أثارت وفاة الشابة الإيرانية مهسا أميني أثناء اعتقالها من قبل "شرطة الأخلاق" في طهران، غضباً شعبياً وانتقادات دولية لجهاز الشرطة المكلف داخل البلاد، بإنفاذ مدونة قواعد السلوك في الأماكن العامة.
واندلعت مظاهرات في مدن إيرانية على خلفية إعلان وفاة أميني، فيما أعلنت الولايات المتحدة تصنيف "شرطة الأخلاق" في قوائم العقوبات، واتهمتها بـ"سوء المعاملة والعنف ضد الإيرانيات".
وأحيت الحادثة الجدل بشأن الحاجة إلى استمرار "شرطة الأخلاق" داخل إيران، إذ يطالب الإصلاحيون والمعتدلون بإلغاء الجهاز الأمني أو إعادة النظر في دوره، فيما يصر المحافظون على ضرورة استمرار الجهاز، بحسب موقع "إيران إنترناشيونال".
وأفادت صحيفة "روزان" الإيرانية، بأن التيار الإصلاحي منشق إلى قسمين في التعاطي مع هذا الموضوع، الأول يتمثل في جبهة الإصلاحات، ويدعو إلى حل "شرطة الأخلاق"، وآخر يتمثل في حزب "اعتماد ملي" يعتقد أن حل الجهاز لم يعد كافياً، وليس حلاً جذرياً للأزمة، بل يجب إنهاء العمل بقانون "الحجاب الإجباري" المفروض على النساء في إيران.
وفي الجهة المقابلة، اعتبر مهدي مهدويان، رئيس تحرير صحيفة "همشهري" الأصولية، أن بقاء شرطة الأخلاق "ضرورة أمنية" للنظام الإيراني، رافضاً دعوات إلغاء هذه المؤسسة الأمنية.
فما قصة "شرطة الأخلاق"، المثيرة للجدل؟
متطوعون لـ"حراسة الأخلاق"
تعرف "شرطة الأخلاق" رسمياً في إيران باسم "گشت إرشاد"، وتعني ترجمته إلى العربية "دوريات التوجيه"، وهي مكوّن تابع لـ"قوات إنفاذ القانون"، المكلفة بفرض القوانين ضد المخالفات الأخلاقية.
وتؤدي "شرطة الأخلاق" مهامها عبر تسيير دوريات في مختلف الشوارع الإيرانية، لمراقبة التزام النساء بشكل أساسي، والرجال أحياناً، باحترام قوانين "العفة والحجاب" في الأماكن العامة، بحسب ما ذكرت "بي بي سي".
كما تضم "شرطة الأخلاق" نساءً ورجالاً، ويملك عناصرها صلاحيات اعتقال واحتجاز المخالفين للقوانين، إضافة إلى إصدار العقوبات في حقهم.
مراسلة الإذاعة الوطنية العامة الأميركية في إيران، ديبورا آموس التي تعرضت للاعتقال من قبل "شرطة الأخلاق" لفترة وجيزة في عام 2014، كتبت أن معظم العاملين في الجهاز "متطوعون" لمراقبة النساء، ووصفته بأنه "تنظيم للفضوليين".
وقالت آموس إن "بعض أعضاء شرطة الأخلاق يتخلون عن رواتبهم من أجل القيام بما يعتبرونه واجباً دينياً"، غير أنها أوضحت أن العمل في الجهاز يمنحهم بعض الامتيازات، "تشمل إعطاءهم الأولوية في دخول الكليات، والاستفادة من القروض المصرفية، وكذلك في الحصول على الوظائف الحكومية".
ورغم أن "شرطة الأخلاق" تابعة رسمياً إلى "قوات إنفاذ القانون"، فإنها تضم في صفوفها عدداً كبيراً من قوات "الباسيج" (منظمة تعبئة المستضعفين)، وهي قوات شبه عسكرية تشكلت من المتطوعين عام 1979، وأُدمجت لاحقاً مع "الحرس الثوري" الإيراني عام 1981.
وبينما تضطلع قوات "الباسيج" في أوقات الاضطرابات الاجتماعية بمهام قمع الاحتجاجات، فإن أفرادها يعملون في أوقات السلم الاجتماعي ضمن "شرطة الأخلاق"، إذ يتم نشرهم في المعابر ونقاط التفتيش وفي المتنزهات، وفقاً لوكالة "رويترز".
عملاء سريون
وفي عام 2016، نشرت "شرطة الأخلاق" نحو 7000 عميل سري في الأماكن العامة بالبلاد، لإبلاغ الشرطة عن التجاوزات، لتقرر ما إذا كانت ستتخذ إجراءات ضد المخالفين، بحسب "نيوز ويك".
ولم يكن هؤلاء العملاء موظفين بشكل دائم لدی الشرطة، بل تم توظيفهم ضمن "شرطة الأخلاق" بعد إنهاء دورة تدريبية، وفق موقع "إيران إنترناشيونال".
ويكون أفراد شرطة الأخلاق عادة من الشبان التقليديين الموالين للنظام الحاكم، ولهم صلات وثيقة بغلاة المحافظين في البلاد، ويمثلون أحد أوجه الحرب الثقافية الإيرانية التي تضع العناصر المتحفظة في مواجهة المواطنين الأكثر تحرراً.
وبعد أيام قليلة من دخول القرار حيز التنفيذ، ظهرت تقارير عن مواجهات بين النساء في الأماكن العامة والعملاء السريين لشرطة الأخلاق.
ونشرت الصحافية الإيرانية مسيح ألينجاد فيديو عبر "تويتر" لإحدى هذه الحوادث، قائلةً إن "عميلة سرية صورت امرأة إيرانية، بهدف إرسال الفيديو للحرس الثوري من أجل اعتقالها، لأنها لم تكن ترتدي الحجاب".
وأضافت: "النساء (داخل الحافلة حيث وقعت الحادثة) اتحدن، وطردن العميلة السرية".
وفي العام ذاته، طور فريق غير معروف تطبيقاً يحمل اسم "Gershad" ويعمل على هواتف "أندرويد"، يتيح للمستخدمين التبليغ عن أماكن تواجد عملاء الشرطة السرية، بهدف تحذير النساء المهددات بشكل مسبق لتفادي مصادفة الشرطة.
وتُخضع "شرطة الأخلاق" في إيران جميع النساء للمراقبة، أي ما يقرب من 40 مليون امرأة وفتاة، إذ يجوب ضباط الشرطة شوارع المدن بمركباتهم ويتمتعون بسلطة إيقاف النساء وتفحّص ملابسهن، وتقييم عدد خصل الشعر الظاهرة للعيان، وطول البنطال الذي ترتديه ومعطفها، وكمية مساحيق التجميل التي تضعها على وجهها، وفقاً لما ذكرته "منظمة العفو الدولية".
وتشمل عقوبة الإمساك بالمرأة، وهي سافرة الشعر دون غطاء رأس، القبض أو الاحتجاز أو الحكم بالسجن أو الجلد أو دفع الغرامة.
ولدى النساء في إيران الحق الكامل في التعليم والعمل خارج المنزل، وتقلُّد المناصب العامة، لكن يُطلب منهن ارتداء ملابس محتشمة في الأماكن العامة، والتي تشمل ارتداء الحجاب الكامل والجلباب الطويل الفضفاض. ويُمنع الرجال والنساء غير المتزوجين من الاختلاط.
مصدر جدل متجدد
وقبل تأسيس "شرطة الأخلاق" رسمياً عام 2005 في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، كانت تعمل في شوارع إيران على شكل مجموعات غير رسمية من المتطوعين منذ عام 1979.
وبعد نجاح الثورة الإيرانية بقيادة الخميني في الإطاحة بالنظام الملكي عام 1979، أصدرت الجمهورية آنذاك قراراً بفرض ارتداء الحجاب على جميع النساء.
ولم تكن تملك الدولة في حينها، جهازاً رسمياً لإنفاذ قانون ارتداء الحجاب، غير أن السلطة شكلت هيئات غير رسمية لتطبيق القانون، وسيرت دوريات حملت أسماء متعددة، ضمنها "دوريات جند الله" و"دوريات ثأر الله" و"دوريات أنصار".
واستمر عمل هذه الدوريات خلال السنوات التي أعقبت الثورة تحت مسميات مختلفة، خلال عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي في أواخر التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وفي عام 2005، أصبحت "شرطة الأخلاق" مؤسسة رسمية تُعرف بـ"دوريات الإرشاد"، بأمر من أحمدي نجاد الذي فرض قواعد متشددة. وشبهت صحيفة "جارديان" البريطانية إجراءات نجاد بـ"حكم طالبان" الأول عام 2002.
وفي عام 2009، أُثير نقاش بشأن "شرطة الأخلاق" في الانتخابات الرئاسية، إذ دعا المرشحون الإصلاحيون إلى تفكيكها، غير أن تلك الآمال تبددت مع فوز أحمدي نجاد بولاية ثانية في الانتخابات.
وبعد فوز حسن روحاني الذي وُصف بالاعتدال، في الانتخابات الرئاسية لعام 2013، عمد إلى تخفيف قواعد الإلزام بقانون اللباس العام، واتَّهم "شرطة الأخلاق" بالعدوانية المفرطة ذات مرة، بحسب "أسوشيتد برس"، التي نقلت عن قائد الجهاز تصريحه في 2017، أن قواته "لن تعتقل بعد الآن النساء لانتهاكهن قواعد اللباس".
غير أن "شرطة الأخلاق" عادت مجدداً إلى تكثيف أنشطتها بعد أن تولي الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي، الموصوف بالتشدد، حكمَ البلاد العام الماضي، إذ تم تسجيل ارتفاع في مضايقات "دوريات الإرشاد"، وفقاً لـ"إيران إنترناشيونال".
هذه المعطيات أكدها مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي قال في سبتمبر الجاري، إن "شرطة الأخلاق وسعت من دورياتها في الشوارع خلال الأشهر الأخيرة، وعرّضت النساء اللواتي يُنظر إليهن على أنهن يرتدين الحجاب الفضفاض للمضايقات اللفظية والجسدية والاعتقال".
ولفت المكتب الأممي، إلى أنه تلقى العديد من مقاطع الفيديو، والتي تم التحقق منها، تظهر تعنيفاً للنساء، بما في ذلك صفعهن على الوجه وضربهن بالهراوات وإلقاؤهن في عربات الشرطة.
اقرأ أيضاً: