"فاجنر".. رحلة "جيش بوتين الخاص" إلى التمرد عليه

time reading iconدقائق القراءة - 10
مقاتلون من مجموعة "فاجنر" في مدينة "روستوف أون دون" جنوبي روسيا بعد إعلان التمرد ضد الجيش. 24 يونيو 2023 - REUTERS
مقاتلون من مجموعة "فاجنر" في مدينة "روستوف أون دون" جنوبي روسيا بعد إعلان التمرد ضد الجيش. 24 يونيو 2023 - REUTERS
دبي -الشرق

دخل الغزو الروسي لأوكرانيا تحولاً جديداً بإعلان جماعة "فاجنر" الروسية الخاصة بقيادة يفجيني بريجوجين تمرداً مسلحاً ضد قيادة الجيش الروسي، بعدما كانت الجماعة صانعة انتصار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أعنف المعارك بين الروس والأوكرانيين بمدينة باخموت، شرقي أوكرانيا.

الجماعة شبه العسكرية التي كانت تنشر قواتها في خطوط المواجهة المشتعلة في أوكرانيا، تركت مواقعها وعبرت الحدود من أوكرانيا إلى روسيا، فسيطرت على قيادة الجيش الروسي في مدينة روستوف، الذي يعد مركزاً أساسياً للهجوم الروسي على أوكرانيا، وهددت بحشد قواتها نحو العاصمة موسكو.

هذا التحول جاء بعدما دعا رئيس الجماعة يفجيني بريجوجين، الجمعة، لانتفاضة على قيادة الجيش بعد اتهامها بقتل "عدد هائل" من عناصره في قصف استهدف مواقع خلفية لهم في أوكرانيا، فيما سارعت موسكو لنفي الأمر مؤكّدة ملاحقة بريجوجين بتهمة "الدعوة إلى تمرّد مسلّح".

وفرضت مجموعة "فاجنر" نفسها في الأشهر الأخيرة كقوة رديفة أساسية للجيش الروسي في أوكرانيا، ولا سيما في الخطوط الأمامية في المعركة من أجل السيطرة على باخموت. 

غير أن "فاجنر" والجيش الروسي لم يُحققا الإندماج الذي كان يسعى إليه الرئيس فلاديمير بوتين في ساحة المعارك في أوكرانيا، إذ برزت خلافات كبيرة بينهما، فيما أشارت تقارير نادرة في روسيا التي تتكتم عادة على الصراعات الداخلية، إلى أن التنافس القائم بين وزارة الدفاع ومجموعات "فاجنر"، له جذور قديمة، تستند بالدرجة الأولى على تدهور العلاقات الشخصية بين بريجوجين وشويجو.

فمن هي جماعة "فاجنر"؟ وكيف أصبحت قوة رديفة للجيش الروسي النظامي؟

من كيان خفي إلى شركة

هي مجموعة من المنظمات التي توفر مقاتلين للعمل كمرتزقة، ويقول الخبراء إن لديها ما يقدر بنحو 5 آلاف مقاتل.

وحتى العام الماضي، لم يكن للمجموعة أي "وجود شرعي" في روسيا. عدم وضوح مكان تسجيل الشركة أو مقرها الرئيسي جعل وسائل الإعلام الغربية تعطيها توصيفات تتراوح بين "المرتزقة" والشركة العسكرية الخاصة.

مجلة "فورين بوليسي" أكدت في عام 2021 عدم وجود أي شركة تجارية مسجلة باسم "فاجنر"، مشيرةً إلى أن المجموعة عبارة عن شبكة معقدة من الشركات التي تعمل في مجال النقل اللوجستي ومجموعات توفر المرتزقة. 

وأوضحت المجلة أن المجموعة تتحدى التعريف التقليدي للشركة العسكرية الخاصة، مضيفةً أن الطبيعة الغامضة للشبكة تشكل تحدياً هائلاً للضحايا والحكومات والمؤسسات الدولية التي تسعى إلى محاسبة المجموعة على الفظائع المزعومة.

غير أن هذا الوضع تغير  بعد بدء الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي وانخراط قواتها في الحرب، إذ فتحت الشركة أول مقر رسمي لها في سانت بطرسبرج الروسية في نوفمبر 2022.

وفي يناير 2023، كشفت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، أن "فاجنر" حصلت على وضع قانوني في روسيا لأول مرة، بعدما تم تسجيلها كـ"شركة مساهمة" مدرجة في سانت بطرسبرج تحت اسم PMC Wagner Center.

وقال هيئة الإذاعة البريطانية، إنه حتى يناير 2023، لم يكن لفاجنر أي قانوني في أي بلد.

من يقود "فاجنر"؟

يقول  الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، صموئيل راماني، إن صفوف المجموعة تتكون في الأساس من الروس من ذوي الخبرات العسكرية، ولكنها في السنوات الأخيرة جندت مقاتلين من أماكن أخرى، بما في ذلك سوريا.

ووفقاً لبحث أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، فإنه يُشتبه في أن "فاجنر" عملت في حوالي 30 دولة ولديها معسكرين للتدريب في روسيا. ورغم أنها ظاهرياً تبدو مجموعة تابعة للقطاع الخاص، فإن "إدارتها وعملياتها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمجتمع العسكري والاستخباراتي الروسي في عهد الرئيس فلاديمير بوتين" وذلك وفقاً للمركز.

وطالما ربطت وكالات الاستخبارات الغربية والتقارير الإخبارية "فاجنر" بالأوليجاريش الروسي يفجيني بريجوجين، حليف بوتين الذي اتهمه المستشار الأميركي روبرت مولر، بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016، والذي يعتقد المحللون أنه وسيط الكرملين في تمويل المجموعة.

وفيما يبقى من غير الواضح أيضاً مَن يقود "فاجنر"، فإن مسؤولين أميركيين وأوروبيين يعتقدون أن  قائدها ديميتري أوتكين، الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات العسكرية الأجنبية الروسية. ويرجح راماني أن أوتكين من المتعاطفين مع النازية، وأنه ربما اختار لها هذا الاسم نسبة للموسيقار الألماني ريتشارد فاجنر الذي كان أدولف هتلر من المعجبين بموسيقاه.

وفرض معظم الدول الغربية عقوبات جديدة على فاجنر عقب دخولها في الحرب بأوكرانيا، فيما اتهمتها الولايات المتحدة وأوكرانيا بارتكاب جرائم قد يتم وصفها بأنها جرائم حرب.

أين ظهرت فاجنر لأول مرة؟

ظهرت "فاجنر" للمرة الأولى بجانب انفصاليين من إقليم دونباس شرق أوكرانيا في 2014.  ومنذ ذلك الحين تفرعت شبكة المجموعة لتنتشر قواتها شبه العسكرية في سوريا، حيث قاتلوا لدعم الرئيس بشار الأسد، وكذلك في ليبيا ومدغشقر وموزمبيق وإفريقيا الوسطى ومالي، وفق مجلة "فورين بوليسي".

وأفاد مركز الدراسات الاستراتيجية، بأن "فاجنر" ساعدت في 2014، بتدريب وتنظيم وتسليح الجماعات المسلحة المدعومة من روسيا التي تقاتل للسيطرة على منطقة دونباس الشرقية في أوكرانيا، كما شارك عملاء المجموعة أيضاً في القتال وفي جمع المعلومات الاستخباراتية.

وأضاف المركز أن "فاجنر" كانت جزء من استيلاء روسيا وضمها غير القانوني لشبه جزيرة القرم في أوكرانيا، ويقول المسؤولون الأميركيون إن عناصر المجموعة قد عادوا الآن إلى البلاد من جديد.

"جيش بوتين الخاص"

وقالت "تليجراف" إن المجموعة  تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى "جيش خاص" في يد الرئيس الروسي فلاديمر بوتين، "يستغله في مناطق النزاع، التي لا يريد أن تتدخل فيها روسيا بشكل مباشر".

وقالت الصحيفة إنه "يزعم أن روسيا اليوم تفضل استخدام قوات فاجنر شبه العسكرية في مناطق مثل أوكرانيا وسوريا وليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى، وذلك لأغراض سياسية وكوسيلة لجمع الأموال، حيث يبدو الرئيس فلاديمير بوتين حريصاً، بشكل خاص، على توسيع نفوذ موسكو عبر إفريقيا، وتحديداً في ليبيا، الغنية بالنفط، والتي يمكنه التحكم في تدفق المهاجرين إلى جنوب أوروبا من خلالها".

أين تنتشر؟

في السنوات الثماني الماضية، تم الإبلاغ عن وجود قوات "فاجنر" في سوريا وليبيا والسودان ومالي وجمهورية إفريقيا الوسطى ومدغشقر وموزمبيق وفنزويلا، وذلك وفقاً لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وفي كثير من الأحيان يتم تجنيدهم لتأمين الأصول الروسية أو الحكومات المضيفة، كما أنهم في أوقات أخرى ينخرطون في ساحات القتال.

ورصد عملاء لـ"فاجنر" يقاتلون في ليبيا وسوريا، بحسب "واشنطن بوست"، وقد أشار وجود مقاتلي "فاجنر" هناك إلى أن روسيا تسعى للحصول على يد أقوى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وتعمل "فاجنر" وروسيا أيضاً على توسيع نطاق وصولهما السياسي والمالي في إفريقيا، وحتى الآن، كان للمجموعة شبه العسكرية وجود في 18 دولة إفريقية.

ويقول رئيس قيادة العمليات الخاصة الأميركية في إفريقيا الجنرال ميلتون ساندز لـ"واشنطن بوست": "في كل مرة تدخل المجموعة في أي دولة فإن هذه الدولة تصبح أضعف وأكثر فقراً وأقل أمناً".

وفي مالي التي لديها علاقات منخفضة مع الغرب، قامت "فاجنر" في الأشهر الأخيرة بحراسة القصر الرئاسي كما ساعدوا في تعقب المتطرفين، أما في جمهورية إفريقيا الوسطى، ساعدت المجموعة في دعم حكومة البلاد المحاصرة، وفي المقابل، مُنحت شركة أخرى مرتبطة ببريجوزين تراخيصاً لاستخراج الذهب والماس.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات