
عبّر محاربون أميركيون سابقون عن خيبتهم من قرار الرئاسة سحب القوات الأميركية من أفغانستان بعد حرب استمرت 20 عاماً، قُتل خلالها رفاقهم وأصيب آخرون، من دون النجاح في النهاية بتحقيق الهدف المتمثل بالتخلص من حركة "طالبان"، وقالوا لوكالة "رويترز": "هُزمنا".
أحد هؤلاء المحاربين هو جيسون ليلي (41 عاماً)، الذي كان جندياً من قوات العمليات الخاصة في مشاة البحرية الأميركية، وشارك في معارك عدة في العراق وأفغانستان، خلال أطول حروب الولايات المتحدة.
وأثناء المقابلة مع "رويترز" في بيته في مدينة غاردن غروف في ولاية كاليفورنيا، عبّر ليلي عن حبّه لبلده وهو يمعن التفكير في قرار الرئيس جو بايدن إنهاء المهمة العسكرية الأميركية في أفغانستان بحلول 31 أغسطس. لكنه أبدى في الوقت نفسه اشمئزازه من السياسة، وفزعه من الدماء التي سالت هدراً وما تبدد من أموال في الحربين، اللتين يقول إن النصر فيهما لم يكن ممكناً؛ وهو ما دفعه إلى إعادة التفكير في بلاده وحياته.
وقال ليلي لـ"رويترز": "هُزمنا في الحرب بنسبة مئة في المئة. كان الهدف كله هو التخلص من طالبان، ولم نفعل ذلك. طالبان ستسيطر".
ويقول بايدن إن على الشعب الأفغاني أن يقرر مستقبله بنفسه، وإنه لا يتعين على أميركا أن تضحّي بجيل آخر في حرب لا يمكن تحقيق النصر فيها.
"الأمر لا يستحق"
وفجّرت هجمات تنظيم "القاعدة" على أميركا في 11 سبتمبر 2001، حرباً استمرت قرابة 20 عاماً وأدّت إلى سقوط أكثر من 3500 قتيل من جنود الولايات المتحدة وحلفائها، وما لا يقل عن 66 ألف جندي أفغاني، وأكثر من 47 ألف مدني أفغاني، فضلاً عن نزوح أكثر من 2.7 مليون أفغاني عن البلاد، وفق تقدير مشروع "تكاليف الحرب" في جامعة براون الأميركية، وهو مشروع غير حزبي.
وقال ليلي الذي كان على الخطوط الأمامية في الحرب: "هل كان الأمر يستحق ذلك؟ سؤال غبي كبير". وأضاف: "لا أعتقد أن الأمر كان يستحق أن تُزهق روح واحدة في الجانبين".
وأوضح أنه سافر للقتال وهو يعتقد أن القوات كانت هناك لهزيمة العدو وتنشيط الاقتصاد وإنقاذ أفغانستان عموماً. واعتبر أن القوات فشلت في كل ذلك.
وبحسب "رويترز"، فإن ليلي ليس وحده في ما يدور برأسه من أفكار عن الانسحاب الأميركي، إذ إن كثيرين من الأميركيين يفكرون في الأمر. ويمكن لآرائه هو وغيره من قدامى المحاربين أن تفيد البلاد في استجلاء ثمن دخول الحرب والدروس المستفادة في أفغانستان.
وأفكار ليلي لا تعبّر سوى عن رأيه، إذ تختلف آراء بعض قدامى المحاربين مثلما تختلف تقديرات الأميركيين عموماً في حرب أدت إلى تحسن وضع حقوق المرأة في أفغانستان وأسفرت في عام 2011 عن قيام جنود البحرية الأميركية بقتل زعيم تنظيم "القاعدة"، أسامة بن لادن، في باكستان.
"فيتستان"
وعموماً، يحظى الانسحاب الذي أمر به بايدن بتأييد الحزبين الأميركيين، الجمهوري والديمقراطي. وأظهر استطلاع للرأي من تنظيم "رويترز/إبسوس" يومي 12 و13 يوليو الجاري، أن قرابة 3 فقط من كل 10 ديمقراطيين، و4 من كل 10 جمهوريين يعتقدون ضرورة بقاء الجيش الأميركي في أفغانستان.
وشبّه ليلي وجنود آخرون في مشاة البحرية حاربوا في أفغانستان وحاورتهم "رويترز"، الأمر بحرب فيتنام. وقالوا إن الحربين لم يكن لهما هدف واضح، واستمرتا في عهود عدد من الرؤساء الأميركيين أمام عدو شرس غير نظامي.
وممن يؤيدون ليلي في رأيه، جوردان ليرد (34 عاماً)، وهو قناص سابق في مشاة البحرية تحدث عن الفترتين اللتين شارك فيهما في الحرب في العراق وأفغانستان، التي يسميها ليرد وآخرون "فيتستان" تشبيهاً لها بفيتنام.
وقال ليرد الذي يشنّ الآن حملة لتحسين ظروف رعاية قدامى المحاربين: "يصبح لديك فهم أعمق لمحنة المحاربين في فيتنام الذين عادوا إلى الوطن بأطراف مبتورة وتعرضوا للتجاهل التام".
وخدم ليرد في وادي سانجين بإقليم هلمند، الذي دارت من أجله بعض أشرس المعارك في أفغانستان، من أكتوبر 2010 إلى أبريل 2011. وقال إن 25 فرداً من وحدته سقطوا قتلى خلال عمليات في الأشهر الثلاثة، وإن أكثر من 200 فرد أصيبوا بجروح. وظل أعز أصدقائه ينزف بين ذراعيه حتى فاضت روحه.
وقال ليرد إنه أدرك أثناء وجوده في أفغانستان لماذا أطلق المؤرخون عليها اسم "مقبرة الإمبراطوريات"، إذ غزت بريطانيا أفغانستان مرتين في القرن التاسع عشر، ومُنيت بواحدة من أسوأ هزائمها العسكرية هناك في عام 1842؛ واحتل الاتحاد السوفيتي أفغانستان من 1979 إلى 1989 ورحل بعد مقتل 15 ألفاً من جنوده وإصابة عشرات الآلاف بجروح.
خذلان
وقال ليلي إنه شعر بالخذلان بصفة خاصة بسبب قواعد الاشتباك الأميركية في أفغانستان، إذ لم يكن مسموحاً له ولغيره من الوحدات على سبيل المثال مهاجمة "طالبان" ليلاً.
وعندما طلبت "رويترز" تعليقاً على أقوال ليلي، أحالها سلاح مشاة البحرية الأميركي على القيادة المركزية بالجيش الأميركي المسؤولة عن حربي العراق وأفغانستان. وردّت القيادة المركزية بـ"لا تعليق" في رسالة بالبريد الإلكتروني.
وجاءت نقطة التحول في تفكير ليلي عندما أخبره أسير من حركة "طالبان" بأن الحركة ستنتظر خروج الولايات المتحدة، وأنها تدرك أن الأميركيين سيفقدون إيمانهم بالحرب مثلما فعل السوفيات. وقال ليلي: "حدث ذلك في عام 2009. وها نحن في عام 2021. كان على حق".
آثار نفسية
وقال ليلي إنه عندما عاد من أرض المعركة، في كامل لياقته والوشوم تغطي جسمه بالكامل تقريباً، لم يستطع حتى النظر إلى العلم الأميركي لعدة سنوات، إذ كان غاضباً لأن بلاده أرسلته وزملاءه إلى حرب لا يمكن الفوز فيها.
ويقول ليلي إنه تردد على عدد من أطباء الصحة النفسية، غير أن أكبر شبكة دعم يستفيد منها هي زملاؤه من قدامى المحاربين.
وليلي الآن نائب رئيس مؤسسة "ريل ووريور" (المحارب الحقيقي) التي تتيح لقدامى المحاربين فرصة للانفصال عن معاناة التكيف من جديد مع الحياة المدنية، من خلال تنظيم رحلات لصيد السمك لهم.
وقال إنه يشعر بخيبة أمل لأن الولايات المتحدة لم تتعلم الدروس من فيتنام، التي قُتل فيها 58 ألف جندي أميركي في حرب فشلت في منع استيلاء فيتنام الشمالية الشيوعية على شبه جزيرة فيتنام بالكامل.
وأضاف: "يجب أن نتحاشى الحرب بأي ثمن. لا تندفع وراء جعجعة الحرب.. وراء آلة جمع المال والعقود. كثيرون حققوا أموالاً طائلة من هذا". وقال إن التخلص من شعور الغضب استغرقه سنوات.
انتحار قدامى المحاربين
ومن أقران ليلي في العراق وأفغانستان، تريستان ويمر، وهو قناص في مشاة البحرية. وانتحر كيرنان شقيق ويمر، الذي كان من جنود مشاة البحرية أيضاً، في عام 2015 بعدما مُني بإصابة شديدة في الدماغ في العراق وقبل إرساله إلى أفغانستان.
والآن يدير ويمر (37 عاماً) فعاليات لجمع التبرعات ينفذ فيها 22 قفزة بالمظلة في يوم واحد لزيادة الوعي بحوادث انتحار قدامى المحاربين. وقدّرت وزارة قدامى المحاربين في عام 2012 أن 22 من المحاربين الأميركيين القدماء ينتحرون كل يوم.