مصر تغلق قضية "ريجيني" مؤقتاً

time reading iconدقائق القراءة - 9
وقفة احتجاجية لإحياء ذكرى جوليو ريجيني، في وسط روما، إيطاليا، 25 يناير2017. - REUTERS
وقفة احتجاجية لإحياء ذكرى جوليو ريجيني، في وسط روما، إيطاليا، 25 يناير2017. - REUTERS
القاهرة-الشرق

أمر النائب العام المصري، حمادة الصاوي، الأربعاء، بأنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية مؤقتاً، في واقعة قتل واحتجاز الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، الذي عثر على جثمانه في منطقة صحراوية، مطلع فبراير 2016، بسبب عدم معرفة الفاعل، وكلف جهات البحث باستمرار التحري لتحديده.

وذكر بيان للنيابة العامة المصرية، أن النائب العام قرر استبعاد الاتهامات المنسوبة إلى 4 ضباط وفرد شرطة بقطاع الأمن الوطني، من الأوراق، كما قرر أنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في واقعة سرقة منقولات المجني عليه، والتي تركت به آثار جروح. وبررت النيابة العامة هذا الأمر، بوفاة المتهمين في واقعة السرقة.

5 سنوات تحقيق

وأفاد البيان، بأن تحقيقات النيابة في الواقعة، بدأت في 3 فبراير 2016، بعد اكتشاف المارَّة إلقاء جثمان المجني عليه على طريق القاهرة - الإسكندرية الصحراوي.

واستمرت التحقيقات نحو 5 سنوات، وقفت النيابة خلالها على الملابسات منذ اختفاء المجني عليه وحتى ظهور جثمانه. وكشفت عن تفاصيل الفترة التي أمضاها من حياته خلال تردده على البلاد وإقامته فيها، وسفره المتعدد منها، وعودته إليها، بعد زيارته دولاً مختلفة منها إيطاليا، وتركيا، وإسرائيل.

وحددت التحقيقات معارف المجني عليه من المصريين والأجانب، وما باشره في إطار إجراء بحثه العلمي في مصر حول الحركة النقابية والعمالية، والنقابات المستقلة، خاصة نقابة الباعة المتجولين والعمال غير المنتظمين تحت إشراف الجامعة الأميركية بالقاهرة، كما حددت ما حدث منه في الأيام الأخيرة قُبيل اختفائه، وفي اليوم الذي اختفى فيه تفصيلاً حتى ظهور جثمانه.

120 شاهداً

وأضاف البيان: "اتخذت النيابة إجراءات لتشريح الجثمان، وفحص الملابس، والآثار المرفوعة من مكان العثور على الجثمان، وتحليل عمليات شريحة المجني عليه الهاتفية والشرائح التي وجدت بموقعي اختفائه والعثور على جثمانه يومي الاختفاء والعثور".

وأضاف أن النيابة "فحصت آلات المراقبة بالنطاق الذي اختفى فيه، واستمعت لشهادة ما يربو على 120 شاهداً، وأسفرت التحريات عن اتصال المجني عليه بعدد من أعضاء النقابات المستقلة من ذوي المهن الحرة وبعض الباعة المتجولين والمنتمين إلى تيارات سياسية مختلفة، وتواجد معهم في أماكن تجمعاتهم، وتطرق في أحاديثه إلى انتقاد سلوك بعض التيارات السياسية في البلاد، وأسلوب تعاملها مع الحراك السياسي، وخشيته من خطورة بعضها على استقرار الأوضاع في مصر، كما تحدث إلى الباعة المتجولين عن نظام الحكم في مصر، وأكد لهم أن تغيير الأوضاع بأيديهم، أسوة بما حدث في دول أخرى".

اتهامات لروما بالتقصير

وذكر البيان، أن النيابة عقدت 15 لقاء ثنائيّاً مع فريق التحقيق في "نيابة الجمهورية" بالعاصمة الإيطالية روما، وأرسلت 5 طلبات مساعدة قضائية إلى سلطة التحقيق الإيطالية، تضمنت طلبات جوهرية تفيد في كشف الحقيقة، لكن روما لم تنفذ بعضاً منها، مثل طلب إرسال جهاز الحاسب الآلي المحمول الخاص بالمجني عليه لفحصه وتحليل محتوياته، ومحاضر سؤال شهود أشارت إليهم سلطة التحقيق الإيطالية، من دون إبداء أسباب مستساغة لرفضها".

ووفقاً للبيان، فإن السلطات الإيطالية عللت رفضها بـ"التزامها مع الدول التي حصلت منها على معلومات، بعدم الإفصاح عنها إلى النيابة العامة المصرية، وهو ما يخرج عن نطاق الأعراف في إجراءات التعاون القضائي الدولي، باعتبار أن النيابة المصرية صاحبة الاختصاص الأصيل في التحقيق بالواقعة".

في المقابل، تلقت النيابة المصرية 4 طلبات مماثلة من نظيرتها الإيطالية، استجابت لبعضها، في حين لم تستجب لطلب حركة محطات كل شركات خدمات الهواتف المحمولة في نطاق 5 محطات في مترو الأنفاق عن فترة ما قبل اختفاء المجني عليه وحتى بعد ظهور جثمانه بأيام، وطلب أسماء الأجانب الذين أوقفوا أو أُلقِيَ القبض عليهم بالقاهرة مساءَ يوم الاختفاء، وذلك لتعذر تنفيذ بعض الطلبات فنيّاً، ولانتهاك البعض الآخر حرمة الحياة الخاصة لكثير من المواطنين المصريين، وفقاً للبيان.

جريمة سرقة

وأكد البيان، أن النيابة باشرت التحقيقات في واقعة العثور على متعلقات المجني عليه في مسكن أحد أفراد عصابة إجرامية يوم 24 مارس 2016، والتي كشفت عن ارتكاب أفرادها على مدار سنوات جرائم سرقة مواطنين وأجانب بالإكراه، بينهم إيطالي آخر. 

وانتهت التحقيقات بناءً على أدلة متساندة، إلى ارتكاب 5 أفراد من العصابة، جريمة سرقة متعلقات ريجيني بالإكراه، وهي حادثة تركت جروحاً به، لكنهم توفوا خلال محاولة الشرطة ضبطهم.

استبعاد اتهام الشرطة

وباشرت النيابة التحقيقات في ما أثارته سلطة التحقيق الإيطالية تجاه 4 ضباط وفرد شرطة من قطاع الأمن الوطني، وانتهت إلى استبعاد كل ما نُسب إليهم من اتهامات، وتبينت أن جميع ما طرحته سلطة التحقيق الإيطالية من شبهات ضدهم جاء نتيجة استنتاجات خاطئة لا يقبلها المنطق، وفقاً للمصدر نفسه.

وأضافت النيابة المصرية، أن السلطات الإيطالية "ربطت بين وقائع وأدلة على نحو غير صحيح، ما شكل خللاً في تصور الوقائع، فضلاً عن طرح سلطات التحقيق الإيطالية شهادات وأدلة حجبتها عن النيابة المصرية، من دون تقديم أي وثيقة رسمية تؤكدها، وهو ما لا يتناسب مع جميع قوانين الإثبات الجنائية، وإجراء التحقيقات وفق الأصول القانونية".

وأكدت النيابة، أنها "فندت تلك الشبهات، وأوردت ردوداً مستساغة عليها على وجه تفصيلي، كان من أبرزها استنتاج سلطة التحقيق الإيطالية تورط بعض المشتبه بهم في قتل المجني عليه، من مجرد تحريهم عنه عقب البلاغ الذي قُدّم ضده تشككاً في سلوكه المريب".

وأضافت أن رد النيابة المصرية على ذلك، كان "أن سلوك المجني عليه غير المتناسب مع البحث الذي كان يجريه، كان سبباً كافياً يوجب على الأجهزة الأمنية ممارسة عملها وواجبها القانوني، لمتابعته بإجراءات تحريات إدارية لا تُقيّد حريته أو تنتهك حرمة حياته الخاصة، للوقوف على طبيعة نشاطه، خاصة أنه وضع نفسه موضع اتهام". 

وبيّنت أنه "على الرغم من هذا السلوك المستغرب، إلا أن التحريات عنه انتهت إلى أن أفعاله لا تشكل جرائم تمس الأمن العام، ولذلك توقف التحري عنه، ولم تُتخذ أي إجراءات قانونية ضده".

تحركات غير مألوفة

وتابع البيان: "من إجمالي ما تقدم، ثبت للنيابة أن سلوك المجني عليه وتحركاته غير المألوفة لم تكن خافية على أحد من الناس، بل باتت معلومة للجميع، وذاع نبأ البلاغ المقدم ضده، مما يكون قد استغله مجهول وعزم على ارتكاب جريمته ضد المجني عليه، واختار يوم 25 يناير 2016، لارتكاب الجريمة، لعلمه بانشغال الأمن في ذلك اليوم (ذكرى ثورة 25 يناير 2011) بتأمين المنشآت الحيوية، فخطف المجني عليه واحتجزه وعذبه بدنياً، ليُلصق التهمة بعناصر من الأمن المصري".

وأضاف البيان، أنه بالتزامن مع مجيء وفد اقتصادي لزيارة البلاد، قتل الضحية و"ألقي جثمانه في موقع حيوي بالقرب من منشآت مهمة يتبع بعضها جهات شرطية، كأنما أراد إعلام الجميع بقتله ولفت الانتباه إليه، ما أكد للنيابة وجود أطراف معادية لمصر وإيطاليا تسعى لاستغلال الحادث للوقيعة بينهما".

ولفت إلى أن بعض وسائل الإعلام المعروفة بإثارة الفتن "يسايرها في ذلك لإحداث تلك الوقيعة، ما انتهت معه النيابة إلى أن ظروف وملابسات الواقعة على هذا النحو لها صورة أخرى لم تكشف التحقيقات بعدُ عنها، أو عن هوية مرتكبها".

"حقيقة صادمة"

وكان رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي أكد في مقابلة لصحيفة "لا ستامبا" نشرت في 15 ديسمبر، أن بلاده ستبدأ محاكمة غيابية للمشتبه بهم، وقال ستكون "محاكمة حقيقية وجادة ويعتد بها". 

واختفى ريجيني (28 عاماً)، وهو طالب ماجستير في جامعة "كامبريدج"، في القاهرة في يناير. وعُثر على جثته بعد نحو أسبوع وأظهر فحص الطب الشرعي أنه تعرض للتعذيب قبل موته.

قال كونتي للصحيفة، إن "هذه القصة تثير الحزن في نفوسنا لكن الآن سلطاتنا القضائية ستبدأ محاكمة... محاكمة حقيقية وجادة ويُعتد بها. هذه المحاكمة هي الوسيلة للوصول إلى الحقيقة التي من المتوقع مع الأسف أن تكون صادمة".