هل تستطيع القوات الأفغانية الصمود بعد الانسحاب الأميركي؟

time reading iconدقائق القراءة - 9
قوات خاصة من الشرطة الأفغانية تشارك في مناورة عسكرية بولاية لوجار - REUTERS
قوات خاصة من الشرطة الأفغانية تشارك في مناورة عسكرية بولاية لوجار - REUTERS
دبي - الشرق

أثار قرار الرئيس الأميركي جو بايدن الانسحاب من أفغانستان بحلول 11 سبتمبر المقبل، مخاوف عميقة حول قدرة القوات الأمنية الأفغانية على الدفاع عن الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن مقابلات مع عشرات المسؤولين الأمنيين والحكوميين، وضباط الجيش، وقادة الميليشيات في أنحاء البلاد، كشفت، عن نتائج غير مبشرة في هذا الصدد، فعلى الرغم من الجهود الأميركية طيلة عقدين لبناء المؤسسات الأمنية الأفغانية، وإنفاقها في سبيل ذلك عشرات المليارات، فإن هذه الجهود أنتجت فقط مجموعة من القوات المضطربة التي لا تبدو مستعدة لمواجهة طالبان أو أي تهديد آخر، وحدها.

وفيما لا يمكن القطع بما هو قادم، يؤكد بعض المسؤولين الأميركيين والأفغان أنه إذا حاولت طالبان شن هجوم كبير على المدن، فإن الجيش الأفغاني قادر على هزيمتها.

كما تصر إدارة بايدن على أن الجيش والقوات الأمنية في أفغانستان ستصمد، وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكن: "سنستمر في دعم القوات الأمنية الأفغانية. إنها أجهزة قوية".

لكن طالبان تسيطر بالفعل، بحسب الصحيفة، على مساحات شاسعة من البلاد، حتى في ظل وجود القوات الأميركية. وقالت الصحيفة إن الوحدات الأفغانية ينخرها الفساد، وقد أضاعت الأسلحة التي وزعها البنتاغون، كما أنها تتعرض لهجمات مستمرة في بعض المواقع، وبعض عناصرها لم يستطع الرجوع إلى بلدته منذ سنوات بسبب سيطرة طالبان عليها.

وترى الصحيفة أن احتمالات تحسن هذا الوضع ضئيلة، نظراً لتهاوي أعداد المجندين، ومعدَّل الوفيات العالي، في مقابل عناصر طالبان المتمرسة والمجهَّزة على نحو جيد، بأسلحة بعضها قُدِّم أساساً للقوات الأفغانية بواسطة الولايات المتحدة.

ولفتت الصحيفة إلى أنه على الرغم مما يقال عن فساد القوات الأفغانية وعجزها؛ فإن هذه القوات عانت بشكل رهيب أكثر من نظيراتها الغربية، فيما يبدو وكأنه حرب استنزاف خاسرة، فمنذ عام 2001 قتل تقريباً نحو 66 ألف جندي أفغاني، مقارنة بـ3500 في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.

تراجع التجنيد

ويمثل حجم القوات مسألة أخرى مقلقة، بحسب "نيويورك تايمز"، فعلى الورق يبلغ عديد القوات الأمنية الأفغانية 300 ألف جندي، لكن الأرقام الفعلية أقل من ذلك بكثير.

وتشير الصحيفة إلى أن الفساد يلعب دوراً كبيراً في هذا التباين بين الأرقام الرسمية والفعلية، إذ دأبت بعض الوحدات الأمنية على تجنيد أفراد أقل من العدد المقدَّم في قوائم الخدمة، حتى يتمكن القادة من الحصول على رواتب الجنود القتلى أو المتغيبين. وهكذا فإن أحد الأولوية المهمة في الجيش من المفترض أن يكون قوامه 16 ألف عنصر، لكنه في الحقيقة يضم نصف هذا العدد فقط.

ويشير المسؤولون الأفغان إلى أن القوات الأمنية تأثرت أيضاً بتراجع عمليات التجنيد، خصوصاً في شمال البلاد، فالإقليم كان في السابق مركزاً لاستقطاب المجندين المناوئين لطالبان، غالباً بسبب خلفياتهم الإثنية، لكن الأرقام انخفضت هناك الآن من 3 آلاف في الشهر إلى 500 في غضون عام.

أدت هذه المؤثرات، بحسب الصحيفة الأميركية، إلى تراجع الروح المعنوية لدى الجنود، وهو ما عبر عنه الملازم الثاني في القوات الأفغانية في ولاية هرات غرب البلاد، خليل أحمد أتاش بقوله: "لقد عملت في هذه الوظيفة لثمانية أشهر، وخلال هذه الفترة حصلنا على دعم جوي مرة واحدة".

وأضاف أتاش الذي حاول الاستقالة قبل أن يثنيه المسؤولون الحكوميون: "لا أحد يدعمنا. قواتنا يائسة وقد بدأ عناصرها في هجر وظائفهم".

وإلى وقت قريب، كان الملازم أتاش مسؤولاً عن عدة نقاط أمنية، لكنه يشير إلى أن إحدى هذه النقاط تم التخلي عنها لطالبان، وأخرى تم اجتياحها، لافتاً إلى أن 30 على الأقل من جنوده هجروا مواقعهم.

ضعف الدعم 

عندما أنهت الولايات المتحدة مهمتها القتالية في 2014 تركت للقوات الأفغان شبكة من النقاط والقواعد العسكرية الممتدة التي بنتها واشنطن عبر أكثر من عقد، لكن هذه القوات تفتقر غالباً، بحسب "نيويورك تايمز"، إلى المقدرة اللوجستية، والدعم خلال المواجهات.

 وتشير الصحيفة إلى أنه على الرغم من استثمار واشنطن وحدها أكثر من 70 مليار دولار في تسليح وتدريب وتجهيز القوات الأمنية الأفغانية، فإن مظهر كثير من الوحدات الأفغانية يدفع إلى التساؤل عن مصير هذه الأموال.

ونقلت الصحيفة عن بعض القادة العسكريين أنهم اضطروا إلى شراء بنادقهم من السوق السوداء، فيما يعاني بعضهم نقصاً في الذخيرة، كما تعتمد بعض النقاط العسكرية خارج قندهار على مدرعات متداعية من الحقبة السوفييتية للدفاع عن مواقعها.

وأرجعت الصحيفة ندرة الألوية المحترفة من الجنود وضباط الصف إلى تدني الأجور، والمخاطر العالية، وفساد كثير من القادة العسكريين.

وقال الرائد عبدالناصر حقمال المتمركز في إحدى مرتفعات قندهار: "فقط أبناء الفقراء هم الموجودون هنا للتباهي بوجود قوة عسكرية في المنطقة"، مضيفاً أن "رواتب الجنود تذهب إلى جيوب القادة وموظفي وزارة الدفاع"، على حد تعبيره.

تمدد طالبان

في غضون ذلك، صعَّدت طالبان وحلفاؤها، هجماتهم، واستولوا على الكثير من الأراضي عبر البلاد. وفي مناطق التماس بين الأراضي التي تسيطر عليها طالبان، وتلك الخاضعة للحكومة، تواجه قوات الأخيرة بشكل متكرر اعتداءات ليلية يشنها مقاتلون مزودون بأجهزة الرؤية الليلية، وهي تجهيزات يفتقر إليها الجنود والضباط الأفغانيون العاديون.

وتشير الصحيفة إلى أن البنتاغون حاول تزويد وحدات معينة بأجهزة الرؤية الليلية، لكنه توقف بعد ما تبين أن كثيراً من هذه المعدات، إما سرقت، أو بيعت، أو فقدت.

ومع انهيار النقاط الأمنية العسكرية، اضطرت الحكومة إلى استخدام الكوماندوز، وهي قوة مدربة للغارات المحددة، كقوات دفاع في المناطق المتنازع عليها.

وكشفت الصحيفة أن بعض القواعد العسكرية الأفغانية في جنوب البلاد محاصرة بمقاتلي طالبان، ولا يمكن تقديم الإمدادات لها إلا بواسطة المروحيات.

ومؤخراً حاول جنود في ولاية هلمند التفاوض مع طالبان أملاً في مغادرة قواعدهم دون التعرض لهجوم من الحركة، لكن طالبان رفضت مغادرة الجنود سالمين، ما لم يتركوا خلفهم أسلحتهم وتجهيزاتهم العسكرية.

خسائر هائلة

في غضون ذلك تعاني القوات الأفغانية، بحسب "نيويورك تايمز" خسائر مروعة في الأرواح، فوفقاً لأكثر التقديرات تحفظاً، يقتل نحو 287 عنصراً أمنياً على الأقل، ويصاب 185 شهرياً في الهجمات على جانب الطريق، والكمائن، والتفجيرات الانتحارية، وتبادل إطلاق النار، والاغتيالات.

هذا الفراغ الناتج عن تراجع القوات الأمنية، أدى إلى زيادة في عناصر الميليشيات التي باتت تُستخدَم من قبل الحكومة والفصائل الإقليمية، والتي يخشى أن تنقلب على السلطات، أو تقوم بالتجنيد المباشر من الجيش والقوات الأمنية، مما ينذر بتفكك هاتين المؤسستين، بناء على أسس إثنية أو سياسية.

طريق النجاة

ولا يختلف الأمر كثيراً في القوات الجوية، إذ يمتلك الجيش الأفغاني عدداً كافياً من الطيارين، حسب مصادر الصحيفة الأميركية، لكن المشكلة في نقص الطائرات، بسبب الاستخدام المفرط، والاستنزاف في ميادين القتال، إضافة إلى عمليات الصيانة. فيما يشير مصدر آخر (طيار) إلى أن الطائرات المتاحة يتم إرسالها عادة لمساعدة قوات العمليات الخاصة.

لكن حتى في ظل الطائرات، والمروحيات العسكرية، فإن الجنود الأفغان يشكون من بطء الاستجابة الجوية، لافتين، بحسب الصحيفة، إلى أنه في الوقت الذي تصل فيه الطائرات إلى موقع القتال، تكون حاجة الجنود إلى إخلاء زملائهم القتلى والمصابين، وليس إلى الضربات الجوية.

وقال العقيد محمد علي أحمدي الذي يقود فرقة من الكوماندوز جنوب البلاد إنه "سيكون من المستحيل تقريباً الاعتماد على القوة الجوية بعد انسحاب الولايات المتحدة"، مشدداً على أن القوات الأفغانية "لا تستطيع الاستغناء عن الدعم الخارجي".

وأقر وزير الدفاع الأفغاني المكلف الجنرال ياسين ضياء بالتحديات اللوجستية والعسكرية التي ستواجهها قواته بمجرد انسحاب الولايات المتحدة والناتو، لكنه قال للصحيفة الأميركية: "سنجد طريقة للنجاة".

اقرأ أيضاً: