كيف تستخدم واشنطن وموسكو وبكين الذكاء الاصطناعي في جيوشها؟

time reading iconدقائق القراءة - 14
المدمّرة الأميركية "يو إس إس لابون" تبحر في مضيق البوسفور، 11 يونيو 2021 - REUTERS
المدمّرة الأميركية "يو إس إس لابون" تبحر في مضيق البوسفور، 11 يونيو 2021 - REUTERS
دبي -إيلي هيدموس

تنفذ البحرية الأميركية مشروعاً يُعرف بـ "بروجكت أوفرماتش" Project Overmatch، ويستهدف ربط المنصات والأسلحة وأجهزة الاستشعار، وتطوير الشبكات والبنية التحتية والبيانات والأدوات التحليلية، بما يتيح رداً عسكرياً متزامناً ومدمّراً، في مواجهة تعزيز روسيا والصين قدراتهما في الحرب الحديثة، لا سيّما تلك التي تستند إلى الذكاء الاصطناعي.

وفي وصفها لهذا المشروع، كتبت مجلة "ناشيونال إنترست" أن على "الغواصات المزوّدة بطوربيدات، تحديد موقع سفن العدو وغواصاته ومهاجمتها، وعلى طائرات الاستطلاع التي تعمل تحت الماء، كشف الألغام وغواصات العدو، وعلى السفن السطحية شنّ هجمات ضخمة، كل ذلك أثناء التواصل في وقت واحد مع أنظمة غير مأهولة، وربما الأهم من كل شيء، ردع صواريخ العدو المضادة للسفن".

وذكرت المجلة أن المشروع "قد يحظى باهتمام أقلّ"، مستدركة أن ثمة استراتيجية "تعتمد على الشبكات الآمنة ومعالجة معلومات الحرب"، من خلال توزيع أجهزة استشعار فضائية، وطائرات مسيّرة، وغواصات وسفن سطحية، وحتى مقاتلات، في إطار قتالي واسع، ولكنه مرتبط بشكل وثيق من خلال أجهزة استشعار بعيدة المدى وشبكات اتصالات.

وأشارت إلى "نهج تكتيكي ينعكس بشكل متزايد في التفكير الاستراتيجي لسلاحَي البحرية ومشاة البحرية (مارينز)، والذي لا يواصل فقط التركيز بشكل كبير على الأنظمة غير المأهولة، ولكن أيضاً يرتقي بمعالجة المعلومات ونقلها عبر المجالات، بوصفها هدفاً أساسياً للحرب الاستراتيجية".

ولفتت المجلة إلى التركيز على "الشبكات التي تدعم الذكاء الاصطناعي، وروابط بيانات التردد اللاسلكي الآمنة، وأجهزة الاستشعار والأسلحة بعيدة المدى، ومعالجة الكمبيوتر عالية السرعة، وابتكارات أخرى تمسّ دورة القرار في الحرب".

هيمنة بحرية مستدامة

يمكن تعريف "بروجكت أوفرماتش" بأنه "جهد متعدد القيادة، يستهدف تمكين منصات وقدرات سلاح البحرية ومشاة البحرية، وإتاحة تأثيرات متزامنة، قاتلة وغير قاتلة، من القريب والبعيد، ومن كل محور ومجال".

ويُعدّ "تطوير الشبكات، والبنية التحتية، وهندسة البيانات، والأدوات، والتحليلات التي تدعم البيئة التشغيلية والتنموية، التي ستتيح هيمنة بحرية مستدامة، باستخدام أنظمة مأهولة وغير مأهولة، أمراً حاسماً" لهذا المشروع، الذي سيعتمد على "أحدث التقنيات الرقمية، مثل الذكاء الاصطناعي، والتعلّم الآلي، وتكنولوجيا المعلومات والشبكات، لتحسين جاهزية الأسطول (الأميركي) في العالم"، وفقاً للمصدر نفسه.

"بروجكت أوفرماتش" التابع للبحرية، يُضاف إلى مشروع "بروجكت كونفرجينس" Project Convergence للجيش، و"النظام المتقدّم لإدارة المعركة" لسلاح الجوّ، وهي أسماء مختلفة لشبكة من الذكاء الاصطناعي، تعمل ضمن نطاق واسع متعدّد المجالات في بيئة الحرب، في إطار الاستراتيجية المشتركة للقيادة والسيطرة على كل المجالات (JADC2)، وهذا مفهوم أعدّته وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) لربط أجهزة الاستشعار من كل الأفرع العسكرية، وهي سلاح الجوّ والجيش ومشاة البحرية والقوات البحرية والقوات الفضائية، في شبكة واحدة.

وتعاونت البحرية في مشروع "بروجكت أوفرماتش" مع شركة "نورثروب جرومان" الأميركية، التي تحدث مايك ميني، نائب رئيس أجهزة الاستشعار البرية والبحرية فيها، عن ابتكار "برنامج معلوماتي جديد ووضع أشكال اتصالات جديدة".

اختبار تكنولوجيا جديدة

يقود هذا المشروع الأدميرال دوجلاس سمول، الذي ذكر أن مكتبه لا يزال يعمل على الهيكل التأسيسي واختبار التكنولوجيا الجديدة، مضيفاً أن لديه ما يكفي من المال والحوسبة السحابية، للعمل في ظلّ التحديات التقنية، مستدركاً أن إيجاد طرق لمشاركة البيانات فعلياً، لم يُكتشف بعد.

واعتبر سمول أن أحد أكثر جوانب هذه البرامج تحدياً، يتمثل في نقل البيانات عبر المجالات، من الجو إلى البحر إلى أجزاء أخرى من الحرب، علماً أن هذا التحدي يزداد، من خلال الوضع الجغرافي للبحرية، إذ تفصل كيلومترات بين سفنها في المحيطات.

وتعهد سمول بالمضي في المشروع، ولو مع انخفاض موازنة وزارة الدفاع، علماً أنه يتيح إنشاء شبكة بحرية من السفن، وأجهزة استشعار، وأسلحة ومنصات ستمكّن البحرية من ربط عملياتها وإعطاء القادة رؤية أوسع في الوقت الفعلي. لكن الأمر لن يقتصر على البحرية، إذ قال سمول إن أي سلاح أو حليف أو شريك للولايات المتحدة، يعمل في البحر، سيكون قادراً على الارتباط بالشبكة، باستخدام إمكانات مشاركة البيانات، لتعزيز مجال رؤيتهم وتنسيق العمليات.

وشدد القائم بأعمال وزير البحرية، توماس هاركر، على أن "أهمية وضرورة المتطلّبات والقدرات، التي تُطوّر من خلال بروجكت أوفرماتش، أساسية لنجاح جهودنا المستقبلية، في البحرية ومشاة البحرية". أما الأدميرال مايك غيلداي، قائد العمليات البحرية، فاعتبر أن تلك الجهود تتطلّب فترة طويلة، مستدركاً أن الأمور "تسير في الاتجاه الصحيح".

الذكاء الاصطناعي والأتمتة

وفيما يعكس هذا المشروع سعياً أميركياً إلى الارتقاء بالترسانة العسكرية، ومواءمتها مع التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي والحرب السيبرانية، تدرك واشنطن أنها تواجه خصمين عنيدين، هما موسكو وبكين، اللتان تقلّصان بخطى حثيثة التقدّم الذي تتمتع به الولايات المتحدة.

ونبّه روبرت ورك، نائب وزير الدفاع الأميركي السابق، الذي أطلق مشروع Project Maven، التابع لوزارة الدفاع ويستخدم التعلّم الآلي لفرز كميات ضخمة من بيانات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، وعُرف أحياناً بالحرب الخوارزمية، وقاد استخدام الوزارة للذكاء الاصطناعي، إلى أن الولايات المتحدة "قد تكون تخسر السباق" في الذكاء الاصطناعي أمام الصين.

وأشار إلى أن بكين، وموسكو بدرجة أقلّ، يمكن أن تتفوّقا على واشنطن في الذكاء الاصطناعي والأتمتة العسكرية. وتحدث عن ضرورة إجراء 3 إصلاحات أساسية، لتجنّب ذلك، وتتمثل في تخصيص 1% من موازنة الدفاع، أي نحو 7 مليارات دولار سنوياً، لمشاريع الذكاء الاصطناعي؛ وإقامة شراكة بين البنتاجون والأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص، لمنافسة الصين في استراتيجيتها للاندماج العسكري - المدني؛ وتعزيز "مركز الذكاء الاصطناعي المشترك"، الذي أُسّس في عام 2018.

روسيا والذكاء الاصطناعي

أما الجنرال مايكل جروين، قائد هذا المركز، فحذر من احتمال أن يطوّر "نظام استبدادي، مثل روسيا"، قدرة ذكاء اصطناعي مسلحة. واعتبر أن القوات الأميركية وحلفاءها قد لا يكونون قادرين على استخدام قدرات مماثلة، لا سيّما إذا شنّ خصم محتمل، هجوماً بأسلحة مدعومة بالذكاء الاصطناعي، من دون رادع أخلاقي أو إنساني.

وأشار إلى ما أسماه "خط الأساس الأخلاقي"، متحدثاً عن وسائل لتصميم أسلحة فعالة جداً وتعتمد الذكاء الاصطناعي، وتُستخدم بما يتماشى مع المعايير الأخلاقية الراسخة.

وأفاد موقع "ديفانس وان" بأن الولايات المتحدة ليست القوة العسكرية الكبرى الوحيدة التي تحاول ربط كل أسلحتها رقمياً، وتنفيذ عمليات بشكل أسرع، مستخدمة الذكاء الاصطناعي، مضيفاً أن روسيا حققت مكاسب في نسختها الخاصة من القيادة والسيطرة المركزية، في الأرض والبحر والفضاء والأثير الإلكتروني.

وتابع أن "مركز التحليلات البحرية"، وهو مركز أبحاث مرتبط بالبحرية الأميركية، ذكر أن القادة العسكريين الروس طوّروا بشكل مطرد، في السنوات الماضية، مفهوماً مرتبطاً بالذكاء الاصطناعي، يُسمّى "أنظمة التحكّم الآلي"، وتصفه موسوعة الجيش الروسي بأنه "نظام أتمتة، مثل العمليات أو وظائف القيادة والسيطرة على القوات، و(أو) الأسلحة (الأصول القتالية) مثل: جمع المعلومات اللازمة ومعالجتها وتخزينها وتسليمها، لتحسين القيادة والسيطرة على القوات والأسلحة". ولهذا المفهوم "تشابه غريب مع رؤية الجيش الأميركي للعمليات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وتتمحور حول الشبكة"، كما أفاد الموقع.

وأضاف الموقع أن الجيش الروسي بدأ، في عام 2019، باختبار مفاهيم البنادق ذاتية الدفع، منفذاً محاكاة لهجوم يستهدف شبه جزيرة القرم، التي ضمّتها موسكو من كييف. وتابع أن "أنظمة التحكّم الآلي" ستستخدم الذكاء الاصطناعي للعثور على الأهداف، وإعداد خطط لشنّ ضربات.

"تحسين الوعي بساحة المعركة"

وقال صامويل بينديت، وهو مستشار في "مركز التحليلات البحرية"، إن العمل على هذه الأنظمة تسارع في السنوات الأخيرة، نتيجة "التدخل الروسي في سوريا".

وأشار المركز إلى أن شركة المقاولات الدفاعية الروسية "Sozvezdie" عرضت برمجيات نظام تحكّم جديدة "تمكّن المدفعية والقوات الصاروخية من العمل في بيئة معلومات متكاملة".

وذكر جيفري إدموندز، وهو باحث في المركز، أن "روسيا بذلت جهداً ضخماً لربط قوتها من الجنود، من المستوى العملاني إلى الاستراتيجي، لتحسين الوعي بساحة المعركة و(الاتصالات)".

ونقل موقع "ناشيونال ديفانس" عن الجنرال جروين، إن "الجيش الروسي يسعى إلى أن يكون رائداً في تسليح تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي". وأضاف أن تقريراً أعدّه "مركز التحليلات البحرية"، بطلب من "مركز الذكاء الاصطناعي المشترك"، حدّد أكثر من 150 نظاماً عسكرياً روسياً مزوّداً بالذكاء الاصطناعي، في مراحل مختلفة من التطوير.

وتابع أن موسكو تريد استخدام هذا الذكاء في الحرب الإلكترونية، والاستخبارات، والمراقبة، والاستطلاع وعمليات صنع القرار الاستراتيجي.

وأشار إلى أن "روسيا لم تكن رائدة أساسية في تطوير الإنترنت أو شبكات الكمبيوتر، لكنها باتت رائدة في تسليح تلك التكنولوجيات، من أجل (استخدامها في) هجمات إلكترونية متقدّمة وقدرات الجرائم الإلكترونية".

أما الجنرال جون هيتين، نائب رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، فلفت إلى استثمار روسيا موارد هائلة، في تطوير الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة وتقنيات البرمجيات، معتبراً أنها "تشكّل تهديداً ضخماً، خصوصاً على المدى القريب".

وأفاد تقرير "مركز التحليلات البحرية" بأن موسكو، مثل واشنطن، تعمل لاستخدام التكنولوجيا الرقمية في جيشها، مضيفاً أن وزارة الدفاع الروسية أعلنت أنها تعتزم تأسيس إدارة متخصّصة لتطوير الذكاء الاصطناعي، وتعمل لتطوير هيكل لتبادل المعلومات العسكرية، يشبه الاستراتيجية المشتركة للقيادة والسيطرة على كل المجالات في البنتاجون.

وتابع التقرير أن الجيش الروسي يرى في الذكاء الاصطناعي "أمراً أساسياً لتعزيز صدقية ردعه النووي للولايات المتحدة، والحفاظ على القوة، وتحسين قدرته على الإنذار المبكر، والحفاظ على قدرة موثوق بها  لتوجيه ضربة ثانية، وهزيمة أنظمة الدفاع الصاروخي للخصم".

"حرب ذكية" صينية

في السياق ذاته، أصدرت "لجنة الأمن القومي الأميركية للذكاء الاصطناعي" تقريراً، صنّف الصين بوصفها منافساً استراتيجياً للولايات المتحدة، ونظيراً لها في مجالات كثيرة، ورائدة في مجال الذكاء الاصطناعي في بعض المجالات.

وأضاف أن الذكاء الاصطناعي يعزّز التهديد الذي تشكّله هجمات إلكترونية صينية محتملة، مشيراً إلى أن بكين تخطّط لاستخدام هذا الذكاء لموازنة التفوّق العسكري الأميركي، من خلال تنفيذ نوع من "حرب ذكية"، تعتمد بشكل أكبر على إنشاء لوجستيات بديلة، والمشتريات، والتدريب، إضافة إلى خوارزميات الحرب.

وتحدث التقرير عن إقدام شبكات في المعركة على توصيل الأنظمة، فيما ستُنشر طائرات مسيّرة مسلحة تنفذ وظائف مستقلة. كذلك سيُدرّب الجنود في بيئات حيّة وافتراضية، تدمج الذكاء الاصطناعي، الذي سيسرّع عملية تحديد الأهداف القيّمة، واستهدافها، نتيجة التحسينات في جمع المعلومات الاستخباراتية ونقلها.

وسيساعد استخدام الصين الذكاء الاصطناعي في أجهزة الاستخبارات الوطنية، مسؤوليها على تحديد الاتجاهات والتهديدات. واعتبر التقرير أن "استخدام الصين المحلي للذكاء الاصطناعي، هو سابقة مروّعة لأي شخص في العالم يعتزّ بالحرية الفردية".

غواصات صينية تستهدف الأميركيين

وكان وزير الدفاع الأميركي السابق، مارك إسبر، اعتبر أن "الحزب الشيوعي الصيني يدرك القوة التحوّلية للذكاء الاصطناعي"، فيما أفاد تقرير أعدّه البنتاجون، في عام 2020، بأن بكين ترى في التكنولوجيا عنصراً حاسماً في قوتها العسكرية والصناعية مستقبلاً، مضيفاً أن "خطة تطوير الذكاء الاصطناعي للجيل المقبل"، توضح تفاصيل استراتيجية الصين لاستخدام المنظمات التجارية والعسكرية لتحقيق اختراقات ضخمة، بحلول عام 2025، ولكي تصبح رائدة في العالم بحلول عام 2030.

وأضاف التقرير أن الجيش الصيني يعتبر أن "تنفيذ قدرات ذكية سيزيد من سرعة القتال مستقبلاً، ما يستلزم مزيداً من المعالجة السريعة ودمج المعلومات، لدعم اتخاذ القيادة قرارات سريعة وفعالة".

صحيفة "ساوث تشاينا مورنينج بوست" أوردت أن بكين تطوّر غواصات غير مأهولة، ضخمة وذكية ومنخفضة التكلفة نسبياً، يمكنها التجوّل في محيطات العالم، لأداء مهمات كثيرة، من الاستطلاع إلى وضع ألغام، وحتى (شنّ) هجمات انتحارية ضد سفن العدو"، في إطار مشاريع تستخدم الذكاء الاصطناعي. ونقلت عن باحثين أن هذه الغواصات الآلية تستهدف بشكل خاص القوات الأميركية في مياه استراتيجية، مثل بحر الصين الجنوبي وغرب المحيط الهادئ.

اقرأ أيضاً: