
أثارت الاستقالات المتتالية التي شهدتها الحكومة البريطانية احتجاجاً على سياسات رئيس الوزراء بوريس جونسون، تساؤلات بشأن طريقة عمل هذه الحكومة والهيئات التابعة لها.
ما كان لافتاً في تلك الاستقالات على وجه التحديد، هو ذلك العدد الكبير للمسؤولين الذين يحملون ألقاباً وزارية، والذين تجاوز عددهم 51 وزيراً حتى الآن، بحسب صحيفة "ذا جارديان" البريطانية.
وتتسم الحكومة البريطانية، التي تمثل السلطة التنفيذية في البلاد ذات النظام الملكي الدستوري، بتركيبة وزارية معقدة في ظل التداخل الكبير بين الأدوار البرلمانية والوزارية، والحضور الكبير لنواب الحزب الحاكم في المناصب الحكومية.
ويدير هذه الحكومة رئيس الوزراء، الذي يعد في النهاية مسؤولاً عن جميع السياسات والقرارات، كما أنَّه مسؤول أيضاً عن الإشراف على عمل الخدمة المدنية، والوكالات الحكومية، وتعيين أعضاء الحكومة، إضافة إلى كونه الشخصية الحكومية الرئيسية في مجلس العموم.
مجلس الوزراء
تضم الحكومة البريطانية حالياً، 120 وزيراً ينقسمون إلى فئات عدة، بحسب المهام المختلفة التي يؤدونها في الحكومة والبرلمان.
ويمثل 21 من هؤلاء أعضاء مجلس الوزراء الذين يشغلون حقائب وزارية. ويختارهم رئيس الوزراء من أعضاء مجلسي العموم واللورادت، وهم ينتمون جميعاً إلى الحزب ذاته الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء، وهو في هذه الحالة "حزب المحافظين".
ويعد هؤلاء الوزراء مسؤولين عن عمل وزاراتهم، وعن نجاحاتها وإخفاقاتها، كما تعد هذه الوزارات مسؤولة عن وضع السياسات الحكومية موضع التنفيذ.
وتغطي مسؤولية بعض الوزارات، مثل وزارة الدفاع، المملكة المتحدة بأكملها، فيما يقتصر بعضها الآخر على نطاق جغرافي محدَّد، إذ لا تغطي وزارة العمل والمعاشات إيرلندا الشمالية مثلاً، وذلك لأنَّ بعض السلطات الحكومية تم تفويضها إلى أسكتلندا، وويلز، وإيرلندا الشمالية.
ويخضع مجلس الوزراء في عمله لمساءلة البرلمان، وتحديداً مجلس العموم، الذي يتولى استجواب الوزراء، ويشرف على السياسات الضريبية، وعملية إقرار الميزانيات والإجراءات الحكومية.
وزراء بالحضور ووزراء دولة
ولا تقتصر المناصب الوزارية على أعضاء مجلس الوزراء فقط، إذ يستطيع رئيس الوزراء تسمية وزراء (غالباً أعضاء في مجلس العموم أو اللوردات) ودعوتهم لحضور مجلس الوزراء، من دون تعيينهم وزراء في المجلس. ويوجد حالياً 7 مسؤولين بهذه الصفة من دون أن يكونوا وزراء كاملين في المجلس.
كما يوجد في الوزارات المختلفة عدد من كبار المسؤولين الذين يحملون اسم وزير دولة (معظمهم نواب)، ويشرف بعضهم على قطاعات وزارية، ففي وزارة العدل مثلاً يوجد 5 وزراء إلى جانب وزير العدل، وفي المجمل يوجد أكثر من 90 وزيراً من هذا النوع في الحكومة البريطانية الحالية برئاسة بوريس جونسون.
ويستطيع رئيس الوزراء أيضاً تعيين وزراء بلا رواتب، علماً بأن هناك 18 وزيراً بهذه الصفة في الحكومة الحالية.
الوكالات والإدارات الحكومية
وإلى جانب الوزراء والوزارات، توجد 20 وكالة تنفيذية يقتصر عملها على تقديم الخدمات الحكومية، بدلاً من السياسات التي تضعها الوزارات التي تشرف على هذه الوكالات.
كما أنَّ هناك أكثر من 300 إداراة حكومية غير وزارية، بعضها تنفيذية تقوم بأعمال للحكومة في مجالات معينة، وبعضها استشارية تقدم مشورة الخبراء المستقلة للوزراء، فيما يتولى بعضها الآخر مسائل تتعلَّق بالرقابة والتحكيم.
نواب الحكومة
وبسبب هذا الحضور الكبير للنواب في المستويات العليا للحكومة البريطانية، تميز النظام البرلماني البريطاني بمصطلح "payroll vote"، أي النواب الذين يضطلعون بأدوار حكومية معينة سواءً بأجر أو بدون أجر. ويتألَّف هؤلاء غالباً من الوزراء، والأمناء البرلمانيين الخاصين.
وحدَّد قانون "الرواتب الوزارية والمرتَّبات الأخرى" لعام 1975 الحد الأقصى لعدد الوظائف الوزارية مدفوعة الأجر بـ109، كما تم تحديد عدد الوزراء الذين يمكنهم الجلوس في مجلس العموم في فترة معينة بـ95 وزيراً.
لكن رئيس الوزراء يتمتع ببعض المرونة في ما يتعلَّق بتعيين الوزراء الذين لا يتقاضون أجراً، كما أنَّ بإمكانه تعيين وزيرة ترغب في الحصول على إجازة أمومة كـ"وزير في إجازة"، وتسمية وزير آخر في مكانها، ولن يتم احتساب هذا التعيين في العدد الإجمالي للوزراء عند حساب الحدود القانونية.
ولأنَّ النواب الذين يشغلون وظائف حكومية ممنوعون بموجب مدونة السلوك الوزاري من التصويت ضد الحكومة أو حتى "ربط أنفسهم بتوصيات تنتقد الحكومة أو تحرجها"، فإنهم غالباً ما يضطرون إلى الاستقالة من هذه الوظائف ليتمكنوا من معارضة سياسات الحكومة.
تقليص الوزراء
ظهرت في الآونة الأخيرة، دعوات إلى خفض هذا العدد الكبير من النواب الذين يشغلون وظائف حكومية، خصوصاً في ظل الاتجاه السائد للخصخصة، وتفويض السلطات الحكومية إلى أسكتلندا، وويلز، وإيرلندا الشمالية.
وأوصت لجنة اختيار الإدارة العامة في مجلس العموم البريطاني بخفض عدد المناصب الوزارية بمقدار الثلث، معتبرة أنَّ ذلك سيكون أفضل للحكومة وللمال العام، كما أنه سيكون متسقاً مع حكومة أصغر وأكثر ذكاءً.
كما أوصت اللجنة بأن يقتصر عدد النواب الذين يشغلون وظائف حكومية على 15 في المئة من أعضاء مجلس العموم، بما يعني أنه في مجلس العموم المؤلف من 650 عضواً، فإن عدد هؤلاء النواب المضطلعين بأدوار حكومية لن يتجاوز 97 نائباً.