قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، الجمعة، إنَّ لقطاتٍ وصور أقمار اصطناعية لقاعدة جوية إيرانية تشير إلى استعداد طهران لاستقبال مقاتلات حربية روسية، في صفقة لو تمت ستكون "التحديث الأهم" للأسطول الإيراني منذ عقود.
وكانت إيران قد كشفت في 7 فبراير النقاب عن قاعدة جوية تحت الأرض تحمل اسم "عُقاب 44" في مقطع فيديو دعائي يظهر جداراً يحمل ملصقاً عليه صور ظلية (أي صور لظل دون ملامح ظاهرة) لطائرات مقاتلة.
من بين هذه المقاتلات توجد واحدة مميزة بشكل خاص تظهر في مُقدمة ومنتصف الملصق، وهي على شكل طائرة عسكرية لا تملكها إيران في الوقت الحالي، لكن مسؤوليها يزعمون أنَّ روسيا بصدد بيعها لهم.
وتُظهر تحليلات صور الأقمار الاصطناعية نموذجاً -يصفه الخبراء بأنه نموذج بالحجم الطبيعي- مماثلاً لنوع الطائرة المقاتلة الموجود صورتها في ملصق القاعدة.
وعند إضافة هذه التحليلات إلى الفيديو الدعائي، تفترض التفاصيل تفاؤل المسؤولين في إيران بالحصول على هذه الطائرات، وأنهم يخططون لاستخدام هذه القاعدة لاستضافة بعضها، وفقاً لـ"نيويورك تايمز".
وقالت الصحيفة إنَّ المسؤولين العسكريين والسياسيين في إيران يتحدثون منذ سبتمبر 2022 عن شراء 24 مقاتلة "سو-35"، التي تُعد إحدى الطائرات الروسية الأكثر تقدماً.
وعلى الرغم من أن روسيا لم تؤكد الصفقة، تُشير التفاصيل الواردة في مقطع الفيديو وصور الأقمار الاصطناعية إلى أن إيران تستعد -على الأقل- لوصول الطائرات، الأمر الذي يؤكد المسؤولون أنه سيحدث في وقت لاحق من هذا العام.
"التحديث الأهم"
وقالت الصحيفة الأميركية إنَّ حصول إيران على المقاتلة "سو-35" سيكون بمثابة أهم تحديث لأسطول طائراتها القديم منذ عقود.
وأدت العزلة الدولية لموسكو وحاجتها إلى الإمدادات العسكرية بعد غزوها لأوكرانيا إلى تسريع وتيرة التعاون العسكري بين روسيا وإيران.
ووصفت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن العلاقات الوثيقة بين البلدين بأنها "ضارة"، وقالت إنها تعتقد أن الإيرانيين يتلقون بالفعل تدريبات على الطائرة الجديدة.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، في مؤتمر صحافي في ديسمبر الماضي، إنَّ "هذه الطائرات المقاتلة ستعزز بشكل كبير سلاح الجو الإيراني مقارنة لجيرانها في المنطقة".
ورصد كريس بيجرز، وهو محلل صور سابق في الحكومة الأميركية، نموذجين بالحجم الطبيعي لطائرات مقاتلة، منهما نموذج يطابق أبعاد المقاتلة الروسية "سو-35"، في منطقة تجميع.
تسليم محتمل
وقال بيجرز، الذي يعمل مديراً في شركة "هوك آي 360" التي تتعقب انبعاثات الترددات اللاسلكية في جميع أنحاء العالم، إنَّ هذه النماذج تُستخدم -على الأرجح- في تقييم المساحات اللازمة لحركة الطائرات داخل المنشأة الواقعة تحت الأرض، وقد تشير إلى أنَّ المنشأة ستكون مقراً للمقاتلات.
وأضاف بيجرز أن النموذج الثاني الذي رصده يطابق طائرة تمتلكها القوات الجوية الإيرانية في الوقت الحالي، مُوضحاً أن المقاتلة "سو-35" ليست مشابهة للنموذج الثاني، لكنه توقع حصول إيران عليها في وقت مبكر من العام الجاري، مع استمرار طهران في دعم الحرب الروسية في أوكرانيا.
وظهر كلا النموذجين في موقعهما الحالي في يناير الماضي، بينما كان البناء لا يزال مستمراً. ولم يتم نقل النموذجين من ذلك الحين، وفقاً لصور التقطتها الأقمار الاصطناعية اطلعت عليها الصحيفة.
وقالت "نيويورك تايمز" إن القاعدة الجوية ربما لا تزال تشهد تحسينات استعداداً للتسليم المحتمل للمقاتلات الروسية، مُوضحة أنَّ مدخل النفق الذي ظهر في مقطع الفيديو الدعائي قد يكون أضيق من أن يستوعب الطائرات الروسية العريضة.
وأضافت الصحيفة أن تحليلاتها تُشير إلى وجود نفق آخر -ربما يكون مُخصصاً لطائرات أكبر حجماً- لا يزال قيد الإنشاء.
وكان مقطع الفيديو الدعائي جزءاً من سلسلة من الفيديوهات الترويجية للقاعدة الجوية "عُقاب 44" التي نشرتها إيران الأسبوع الماضي، ويظهر فيها مسؤولون عسكريون رفيعو المستوى يتجولون في القاعدة.
وأوضح بيجرز أن الصورة الظلية، التي شوهدت على الملصق المتواجد في الفيديو، تتطابق مع عائلة مقاتلات "فلانكر"، وهو الاسم الذي يطلق على المقاتلات الروسية الحديثة مثل "سو-35".
ولا تمتلك إيران مقاتلات من عائلة "فلانكر" في الوقت الحالي. وأضاف بيجرز أن الصور الظلية الأخرى على الملصق هي لمقاتلات تمتلكها إيران.
"رد الجميل"
وأشارت الصحيفة إلى أنه "بعد نكسات روسيا في ساحة المعركة، تحولت بشكل متزايد إلى إيران للحصول على الإمدادات العسكرية، بما في ذلك المسيرات التي تستخدم غالباً لشن هجمات ضد المدن الكبيرة مثل كييف"، لافتة إلى أنَّ بيع مقاتلات "سو-35" قد "يكون وسيلة لرد الجميل".
وقال الأستاذ المساعد لشؤون الأمن القومي في الكلية البحرية للدراسات العليا بالولايات المتحدة أفشون أوستوفار: "يبدو أنَّ دعم إيران لروسيا في أوكرانيا جزء من اتفاقية تعاون دفاعي أكبر"، على حد تعبيره.
وأضاف: "يمكن لإيران أن تستفيد من التعاون الروسي ونقل الأسلحة بعدة طرق، لكنَّ المجالين الرئيسيين، حيث يمكن للتعاون أنْ يمثل دفعة لإيران، سيكونان من خلال نقل الطائرات الروسية المتقدمة والأنظمة المضادَّة للطائرات مثل إس-400".
وتوقع أفشون أن تكون القاعدة الإيرانية الحديثة مخصصَّة لاستضافة المقاتلات الروسية الجديدة في حال شرائها، معتبراً أنَّه سيكون "من المبالغة" تخصيص مثل هذه المنشأة لإيواء الأسطول الإيراني الحالي من الطائرات الأميركية والروسية التي تعود إلى حقبة الحرب الباردة.
وأضاف أفشون: "يمكن تشبيه هذا ببناء مرآب جديد رائع من أجل سيارة الجد القديمة من طراز ترانس أم".
وبحسب "نيويورك تايمز"، تقع القاعدة الجوية الجديدة في منطقة جبلية بمحافظة هرمزجان جنوبي إيران، على بعد 160 كيلومتراً فقط شمال مضيق هرمز الذي يعد ممراً مائياً استراتيجياً مهماً لإمدادات النفط العالمية.
وكشفت مراجعة أجرتها الصحيفة لصور سابقة للمنطقة، تم التقاطها عبر الأقمار الاصطناعية، أنَّ تشييد القاعدة بدأ في أغسطس 2013، لافتة إلى أنه اعتباراً من فبراير 2023 ظهرت 5 مداخل للأنفاق تؤدي إلى ملاجئ تحت الأرض.