شبح "داعش" يعرقل مساعي إغلاق مخيم الهول في سوريا

time reading iconدقائق القراءة - 9
محتجزة تسير إلى جانب سياج داخل مخيم الهول في محافظة الحسكة شمالي سوريا- 28 مارس 2019 - AFP
محتجزة تسير إلى جانب سياج داخل مخيم الهول في محافظة الحسكة شمالي سوريا- 28 مارس 2019 - AFP
دبي-عزيز عليلو

بعد مرور أكثر من 3 سنوات على إعلان الولايات المتحدة هزيمة تنظيم "داعش" بسوريا في مارس 2019، ما يزال تهديد عناصر التنظيم وأفراد عائلاتهم المحتجزين داخل مخيم الهول في سوريا عائقاً أمام إغلاق المخيم.

والمخيم الذي يقع بمحافظة الحسكة شمالي شرق سوريا على بعد أقل من 10 كيلومترات من الحدود العراقية، يضم أكثر من 56 ألف شخص 94% منهم نساء وأطفال، بحسب آخر الأرقام التي أعلنتها الأمم المتحدة الأسبوع الماضي.

ويشكل العراقيون نصف المحتجزين في المخيم تقريباً، أما البقية فهم مواطنون من دول أخرى، بينهم أطفال وأقارب آخرون لمقاتلين بتنظيم داعش.

وبينما تصاعدت دعوات الأمم المتحدة بإعادة آلاف النازحين المحتجزين في مخيم "الهول" إلى بلدانهم نظراً للظروف المزرية للاعتقال، فإن العراق كان ضمن الدول القليلة التي استجابت لهذه الدعوة، فيما رفضت دول أخرى إعادتهم خوفاً من أي تهديدات إرهابية مستقبلية. 

وتشكل قضية الأشخاص الذين انضموا إلى "داعش" معضلة أمام دولهم الأم لناحية كيفية تسوية أوضاعهم، في وقت ترفض دول عدة عودتهم إليها وتسحب جنسياتهم.

تفكيك المخيم

وأعلن العراق، الأحد، بدء عمل دولي مشترك لإغلاق مخيم الهول تحت رعاية الحكومة العراقية والأمم المتحدة، عبر تشكيل 4 مجموعات فرعية عراقية ودولية.

وقالت الحكومة العراقية إن مستشار الأمن القومي، قاسم الأعرجي ترأس، الأحد، الجلسة التأسيسية لمجموعتي العمل العراقية والدولية، المعنية بتنفيذ الإطار الدولي لإعادة العراقيين من شمال شرق سوريا، وتفكيك مخيم الهول السوري".

وافتتح الأعرجي أعمال الجلسة بكلمة أكد فيها على أهمية العمل لإنهاء التهديد الذي يسببه مخيم الهول، وتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته تجاه هذا الملف، مشيراً إلى أن الحكومة اتخذت قراراً شجاعاً وباشرت بتنفيذه منذ مايو 2021.

وتمخض عن الجلسة تشكيل 4 مجموعات فرعية عراقية ودولية، في مجالات "الحماية القانونية للأطفال"، "الأمن والمساءلة للبالغين"، "إعادة التأهيل"، "إعادة الاندماج والخدمات الانتقالية".

وكان العراق أعاد 700 شخص، غالبيتهم من أفراد عائلات مقاتلي داعش من مخيم الهول في 12 أغسطس الجاري، بموجب تنسيق مشترك بين إدارة المخيم والحكومة العراقية.

وخلال الأشهر الماضية، غادر مئات العراقيين من أفراد عائلات يشتبه بارتباطها بالتنظيم مخيم الهول. وغالباً ما تنقل السلطات العراقية هؤلاء إلى مخيم الجدعة في جنوب مدينة الموصل، قبل أن يتم إعادة بعضهم في وقت لاحق إلى المناطق التي يتحدرون منها.

وينوي العراق إعادة باقي المحتجزين في المخيم قبل نهاية العام الحالي، فيما يكثف جهوده الدولية لإغلاق المخيم، إذ يعتبر استمرار احتجاز عناصر داعش فيه "مصدر خطر حقيقي" على حدوده.

من مخيم للاجئين إلى "سجن"

تم بناء مخيم الهول للمرة الأولى في عام 1991 من قبل المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالتعاون مع الحكومة السوريّة، لاستقبال النازحين الفارين من الكويت خلال حرب الخليج الأولى، ثم تم إغلاقه بعد فترة قصيرة من انتهاء الحرب.

وأعادت مفوضية اللاجئين فتح المخيم للمرة الثانية في عام 2003، بهدف استقبال النازحين من الغزو الأميركي للعراق، ثم أُغلق مرة أخرى في 2007.

وفي 2012، سيطر تنظيم داعش على مناطق بمحافظة الحسكة، وحول مخيم الهول إلى مقر سكن لعائلات مقاتليه الأجانب، قبل أن تعيد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وهي ائتلاف يضم فصائل كردية وعربية مدعوم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، السيطرة على المخيم.

وفي مايو 2016 أعادت قوات "قسد" فتح المخيم من أجل استقبال النازحين من مناطق سيطرة تنظيم داعش.

وتوسّع المخيم  بسرعة مع وصول أكثر من 63 ألف امرأة وطفل نزحوا بسبب الهجوم على تنظيم  "داعش" في الباغوز بين ديسمبر 2018 وأبريل 2019.

وخلال سقوط الباغوز، المعقل الأخير لداعش في سوريا، اعتقل عناصر "قسد"، بدعم من التحالف الدولي، عشرات الآلاف من المشتبه في انتمائهم لداعش وأفراد عائلاتهم. واستمرت المعركة وقتها لأسابيع وانتهت في 23 مارس 2019.

وبإعلان هزيمة داعش بسوريا في أواخر مارس 2019، كان عدد المحتجزين في المخيم يقدر بأكثر من 60 ألف شخص، من دون اتباع الإجراءات الواجبة تجاههم، بحسب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.

وقالت المفوضية إن المحتجزين لديهم درجات متفاوتة من الانتماء إلى داعش، لكن ضمنهم أيضاً آلاف الأشخاص الذين ليس لهم أي ارتباط بالتنظيم، ممن توافدوا إلى المخيم هرباً من النزاع.

ويخضع مخيم الهول لسيطرة "الأسايش"، وهي قوات الشرطة التابعة لـ"الإدارة الذاتية"، بالإضافة إلى قوات "قسد" الجناح العسكري لـ"الإدارة الذاتية" التي تسيطر على أقاليم الكردية في شمال شرق سوريا.

وقسمت شرطة "الأسايش" المخيم إلى جزء رئيسي وهو مكون من 3 قطاعات يضم سوريين وعراقيين، وإلى قسم يُسمى "الملحق"، وهو مكون من 5 قطاعات، يضم كافة النساء والأطفال المنتمين إلى دول أخرى (غير العراق). ويفصل بين المخيم الرئيسي سياج ونقطة تفتيش.

وبحسب صحيفة "واشنطن بوست"، فإن المخيم تحول إلى "سجن في الهواء الطلق" يضم عشرات الآلاف من النساء والأطفال من جميع أنحاء العالم، معظمهم من أقارب مقاتلي تنظيم داعش، مشيرةً إلى أن المخيم يبقى أحد أكثر المشاكل استعصاءً على جدول أعمال الأمم المتحدة، في ظل عدم استعداد بلدان كثيرة لإعادة رعاياها من المخيم.

"دولة خلافة مصغرة"

ورغم نداءات الأمم المتحدة المتكررة، وتحذير منظمات دولية من أوضاع "كارثية" في مخيم الهول، إلا أن غالبية الدول تصرّ على عدم استعادة مواطنيها، ولم تستجب لدعوة الإدارة الذاتية إلى إنشاء محكمة دولية لمحاكمة عناصر داعش القابعين في سجون قواتها.

وتسلمت دول قليلة أفراداً من عائلات عناصر داعش المحتجزين في شمال شرق سوريا، منها بأعداد كبيرة مثل أوزبكستان وكازاخستان وكوسوفو.

واكتفت أخرى، خصوصاً الأوروبية، باستعادة عدد محدود من النساء والأطفال لا سيما اليتامى من أبناء عناصر داعش.

وتعاني دول أوروبية عدة من معضلة عودة "عائلات داعش"، خاصة النساء اللواتي التحقن بصفوف التنظيم في العراق وسوريا، وأنجبن أطفالاً من مقاتليه. 

ووصفت وثيقة داخلية تابعة للاتحاد الأوروبي، اطلت عليها صحيفة "نيويورك تايمز" عام 2021، مخيم "الهول" بأنه "دولة خلافة مصغرة". 

وتواجه الحكومات الأوروبية ضغوطاً متزايدة لإعادة البالغين وتقديمهم إلى المحاكمة، وسط تأكيدات بأن تقاعس هذه الدول يمثل انتهاكاً لالتزامها بحقوق الإنسان، لكن معظم الدول الأوروبية قالت إنها غير ملتزمة قانوناً بمساعدة مواطنيها القابعين في المخيمات، وإن البالغين الذين انضموا إلى "داعش" يجب محاكمتهم في العراق وسوريا.  

ووفق "نيويورك تايمز"، يقر الخبراء الأمنيون والجماعات الحقوقية ومحامو الأفراد الذين ذهبوا إلى مناطق سيطرة "داعش" سابقاً، بأن الحكومات الأوروبية تواجه مخاوف أمنية "مشروعة" من وقوع هجمات إرهابية على أراضيها.

لكن أعداداً متزايدة من المسؤولين الحكوميين والاستخباراتيين قالوا إن ترك المواطنين الأوروبيين في سوريا سيجلب "مخاطر أكبر"، بما فيها إمكان انضمام هؤلاء إلى جماعات إرهابية تستهدف أوروبا.

أحداث عنف متزايدة

وحذرت الأمم المتحدة في يونيو الماضي، من تزايد أعمال العنف داخل مخيم الهول، إذ قال منسق الأمم المتحدة في سوريا عمران رضا، إن المخيم يعاني انعدام أمن متزايداً ويحكم على الأطفال المحتجزين فيه بحياة بلا مستقبل.

وقالت الأمم المتحدة في تقرير أواخر يونيو الماضي، إن أكثر من 100 شخص،  بينهم الكثير من النساء، لقوا مصرعهم في مخيم الهول، وطلبت من الدول إعادة مواطنيها.

وفي 2021، أفادت مجموعات إنسانية و"مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب"، بوفاة أكثر من 700 محتجز في الهول وروج - نصفهم على الأقل من الأطفال - منذ 2019.

وقُتل العديد في الهول ممَن ظلوا موالين لداعش على يد المعتقلين، بينما قُتل آخرون في تبادل لإطلاق النار بين الحراس والمعتقلين، أو جرّاء نقص الرعاية الطبية، والظروف غير الصحية، أو في حوادث مثل حرائق الخيام.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات