
توترت العلاقات بشدة بين بعض أحزاب المعارضة في تركيا، المُتحدة نظرياً ضد الرئيس رجب طيب أردوغان، لدرجة أن زعماءها يرفضون تناول الشاي معاً، قبل الانتخابات المرتقبة العام المقبل.
وقالت زعيمة حزب "الخير" القومي ميرال أكشنار، إنها "لن تجلس أبداً على طاولة واحدة" مع "حزب الشعوب الديمقراطي" اليساري الكردي. وعلّق قيادي في الحزب على تصريحها، مؤكداً أن "الشعور متبادل"، إذ أن أعضاء الحزب لن "يشربوا الشاي في المقهى ذاته" مع أكشنار.
أعقب ذلك وابل من الإهانات، تلقفتها وسائل الإعلام الموالية لأردوغان، الساعية إلى تأجيج انقسامات في تحالف يُعتبر أفضل فرصة للإطاحة به، بعدما حكم تركيا لنحو عقدين، كما أوردت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.
وتراجع أردوغان في استطلاعات الرأي، نتيجة استياء الناخبين من ارتفاع معدلات التضخم، وانهيار قيمة الليرة، إضافة إلى انخفاض حاد في مستويات المعيشة.
حزبا "الخير" و"الشعب الجمهوري"
وترى أحزاب المعارضة، التي سيطرت على المدن الكبرى بعد تقديم مرشحين مشتركين في الانتخابات البلدية عام 2019، أن الانتخابات الرئاسية والنيابية، المقررة في يونيو 2023، تشكّل "فرصة تاريخية" لإسقاط الرئيس التركي. وأعلنت أنها تريد "إصلاح الضرر" الذي ألحقه أردوغان بالاقتصاد، و"استعادة الحريات الديمقراطية التي قوّضها"، وفق تعبيرها.
لكن الخلاف الأخير، الناجم عن تباين بشأن تشكيل حكومة بعد طيّ صفحة أردوغان، كان بمثابة تجسيد لخلافات أكثر عمقاً، لا سيّما بشأن أمر لم يُحسم بعد، يتعلّق بهوية المرشح المشترك الذي سيواجه أردوغان في السباق الرئاسي، بحسب الصحيفة.
وقال بيرك إيسن، وهو أستاذ مساعد في العلوم السياسية في "جامعة صابانجي" في إسطنبول: "أعتقد بأن حزب الخير استغلّ ذلك كذريعة لمواجهة حزب الشعب الجمهوري بشكل غير مباشر، وهذا أمر أرادوا فعله منذ بعض الوقت. كانت هناك بالفعل خلافات تختمر داخل التحالف. وباتت هذه قضية ملائمة لحزب الخير من أجل استخدامها في إثارة مشكلات".
مرشح المعارضة للرئاسة
يشكّل "حزب الشعب الجمهوري" محور التحالف، وهو حزب علماني ذو ميول يسارية أُسّس قبل 99 عاماً ويُعتبر أبرز تشكيل معارض في تركيا. أما حزب "الخير"، الذي أُسّس في عام 2018 ولديه جذور في القومية اليمينية، فحاول التموضع في الوسط.
وأعلن زعيم "حزب الشعب الجمهوري" كمال كيليجدار أوغلو، وأكشنار، التزامهما بالعمل معاً، لكن ثمة خلافات عميقة ومتنامية بشأن الاستراتيجية التي يجب اتباعها في الانتخابات.
يكمن أبرز مصدر للتوتر، في هوية مرشح المعارضة للاقتراع. ويُصرّ كيليجدار أوغلو (73 عاماً) على خوض السباق، رغم أن استطلاعات الرأي تُظهر أن حظوظه في هزيمة أردوغان تقلّ عن مرشحين آخرين. وتفضّل أكشنار، التي استبعدت نفسها من السباق الرئاسي، ترشيح رئيس بلدية أنقرة منصور ياواش. لكن كيليجدار أوغلو استبعد ذلك علناً.
قوميو تركيا وأكرادها
ثمة مصدر آخر للقلق، يتمثل في مخاوف مسؤولي حزب "الخير" من أن يعقد كيليجدار أوغلو صفقات سرية مع أحزاب صغيرة، مثل "حزب الديمقراطية والتقدّم" بزعامة وزير الاقتصاد السابق علي باباجان. ويخشى حزب أكشنار أن يَعِد كيليجدار أوغلو بتبنّي البرنامج الاقتصادي التي يطمح إليه باباجان، في مقابل دعم ترشيحه في الانتخابات.
كذلك يبدي حزب "الخير" انزعاجاً من تواصل كيليجدار أوغلو مع "حزب الشعوب الديمقراطي"، وهو ليس جزءاً من تحالف المعارضة الذي يضمّ 6 أحزاب، وينزعج منه القوميون الأتراك نتيجة اتهامه بدعم توجّه انفصالي للأكراد. ويُدرج مسؤولو حزب "الخير" ذلك في إطار جهد كيليجدار أوغلو لحشد الدعم لترشيحه.
في المقابل، يشدد مسؤولو "حزب الشعب الجمهوري" على أهمية دعم حزب نال نحو 12% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. لكن قياديين في حزب "الخير" يردّون بغضب على اقتراحات بوجوب بناء الثقة مع "حزب الشعوب الديمقراطي". ونقلت "فايننشال تايمز" عن شخص على صلة وثيقة بقيادة الحزب، قوله: "نحن مَن نحن... فعلنا الكثير من التكيّف" مع وضع "مؤذٍ".
"خطوط صدع قوية جداً"
يتهم حزبا "الخير" و"الشعوب الديمقراطي" بعضهما بعضاً بتقديم مصالحهما الخاصة على مصالح البلاد، وعدم الرغبة في المساومة. وسأل النائب عن الحزب الكردي هيشيار أوزسوي: "إذا كنت تريد حقاً هزيمة أردوغان وتحويل البلاد إلى مكان مناسب للإقامة فيه، فهل يُعقل عدم التحدث إلى حزب الشعوب الديمقراطي؟".
أما بولنت كوش أوغلو، وهو نائب وحليف لكيليجدار أوغلو، فحذر من "انهيار" تحالف المعارضة إذا أصرّت الأحزاب الأخرى على معارضة ترشيح زعيم "حزب الشعب الجمهوري" للرئاسة.
وذكر مسؤولون في حزبَي "الخير" و"الشعوب الديمقراطي"، أن الأمر قد ينتهي بهم في نهاية المطاف إلى تقديم مرشحهم في الجولة الأولى من الانتخابات، ثم الاتحاد وراء اسم واحد، إذا نجحوا في فرض جولة ثانية.
لكن محللين يرون أن هذا الاحتمال محفوف بأخطار، نتيجة الضرر الذي قد يسبّبه مرشحو المعارضة لكلّ منهم خلال الحملة الانتخابية، وخطر أن يلجأ أردوغان إلى "مخالفات"، في الجولة الثانية التي ستكون وجودية بالنسبة إليه، بحسب "فايننشال تايمز".
وقالت سيرين سيلوين قرقماز، المديرة التنفيذية لمركز أبحاث "IstanPol" (مقره إسطنبول): "في هذا النوع من النظام الذي يمثّل فيه أمن الانتخابات إشكالية، تحتاج المعارضة إلى نصر في الجولة الأولى".
أما بيرك إيسن فيعتبر أن جبهة المعارضة في تركيا ليست على وشك انهيار كامل، مستدركاً أن هذه التوترات أبرزت التحديات التي تواجه تحالفاً يضمّ الأكراد والأتراك، والعلمانيين والمحافظين، واليساريين واليمينيين. وقال: "في تركيا، هذه (المسائل) محدّدة تاريخياً، وهي خطوط صدع قوية جداً. وأردوغان بارع في استغلالها".
اقرأ أيضاً: