تواجه سلطة ريشي سوناك "اختباراً صعباً"، إذ يخوض رئيس وزراء بريطانيا غمار تحد سياسي بشأن ما إذا كان بمقدوره أن يروّج لاتفاق إطاري حول بروتوكول إيرلندا الشمالية بين المؤيدين والمعارضين لبقاء أي دور للاتحاد الأوروبي ومحكمة العدل الأوروبية، وفقاً لصحيفة "فاينانشال تايمز".
وأطلع المفاوضون سوناك بعد أشهر من المحادثات، على أن الاتفاق يتبلور لحسم النزاع حول الترتيبات التجارية في إيرلندا الشمالية حول مرحلة ما بعد "بريكست" (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي).
وأكد أحد الأشخاص المطلعين على المحادثات لـ"فاينانشال تايمز" أن "الاتفاق بات قريباً"، إلا أن الحكومة البريطانية أصرت، الثلاثاء، على أنه "لم يتم التوصل إلى اتفاق"، مشيرة إلى أن "النقاشات التقييمية المكثفة" لا تزال جارية.
من ناحيتهم، حذر المتشككون في الاتحاد الأوربي من حزب المحافظين من أنهم "لن يقبلوا بأي اتفاقية تترك دوراً لمحكمة العدل الأوروبية في المملكة المتحدة"، إذ تبقى إيرلندا الشمالية بموجب البروتوكول جزءاً من السوق الموحدة للسلع في الاتحاد الأوروبي.
وقال أحد أعضاء البرلمان من حزب المحافظين لـ "فاينانشال تايمز" إن بوريس جونسون سيكون في طليعة المتمردين في حال قدم سوناك الكثير من التنازلات، فيما أصر المتحدث باسم جونسون على أن رئيس الوزراء السابق "يدعم الحكومة دعماً كاملاً".
ممرات حمراء وخضراء
وقال العديد من القريبين من المفاوضات للصحيفة إن الاتحاد الأوروبي وافق من حيث المبدأ على نظام "الممرات الحمراء والخضراء" لتقليل الحاجة إلى عمليات فحص البضائع المتجهة من بريطانيا العظمى إلى إيرلندا الشمالية، ولكن النقاشات استمرت حول التفاصيل الدقيقة والحاسمة الخاصة بنطاق هذه الممرات وطريقة عملها.
وأشارت "فاينانشال تايمز" إلى أنه بموجب هذا النظام فإن بضائع المملكة المتحدة التي تعبر البحر الإيرلندي والمخصصة للبيع داخل أراضي إيرلندا الشمالية في المملكة المتحدة "ستمر عبر ممر أخضر"، مدعومة بالبيانات الجمركية في الوقت الآني، ومن ثم تخضع لعمليات تفتيش أقل، في حين "تسير البضائع المتجهة إلى جمهورية إيرلندا والاتحاد الأوروبي داخل الممر الأحمر وتخضع لعمليات فحص جمركية وتنظيمية كاملة".
وأشار مسؤولون بريطانيون إلى أن المملكة المتحدة قد تكون مستعدة لقبول "دور مستمر ولكنه محدود" لمحكمة العدل الأوروبية في إيرلندا الشمالية.
اتفاق بعيد المنال
ورغم حالة التفاؤل التي تسود بعض التقارير، قال 3 مسؤولين في الاتحاد الأوروبي لـ "فاينانشال تايمز" إن الاتفاق لا يزال بعيد المنال.
وعلم دبلوماسيون في الاتحاد الأوروبي خلال إحاطة داخلية، الثلاثاء، أن جميع نقاط النقاش المعلقة بين الجانبين لا تزال "محل نظر ومراجعة"، بما في ذلك "القواعد الحاكمة لضريبة القيمة المضافة والجمارك والمساعدات الحكومية ودور محكمة العدل الأوروبية وبنود تشغيل "الممرات الحمراء والخضراء"، وفقاً لما أوردته الصحيفة.
وبحسب مسؤول في الاتحاد الأوروبي، أبلغ المسؤولون عن تقدم المفاوضات في المفوضية الأوروبية، فريق العمل البريطاني في بروكسل خلال اجتماع مع دبلوماسيي الدول الأعضاء في التكتل، بأن "الصعوبات الحقيقية لا تزال قائمة" بين الجانبين.
اعتراضات الحزب الوحدوي
وقالت مصادر دبلوماسية في الاتحاد الأوروبي للصحيفة البريطانية أن هناك مبادرة أخرى يجري النظر فيها من أجل دفع الحزب الديمقراطي الوحدوي في إيرلندا الشمالية إلى قبول الاتفاقية.
وتتمثل المبادرة في تضمين الجمعية التشريعية في إيرلندا الشمالية ضمن جمعية الشراكة البرلمانية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، والتي تأسست لمنح البرلمانين البريطاني والأوروبي دوراً في الهياكل المؤسسية التي تحكم العلاقات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوربي في مرحلة ما بعد "بريكست".
وقال شخص مطلع على المحادثات لـ "فاينانشال تايمز" إنه تم التوصل إلى "حل وسط"، ولكنه سيتطلب أولاً "عقد جلسات استماع" بشأن الخلافات الخاصة بسوق الاتحاد الأوروبي الموحدة في محاكم إيرلندا الشمالية مع إمكانية إحالتها إلى محكمة العدل الأوروبية.
رغم ذلك، قالت مصادر مطلعة في "داونينج ستريت" للصحيفة البريطانية، إن هذا الاقتراح، الذي أوردته صحيفة "التايمز" لأول مرة، مساء الثلاثاء، ليس محل نظر.
دور محكمة العدل الأوروبية
ولكن البعض في الجانب البريطاني يصرون على أن أي حل وسط من شأنه أن يترك دوراً لمحكمة العدل الأوروبية، حتى لو كان محدوداً.
وقال دبلوماسي للصحيفة إنه "لحل هذه المشكلة، يجب أن يركز كلا الجانبين على ما يهم الناس بالفعل، إذ أن معظم الناس في إيرلندا الشمالية لا يساورهم القلق كل يوم بشأن دور محكمة العدل الأوروبية".
ويثق المسؤولون البريطانيون في أن الاتفاق الإطاري سيلبي "الاختبارات السبعة" التي وضعها الحزب الديمقراطي الوحدوي في عام 2021، والذي يرفض البروتوكول لأنه يفرض حدوداً تجارية داخلية في المملكة المتحدة.
ولم يطلب الحزب الديمقراطي الوحدوي، الذي يقاطع الجمعية التشريعية المنتخبة في إيرلندا الشمالية اعتراضاً على البروتوكول، بشكل صريح إنهاء الولاية القضائية لمحكمة العدل الأوروبية في اختباراته السبعة لتقييم أي تغييرات في البروتوكول.
ورغم ذلك، قال أعضاء البرلمان البريطاني المتشككين في الاتحاد الأوروبي من حزب المحافظين في "مجموعة الأبحاث الأوروبية" إن مطالب الحزب الديمقراطي الوحدوي، ومن بينها "إزالة الحدود في البحر الإيرلندي" تعني إنهاء قانون الاتحاد الأوروبي ودور محكمة العدل الأوروبية.
ومن ثم، فإنه يتعين على سوناك، الذي أدت فضيحة نديم الزهاوي إلى إضعاف موقفه، اتخاذ "قرار صائب وحاسم" بشأن ما إذا كانت الاتفاقية المفترضة ستقنع الحزب الديمقراطي الوحدوي بالعودة إلى تقاسم السلطة التنفيذية في ستورمونت (برلمان إيرلندا الشمالية)، وتجنب الانقسام في حزبه، وفقاً لـ"فاينانشال تايمز".
وأكدت الصحيفة أن رئيس الوزراء البريطاني" يريد بلا شك إنهاء النزاع المدمر مع الاتحاد الأوروبي" الذي أضر كثيراً بالعلاقات بين الطرفين، بما في ذلك منع العلماء البريطانيين من المشاركة في مشروع Horizon Europe البحثي الذي تبلغ ميزانيته 95 مليار يورو.
"محادثات بناءة"
من جهتها، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين الأربعاء، إن المحادثات بشأن الحدود ما بعد "بريكست" في إيرلندا الشمالية "بناءة للغاية".
وصرحت فون دير لايين في مؤتمر صحافي في بروكسل، أن "فرقنا تعمل معاً لإيجاد حلول والتوصل إلى إطار عمل مشترك... ستستمر المفاوضات حتى النهاية... لكن المناقشات بناءة للغاية".