعمال الأميركي إلى أن عمليات الترحيل بدأت "عبر إحضاء مجموعات مؤلفة من 10 أو 12 شخصاً، لكن مع الوقت أصبحنا أكثر تنظيماً، حتى وصلنا إلى مرحلة كنا نرحّل فيها 300 شخص في آن واحد".

وفي هذا السياق، كشف فان ميتر حجم العرقلة الذي مثلته حركة طالبان لعميات الإجلاء، وذلك خلافاً لكل التصريحات من قبل كبار الإدارة الأميركية بشأن تسهيلها عمليات الترحيل خلال الأيام الأخيرة قبل موعد انسحاب القوات الأميركية الذي كان محدداً في 31 أغسطس.

وقال فان ميتر "كان (مسؤولو) طالبان يبذلون قصارى جهدهم لجعل عمليات الإجلاء أكثر صعوبة، إذ كانوا يغلقون بوابة (للمطار) ويفتحون أخرى، ويمنعون الحافلات من الوصول إلى المطار، ويغيرون القواعد المتعلقة بالوثائق المطلوبة للسماح بالمرور إلى المطار".

وتابع: "كانوا (مسؤولو طالبان) يقومون بما في وسعهم لمنع الناس من المغادرة"، مشيراً إلى أن طالبان منعت فتاة تحمل جواز سفر أميركي وعمرها 10 سنوات من دخول المطار، على الرغم من أنها كانت مع عائلتها ومصحوبة بفريق الإجلاء.

وأوضح أن فريقه حاول أيضاً إخراج الفتاة عبر الحدود البرية مع باكستان، لكن طالبان لم تسمح بذلك. وقال: "لا نستطيع إخراجها حالياً، لأن سياسة الحكومة الأميركية لا تسمح لنا بالتفاوض مع طالبان. لذا علينا انتظار أن تحسم وزارة الخارجية الأميركية قرار (الاعتراف) بحكومة طالبان".

اتفاق سري

وأبرمت الولايات المتحدة "اتفاقاً سرياً" مع حركة طالبان، لمرافقة أميركيين إلى بوابات مطار كابول، خلال محاولتهم الفرار من أفغانستان، وفق ما كشفت عنه شبكة "سي إن إن".

ونقلت الشبكة الأميركية عن مسؤولين اثنين في وزارة الدفاع الأميركية (بنتاجون)، قولهما إن الجيش تفاوض على "ترتيب سري" مع طالبان، أسفر عن مرافقة عناصر من الحركة مجموعات من الأميركيين، إلى بوابات مطار كابول.

وقال أحد المسؤولين إن قوات العمليات الخاصة الأميركية أقامت "بوابة سرية" في المطار، وأنشأت "مراكز اتصال" لتوجيه الأميركيين خلال عملية الإجلاء.

وأضاف المسؤولان، اللذان اشترطا عدم ذكر اسميهما، أن المواطنين الأميركيين أُخطروا عبر رسائل مختلفة، بالتجمع في "نقاط التقاء" محددة مسبقاً قرب المطار، حيث سيجمعهم عناصر طالبان ويتحققون من أوراقهم الثبوتية، ويأخذونهم مسافة قصيرة إلى بوابة تحرسها القوات الأميركية، التي كانت تقف على مقربة، من أجل السماح لهم بالدخول وسط حشود ضخمة من الأفغان الساعين للفرار.

اعتراف رسمي

وليس من الواضح ما إذا كانت طالبان التي كانت تتحقق من الأوراق الثبوتية خلال هذه الجهود قد أبعدت أياً من الأميركيين. وكانت عدة تقارير أفادت بأن بعض الأميركيين الذين يحملون جوازات سفر وحاملي البطاقة الخضراء الأميركية (جرين كارد)، أبعدوا عن نقاط تفتيش طالبان القريبة من المطار.

وأعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أن الإدارة الأميركية أنجزت "أكبر عملية إجلاء في تاريخ الولايات المتحدة"، مشيراً إلى أنه تم "إجلاء نحو 6000 أميركي وأكثر من 123 ألف مدني من جنسيات أخرى من أفغانستان".

غير أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن أقر بأن واشنطن عجزت عن إجلاء ما بين 200 و100 أميركي بالإضافة إلى آلاف من الأفغان الحاصلين على تأشيرات الولايات المتحدة.

سوء تقدير

وقالت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، إن "سوء تقدير وفشل في حسابات" الرئيس الأميركي جو بايدن، أدّى إلى الفوضى التي أعقبت عملية الانسحاب الأميركي من أفغانستان.

وأشارت الصحيفة إلى مقابلات أجرتها مع المشاركين الرئيسيين في الأيام الأخيرة من الحرب، تُظهر "سلسلة من سوء التقدير وفشل حسابات بايدن"، بأن سحب الجنود الأميركيين قبل إجلاء المواطنين الأميركيين والحلفاء الأفغان، سيؤدي إلى انسحاب منظم.

وذكرت أن مسؤولي إدارة بايدن عقدوا أكثر من 50 اجتماعاً بشأن أمن السفارة وعمليات الإجلاء، واعتقدوا باستمرار أن لديهم متسعاً من الوقت، لكن التخطيط فشل في منع الفوضى عندما استولت "طالبان" على كابول خلال أيام قليلة. وقالت إن الإدارة غيّرت مسارها عن خطتها الأصلية، "إلّا أن الأوان كان قد فات".