الشركات البريطانية تواجه تداعيات "بريكست"

time reading iconدقائق القراءة - 9
شاحنات تقف في طابور عند نقطة مراقبة الحدود في ميناء دوفر البريطاني 15 يناير 2021 - REUTERS
شاحنات تقف في طابور عند نقطة مراقبة الحدود في ميناء دوفر البريطاني 15 يناير 2021 - REUTERS
دبي- بلومبرغ

أصاب العفن الشاحنات المحمَّلة بلحم الخنزير البريطاني في موانئ المملكة المتحدة، في فبراير الجاري، خلال انتظارها في طابور التخليص الجمركي قبل إرسالها إلى ألمانيا.

وأثار الموقف رد فعل قوي في المملكة المتحدة التي تواجه تفشياً لفيروس كورونا بعد شهر من مغادرتها الاتحاد الأوروبي، وتسجيل 100 ألف حالة وفاة.

ومع تراجع حركة الشحن كثيراً إلى ما دون المستويات المعتادة، كانت تأثيرات "بريكست" أقل دراماتيكية مما كان متوقعاً، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى تخزين الشركات لمنتجاتها.

وطالت تأثيرات "بريكست" في ظل عمليات الإغلاق بسبب الفيروس جميع أجزاء الاقتصاد، سواء المتسوِّقون عبر الإنترنت والصيادون وتجار السيارات والمصرفيون والمزارعون. وربما تكون بعض المشكلات الناتجة عن "بريكست" قصيرة الأجل بفضل مواجهة الشركات للأوضاع الجديدة.

وفي حين تحاول المملكة المتحدة الابتعاد عن علاقات اقتصادية وتجارية، نشأت على مدى نصف قرن تقريباً، فإن بعض الخلافات ستستمر، وهذا سيؤدي إلى إعاقة النمو الاقتصادي.

وقال سام لوي، كبير الباحثين بـ"مركز الإصلاح الأوروبي" في لندن: "يشير الناس إلى الكثير من المشكلات على أنها ناشئة". مضيفاً: "وفيما تتعلم الشركات كيفية القيام بعملها، يجب أن نعترف أن البيروقراطية الجديدة هي بمثابة الواقع الجديد، والمستقبل يحمل الكثير من المتغيِّرات". 

واتسمت مجموعة المشاكل التي ظهرت في الأسابيع الأولى بعد "بريكست" بالهزلية في بعض الأحيان، مثل مصادرة موظفي الجمارك الهولنديين ساندوتش لحم الخنزير من سائق شاحنة، بسبب القواعد الجديدة المتعلقة باستيراد اللحوم والألبان.

وتصدرت الحلوى الشهيرة "بيرسي بيج" الأخبار، إذ تعاملت مجموعة "ماركس آند سبنسر جروب" مع قواعد جديدة بشأن الصادرات إلى أيرلندا. لكن المشهد المتغير يطرح أيضاً مسألة الاستمرارية أو البقاء، خصوصاً بالنسبة للشركات التي اعتمدت على الحركة من دون متاعب، والمنخفضة التكلفة للمنتجات داخل القارة وخارجها.

وقال فيرغوس هوي، الذي يعمل في تربية الخنازير من سلالة "إسكس"، ويدير أعمال التصدير في "ويكس مانور" في بريطانيا: "عندما بدأ الاتحاد الأوروبي مصادرة شطائر لحم الخنزير من سائقي الشاحنات لأنهم يقولون إنهم لا يعرفون ما إذا كان اللحم مطابقاً لمعايير الاتحاد الأوروبي، كان الأمر تافهاً ومثيراً للسخرية". وأضاف: "عندما يمارسون إجراءات البيروقراطية على الحدود، فهذا أمر مخيب للآمال حقاً، لا سيما عندما تتدفق تجارتهم معنا بشكل طبيعي".

وربما لم تقدِّم الوقائع التي شهدها يناير صورة دقيقة للتبادل التجاري بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بعد "بريكست". ولجأ العديد من الشركات إلى عمليات التخزين لتفادي حدوث أي فوضى على الحدود في الأيام الأولى من عام 2021، لكن هذه المخزونات لن تدوم طويلاً.

ويقرُّ المسؤولون الحكوميون بأن الاختناقات قد تتصاعد مع عودة التدفقات عبر القنال الإنجليزي إلى المستويات الطبيعية، مقابل نحو 75% حالياً، على الرغم من أنهم لا يتوقعون أن تصل إلى أسوأ السيناريوهات التي حدثت العام الماضي.

ويقول المسؤولون الحكوميون أيضاً إن بعض الصعوبات مرتبطة بضرورة خلو سائقي الشاحنات من الإصابة بفيروس كورونا، عوضاً عن متطلبات تطبيق "بريكست". لكن الشركات تقول إن الإجراءات التي كانت بسيطة في السابق أصبحت حالياً مرهقة.

ويعدُّ التوثيق، خصوصاً للأحمال التي تحتوي على أنواع مختلفة من البضائع من موردين متعددين، والمعروف باسم التجميع، من بين المشكلات التي تسبِّب التأخير.

قوائم الانتظار

وعادت بعض الشاحنات إلى القارة الأوروبية فارغة لتخطي قوائم الانتظار، مما أدى إلى رفع أسعار الشحن لمدة ستة أسابيع متتالية، في حين تجنَّب البعض الآخر من الشاحنات بريطانيا تماماً.

وتراجعت أحجام النقل بين فرنسا والمملكة المتحدة، مع تجاوز الشركات لبريطانيا من خلال اللجوء إلى طرق مباشرة نحو أوروبا، مثل تلك التي جرى تدشينها يوم الاثنين بين دبلن وأمستردام. ومن المرجح أن يزداد الأمر سوءاً، عندما تطبِّق بريطانيا عمليات الفحص الجمركية الخاصة بها في يونيو 2021.

وقال مايكل جوف وزير شؤون مجلس الوزراء البريطاني مطلع الأسبوع إن البضائع تتدفق "بشكل فعَّال". ومهما كان هناك قضايا، فإن الحكومة "ستبذل قصارى جهدها لمساعدة الشركات على التكيف".

وبعيداً عن الموانئ، كان هناك أيضاً صدمة للمستهلكين. ويتأثر المتسوِّقون البريطانيون الذين يشترون عبر الإنترنت من الاتحاد الأوروبي، برسوم الاستيراد. وقد يثير ذلك مخاوف بشأن التضخم، إذ ترتفع توقعات الأسر بحدوث زيادة في الأسعار. 

وأما بالنسبة لبريطانيا، فكان الدافع إلى مغادرة الاتحاد الأوروبي هو التخلص مما قالت إنه بيروقراطية وقواعد ساحقة، وحصل رئيس الوزراء بوريس جونسون على فرصة للحديث عن فوائد أو منافع "بريكست" قبل أيام. ومع تراجع حملة التطعيم ضد فيروس كورونا في الاتحاد الأوروبي، مقارنة بالمملكة المتحدة، أشار جونسون إلى "السرعة وخفة الحركة" التي لم تكن ممكنة أثناء عضوية بلاده في التكتل.

وقال جونسون للمشرِّعين: "لقد تمكنا من إنجاز الأهداف بشكل مختلف، وأفضل من بعض النواحي". لقد غادرت المملكة المتحدة التكتل تقريباً من دون أي اتفاق تجاري على الإطلاق، وتوصلت إلى اتفاق عشية عيد الميلاد. ومع ذلك، تظل بعض الصناعات تتوجس خيفة من المستقبل. ولم تتناول محادثات بريطانيا مع الاتحاد الأوروربي بشأن "بريكست" مسألة التمويل، وتعتمد الآن على اتفاقية منفصلة قد تستغرق سنوات في الإعداد.

وفي غضون ذلك، تشهد مدينة لندن مغادرة بعض الأنشطة المالية، مثل تداول الأسهم، والمشتقات. 

تحديات جمة

وفي الشهر الأول لـ "بريكست"، أثبت الواقع أن هناك مشاكل حادة تواجه أيرلندا الشمالية التي كانت حجر عثرة رئيسية في محادثات "بريكست". وظهرت صور الرفوف الفارغة في المتاجر أوائل يناير، واضطرت سلسلة متاجر "سينسبري" إلى تخزين منتجات المنافسين.

وعاد الجدل مجدداً حول حدود أيرلندا الشمالية، بشكل غير متوقع في وقت متأخر من يوم الجمعة، عندما قال الاتحاد الأوروبي إنه سيعلّق جزئياً بنداً من اتفاق "بريكست"، في إطار الضوابط الجديدة لتصدير اللقاح إليها، قبل أن يتراجع في وقت لاحق.

وتسمح المادة المتعلّقة بأيرلندا الشمالية في اتفاق "بريكست" للبضائع بالتدفق بين أيرلندا العضو في الاتحاد الأوروبي ومقاطعة أيرلندا الشمالية التابعة لبريطانيا، من دون الحاجة إلى تفتيش جمركي.

لكن بنداً تحت المادة 16 من البروتوكول يسمح للطرفين بتعليق البند بشكل أحادي لبضائع معينة، إذا أدى الاتفاق "إلى صعوبات اقتصادية أو اجتماعية أو بيئية خطيرة يمكن أن تستمر".

وحتى الصيد الذي أصبح رمزاً لمعركة بريطانيا "لاستعادة السيطرة" ونقطة شائكة في المفاوضات، كان ضحية مبكرة على الرغم من إصرار النائب المؤيد لـ "بريكست" جاكوب ريس-موغ على أن الأسماك الموجودة حالياً في المياه البريطانية "أكثر سعادة"، واستعادت الصفقة التجارية حقوقاً في مياه بريطانيا أقل بكثير مما كان مأمولاً. 

وسينتهي المطاف بالنسبة لبعض الصيادين بحصص أصغر للأسماك المشهورة في الوطن مثل سمك "القد" وسمك "الحدوق". ويتضرر المصدِّرون بشكل خاص لأن شحناتهم تميل إلى تجميع منتجات مختلفة تتطلب مستندات ورقية جديدة متنوعة، تتعلّق بالجمارك والصحة وشهادات الصيد.

وفي نهاية المطاف، قامت المملكة المتحدة بمغامرة بتعزيز التجارة مع أكبر وأقرب شريك تجاري لها، على أمل أن تتمكن من إبرام صفقات تجارية جديدة وأفضل مع البلدان الأخرى.

وأما بالنسبة للشركات التي تنقل البضائع بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، فقد بدأت عواقب "بريكست" في الظهور. وقال المفاوض التجاري البريطاني السابق ديفيد هينيغ: "التقارب في وجهات النظر مهم.. انتهى عصر التجارة بدون مشاكل وأصبح من الماضي".

*هذه المادة من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ