
صعّدت الجزائر خطابها الرسمي تجاه فرنسا، إذ رفض الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الاكتفاء باعتذار نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون عن تصريحاته التي اعتبرها "مسيئة" للجزائر، وطالب بـ"اعتراف كامل" من فرنسا بجرائم الاستعمار، فيما هاجمت مجلة "الجيش" السلطات الفرنسية بقوة.
وجاءت تصريحات الرئيس الجزائري وسط توترات دبلوماسية غير مسبوقة بين الجزائر وفرنسا، على خلفية تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الشهر الماضي، شكَّك فيها بـ"وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار"، وردَّت الجزائر باستدعاء سفيرها في باريس، وإغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الطائرات العسكرية الفرنسية.
وقال تبون في مقابلة مع مجلة "دير شبيجل" الألمانية ونقلتها وكالة الأنباء الجزائرية، إن "الأمر لا يتعلق بمشكلة شخصية (مع ماكرون) وإنما هو مشكل وطني"، مشدداً على أن "الجزائر ليست بحاجة إلى اعتذار من ماكرون عن أحداث وقعت في سنة 1830 أو 1840، لكنها تطالب باعتراف تام وكامل بالجرائم التي اقترفها الفرنسيون".
ولفت الرئيس الجزائري إلى أنه "عندما يصرح رئيس دولة بأن الجزائر لم تكن أمة بأتم معنى الكلمة، فالأمور تصبح خطيرة جداً"، موضحاً أن الأمر "لا يتعلق بمشكل شخصي (مع ماكرون) وإنما هو مشكل وطني".
تبون، الذي وصف تصريحات الرئيس الفرنسي بـ"الحقد القديم"، اعتبر أن تصريحات ماكرون لا تعبر عن طريقة تفكيره، مشيراً إلى أن تصريحاته لها دوافع "انتخابية".
وأوضح أن ماكرون انحاز من خلال تصريحاته "إلى جانب أولئك الذين يبررون الاستعمار"، مؤكداً أنه "لا يجب المساس بتاريخ شعب، ولا تجب الإساءة للجزائريين".
إغلاق المجال الجوي
ولدى سؤاله عن إمكانية اعادة فتح المجال الجوي للطائرات العسكرية الفرنسية، رد تبون بـ"لا"، مضيفاً أنه "إذا أراد الفرنسيون الذهاب إلى مالي أو النيجر، فعليهم الطيران لمدة 9 ساعات، عوضاً عن 4 ساعات سابقاً، ولكننا نبقى على استعداد لمنح استثناء حين يتعلق الأمر بإغاثة الجرحى".
وكانت الجزائر استدعت في أكتوبر الماضي سفيرها في باريس عقب تصريحات ماكرون، وفي اليوم التالي، أغلقت الجزائر مجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية.
وفي وقت لاحق من الشهر الماضي، قال تبون إن عودة السفير الجزائري إلى باريس "مشروطة بالاحترام التام" لبلاده.
ولم يقف التوتر عند هذا الحد، إذ حض سفير الجزائر لدى باريس محمد عنتر داوود، جاليته في فرنسا على التدخل في "الحياة السياسية الفرنسية".
وقال عنتر، خلال منتدى خصص لإحياء ذكرى "مجزرة 17 أكتوبر 1961"، إنه "من غير المقبول ألا تتمكن الجزائر التي تتوفر على أكبر جالية أجنبية بفرنسا و18 قنصلية، من الأخذ بزمام الأمور من أجل التدخل ليس في السياسة الجزائرية فحسب، بل أيضاً على مستوى السياسة الفرنسية".
وردت باريس على تصريحات السفير الجزائري بالدعوة إلى "احترام السيادة الفرنسية". وجاء في بيان لوزارة الخارجية الفرنسية أن "وزير أوروبا والشؤون الخارجية جان إيف لودريان، جدد الأسبوع الماضي التأكيد على تمسك فرنسا باحترام السيادة الجزائرية. من البديهي أننا نتوقع من كل شركائنا أن يحترموا سيادتنا".
"مؤامرات ودسائس"
وتفجرت الأزمة بين الجزائر وباريس إثر تصريحات نقلتها صحيفة "لوموند" الفرنسية، عن الرئيس الفرنسي، مطلع الشهر الماضي، وصف فيها ماكرون التاريخ الرسمي الجزائري بأنه "لا يقوم على الحقائق".
كما تحدث عن "تاريخ رسمي" للجزائر "أعيدت كتابته بالكامل" وفق قوله، وهو "لا يستند إلى حقائق" إنما على "خطاب يرتكز على كراهية فرنسا"، وفق الصحيفة.
وفي رد غير مباشر من الجيش الجزائري، نشرت مجلة الجيش افتتاحية في عدد نوفمبر، جاء فيها أن "الأبواق تعالت لضرب الثقة المتجذرة التي تربط الشعب بجيشه وإحداث القطيعة بينهما، لكي يسهل لهم التلاعب بمصير الجزائر ومقوماتها، ومحاولة استغلال الظروف التي تمر بها بلادنا لتهديم أسس الدولة الوطنية".
كما نشرت المجلة عموداً غير موقع، جاء فيه أن "الجزائر ومنذ القرن السادس عشر كانت سيدة البحر الأبيض المتوسط، وكان لها الفضل الكبير على الكثير من الدول، ومنها فرنسا، التي كانت تحمي سفنها وتُمولها بالقمح وتُقرضها الأموال".
وأوضح المقال أن "الأمور اختلطت على الرئيس ماكرون بسبب فشل سياسته ونكسات تاريخ بلاده، فلم يعد يُفرق بين الواقع والوهم وبين الحقيقة والإفك وبين المعرفة والجهل".
وتابع العمود أن "الأمة الجزائرية تعي وتُدرك جيداً أنه لا فرق بين ماكرون وماري لوبان وإيريك زمور (من اليمين الفرنسي المتطرف)، ولا فرق بين يسارهم ويمينهم"، مضيفاً أن "كلهم يرى في الجزائر بجيشها وشعبها وحكومتها عدواً لدوداً".
فرنسا ترجو التهدئة
وفي 5 أكتوبر، أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن أمله في انتهاء التوتر الدبلوماسي القائم مع الجزائر قريباً، مؤكداً أن العلاقات مع نظيره الجزائري عبدالمجيد تبون "ودية فعلاً"، في وقت تشهد فيه العلاقات الثنائية "توترات حادة".
وقال ماكرون في مقابلة مع إذاعة "فرانس إنتر": "نرجو أن نتمكن من تهدئة الأمور، لأني أعتقد أن من الأفضل أن نتحدث إلى بعضنا، وأن نحرز تقدماً".
وأكد الرئيس الفرنسي احترامه "الكبير" للشعب الجزائري، وعزا التوترات الحالية إلى الجهود المبذولة في باريس بشأن عمل الذاكرة بشأن حرب الجزائر.
وفي 12 أكتوبر، قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إن بلاده "تحترم سيادة الجزائر"، عقب استدعاء الجزائر سفيرها في باريس.
وخلال كلمة أمام البرلمان الفرنسي، شدد لودريان على "الاحترام الكامل لسيادة الجزائر"، بما في ذلك "مسألة الذاكرة المشتركة بين البلدين".