
بينما تواصل سحب جنودها بوتيرة ثابتة، وافقت الولايات المتحدة على ترك متعاقدين في أفغانستان للمساعدة في صيانة المعدات العسكرية التي تملكها القوات المحلية، وفق مجلة "فورين بوليسي"، كإجراء مؤقت حتى تحدد إدارة الرئيس جو بايدن الدور الذي سيلعبه البنتاغون في ضرب أهداف داخل العاصمة كابول من قواعد خارج البلاد، بعد إتمام عملية الانسحاب.
ونقلت المجلة، في تقرير الخميس، عن مسؤول أفغاني بارز، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، أن المتعاقدين سيبقون في أفغانستان خلال الوقت الجاري، حتى يعمل المسؤولون على إبرام عقد دائم معهم لإصلاح وصيانة الأصول الأميركية المقدمة للجيش الأفغاني.
وأشارت المجلة إلى أن المصدر لم يذكر عدد المتعاقدين الذين سيبقون في البلاد أو أماكن وجودهم لأسباب أمنية، لافتة إلى أن المسؤولين الأميركيين والأفغان لم يناقشوا الجدول الزمني لبقاء هؤلاء المتعاقدين في كابول، والذي ربما يتجاوز الموعد النهائي الذي حدده بايدن في 31 أغسطس المقبل لمغادرة القوات والمتعاقدين الأميركيين.
وقف تقدم طالبان
اعتبرت "فورين بوليسي" أن الخطوة الأميركية قد توفر فترة راحة للقوات الأفغانية المُحاصرة، والتي انهارت بعد هجمات مدمرة من حركة طالبان في الأسابيع الأخيرة، مشيرة إلى أن دعم القوات الجوية الأفغانية يمكن أن يوقف تقدم الحركة في الوقت الذي تتجه فيه بعيداً عن تكتيكات حرب العصابات، واتباع نهج عسكري أكثر تقليدية يركز على استعادة المدن.
وبحسب التقرير، أحالت وزارة الخارجية الأميركية أسئلتها بشأن خطط الولايات المتحدة المتعلقة بالجيش الأفغاني إلى وزارة الدفاع، ونقلت "فورين بوليسي" عن المتحدث باسم البنتاغون، روب لودويك، أن "الوزارة بدأت بالفعل في تنفيذ دعمها للقوات الجوية الأفغانية، وذلك بمساعدة دول ثالثة".
وأضاف: "يتم نقل الطائرات التي تتطلب إصلاحات كبيرة أو صيانة لفترة طويلة إلى مواقع أخرى، وهو الأمر الذي لا يختلف بشكل كبير عن الطريقة التي كان يتم بها تنفيذ مثل هذه الأعمال، فلطالما تم إحضار طائرات (UH-60)، و(MD-53)، و(Mi-17) الأفغانية إلى منشآت خارج أفغانستان لإجراء مثل هذه الإصلاحات، كما ينقل الجيش الأميركي طائراته إلى مواقع محددة لمثل هذه الإصلاحات بغض النظر عن المواقع التي يقومون فيها بالعمليات القتالية".
وتابع لوديويك، قائلاً: "ستؤثر زيادة الاعتماد على الميكانيكيين الأفغان في القيام ببعض أعمال الصيانة الروتينية على جاهزية القوات الجوية الأفغانية، ففي الماضي، كان يتم تنفيذ نصف هذه الأعمال من قبل متعاقدين مع وزارة الدفاع، ولكن للتخفيف من المخاطر، فإن هؤلاء المتعاقدين سيستمرون في تقديم الدعم والتعليمات وتوفير قطع الغيار للطائرات الأفغانية".
تغيير حسابات بايدن
المسؤول الأفغاني البارز قال إنه سيتم نقل بعض الطائرات إلى خارج البلاد، بينما ستتم صيانة طائرات أخرى في أفغانستان، حيث يقوم المتعاقدون ببعض الإصلاحات والصيانة داخل البلاد.
وأوضح أن قرار إبقاء المتعاقدين كان جزءاً من الجهد الأميركي لتوفير خدمة الإصلاح العاجل للطائرات الأفغانية، التي خرجت عن الخدمة للصيانة، وهو الأمر الذي أعاق سعي حكومة الرئيس الأفغاني أشرف غني، لوقف هجوم طالبان.
ورأت المجلة أن ترك المتعاقدين في كابول، بعد مغادرة معظم القوات القتالية الأميركية المتبقية قاعدة "باغرام" الجوية الأسبوع الماضي، علامة على إمكانية تغيير حسابات إدارة الرئيس بايدن الخاصة بتوفير الدعم الجوي للأفغان بعد الحرب، لكنها أشارت إلى أنه لم يتضح بعد ما الذي ستوفره الولايات المتحدة لإمداد البلاد بغطاء جوي.
ووفقاً لإحصاء جديد من مؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات" البحثية، فإنه في الأيام الستة الماضية فقط، سيطرت طالبان على 10% من أراضي البلاد، إذ تسيطر الحكومة الأفغانية على أقل من خُمس الأراضي فقط.
وقال المسؤول الأفغاني، إن الولايات المتحدة ستزود الأفغان أيضاً بالعشرات من الأصول الجوية الجديدة، بما في ذلك طائرات الهليكوبتر من طراز (UH-60 Black Hawk)، و(A-29 Super Tucanos).
من جانبه، قال لودويك إن وزارة الدفاع ستسعى إلى توفير طائرات إضافية للأفغان لتعويض خسائرهم في المعارك، فضلاً عن توفير مخزون احتياطي للطائرات التي قد يتم إرسالها إلى خارج البلاد في خدمات طويلة الأمد، موضحاً أن شحنات UH-60 Black Hawks التي تعد جزءاً من خطة تحديث القوات الجوية الأفغانية لعام 2016، ستبدأ في وصول كابول هذا الشهر.
دمج الفصائل المحلية
ومن المتوقع، وفق تقرير "فورين بوليسي"، أن يحصل الجيش الأفغاني على الدفعة الجديدة من الطائرات فيما يكثف جهوده لوقف مكاسب طالبان على الأرض، كما أن من المقرر أيضاً أن يبدأ حلف شمال الأطلسي (الناتو) تدريب بعض القوات الأفغانية الخاصة في تركيا عن بُعد، في الأسابيع المقبلة، وهو الجهد الذي قال "الناتو" إنه يمكن أن يمتد إلى كامل قوات الأمن الوطني الأفغانية بحلول أوائل العام المقبل.
ويتزامن هذا الحشد العسكري مع ظهور فصائل مناهضة لطالبان، ظهرت في الوقت الذي حققت فيه الحركة المتمسكة بأيديولوجيتها المتشددة من حقبة التسعينيات، مكاسب في جميع أنحاء شمال البلاد.
وقال المسؤول الأفغاني البارز إن هذه الفصائل تعمل لدعم قوات الأمن الوطني الأفغانية أو بالاشتراك معها، كما أنها تسعى للحصول على مساعدة الجيش من أجل الحصول على التسليح، مضيفاً أن الحكومة الأفغانية تدرس محاولة دمج هذه الجماعات المحلية المسلحة في الجيش الوطني، الذي يفتقر إلى القدرة على إجراء عمليات أكثر تعقيداً.
ونقلت المجلة عن دبلوماسي أفغاني بارز، لم تذكر اسمه، قوله: "إذا استطاع الجناح العسكري لطالبان الاستيلاء على الأراضي والاحتفاظ بها لفترة أطول، فإن ذلك قد يمنح الحركة دوراً أكبر في محادثات السلام بالعاصمة القطرية الدوحة، لكن ممارسة هذا الضغط بشدة وسرعة كبيرة قد يزعج الدول المجاورة والقوى الأكبر".
وأضاف: "حتى لو انتهى بهم الأمر بالاستيلاء على كابول، وهو أمر شبه مستحيل، فإنهم لن يتمكنوا من الحصول على تأييد العالم، ففي نهاية المطاف، تحتاج طالبان إلى الحصول على المساعدة لأنهم بحاجة إلى تقديم الخدمات للأفغان، وهو ما لن يمكنهم فعله بدون الحصول على دعم ومساعدة الدول الأخرى".