
يبدو أن الصراع المحتدم على رئاسة حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا قد يدفع برياح التغيير في "حزب العمال" المعارض، إذ ارتفعت أصوات تشكك في صواب بقاء رئيسه كير ستارمر حتى 2024.
ومع وصول وزير الخزانة السابق ريشي سوناك المنتمي لأقلية عرقية للتنافس على زعامة "حزب المحافظين"، أثيرت تساؤلات داخل "العمال" بشأن ضرورة اختبار قيادة نسائية أو زعامة من أقلية عرقية. بدلاً من بقاء ستارمر حتى انتخابات 2024.
لكن رياح التغيير هذه تصطدم برأي يفيد بضرورة الانتظار لحين معرفة نتائج انتخابات "حزب المحافظين" في سبتمبر المقبل، باعتبارها مؤشراً على مدى قبول البريطانيين لرئيس حكومة من أقلية عرقية.
فضلاً عن غياب من يستطيع التفوق على ستارمر داخل الحزب في "الكاريزما القيادية"، ومخاوف من العصف بوحدة الصف خلال هذه المرحلة.
ويعدّ "حزب العمال" أحد أكبر أحزاب أوروبا من جهة عدد الأعضاء، إذ تشير الإحصائيات إلى انتماء نحو نصف مليون بريطاني إلى صفوفه، وفق بيانات مارس عام 2021.
ولم يعرف الحزب طوال تاريخه زعيماً من أقلية عرقية، أما القيادة النسائية فقد شهدها خلال مرحلتين انتقاليتين، الأولى حملت توقيع مارجريت بيكيت وامتدت لشهرين بين استقالة جون سميث وقدوم توني بلير في 1994، والثانية كانت من نصيب هارييت هيرمان واستمرت 4 أشهر بين استقالة جورودن براون وزعامة إد ميلباند في 2010.
"عدوى التغيير"
نائب رئيس "حزب العمال" عن دائرة "هيرتفودشير" عمر إسماعيل، قال لـ"الشرق"، إن عدوى تغيير قيادة الحزب قد تنتقل من "المحافظين" إلى "العمال"، معتبراً أن "استبدال ستارمر يجول اليوم في خاطر 80% من قادة الحزب وقاعدته الشعبية".
ورأى إسماعيل أن ستارمر لا يلبي تطلعات "العمال" بنقاباتهم واتحاداتهم، ولن يكون قادراً على قيادة المعارضة في انتخابات 2024، مرجعاً السبب إلى أنه "يغرد خارج سرب الأحداث في المملكة المتحدة".
وأضاف أن "حزب العمال" ابتعد في عهد ستارمر عن الاشتراكية المعلنة في بيان التأسيس، قائلاً إن بقاء الأمر على هذا النحو "سيضع الناخب البريطاني عام 2024 أمام خيارين، يتمثلان في التصويت للمحافظين، أو لنسخة من سياساتهم يتبناها ستارمر وتياره اليميني" في الحزب.
وقبل أيام، أعلن ستارمر خطط حزبه لإدارة الاقتصاد حال وصوله للسلطة، قائلاً إنه يريد دعم نمو الاقتصاد مع ضمان عدالة الأجور والمعيشة الكريمة للعمال، من دون أن يشير إلى استعداده لتغيير سياساته إزاء ما تشهده البلاد من احتجاجات بسبب التضخم وارتفاع الأسعار، كما بدا متحمساً جداً للشراكة بين السوق الحر والدولة، ومهتماً بدور مؤسسات القطاع الخاص.
واستبعد نائب رئيس "حزب العمال" عن دائرة "هيرتفودشير" عمر إسماعيل، أن يحمل خروج ستارمر من المشهد، وصول إمرأة أو رجل من أقلية عرقية إلى زعامة الحزب، رغم تواجد الكثيرين منهم في مجلس العموم، معتبراً أن "السؤال هو: من الذي يمتلك بينهم الشخصية القيادية المطلوبة للمرحلة؟".
وشكّك عمر في إمكانية قبول القاعدة الشعبية لحزب العمال وصول امرأة أو رجل من غير أصحاب البشرة البيضاء إلى زعامة الحزب، قائلاً إن "الأعضاء جزء من المجتمع البريطاني الذي ربما لا يستسيغ الفكرة".
ومع ذلك، أشار إلى أنه "بالنظر إلى عمدة لندن صادق خان، يمكن القول إن العمال أكثر استعداداً من غيرهم في هذا الشأن، حتى لو أن المحافظين سبقوا جميع الأحزاب في ترشيح رجل من أقلية عرقية لمنصب زعيم الحزب ورئاسة الحكومة".
وفاز خان العمالي من أصل مسلم، بمنصب عمدة لندن مرتين متتاليتين على المحافظين، الأولى كانت عام 2016 أمام نجل الملياردير زاك جولد سميث، والثانية في 2021 أمام شون بايلي المتحدر من أصول جامايكية.
كما يعتبر خان ثالث عمدة للعاصمة البريطانية منذ إقرار هيكليتها الإدارية الجديدة في 1998، وخلف بوريس جونسون الذي بقي في المنصب لمدة 8 أعوام متتالية بين 2008 و2016.
ويعتبر عمدة العاصمة ثاني أهم منصب في بريطانيا بعد رئيس الوزراء. كما أن لندن أكبر دائرة انتخابية بين مدن المملكة المتحدة.
ويتواجد في البرلمان البريطاني الحالي 108 نائبات من أصل 200 نائب لحزب العمال. في حين أن لحزب المحافظين 82 نائبة من أصل 357 نائباً.
ووفقاً لانتخابات 2019 أيضاً تشكل الأقليات العرقية 10% من أعضاء مجلس العموم، بواقع 65 نائباً، منهم 41 يمثلون "العمال"، و22 عن "المحافظين"، ونائبان لليبراليين الديمقراطيين.
فرص الأقليات
وبرأي عضو حزب العمال مصطفى رجب، لا يوجد حالياً بين نواب الأقليات العرقية لحزب العمال، من يمكنه خلافة "ستارمر"، مشدداً على أنه "ليس من صالح الحزب الدفع بمرشح لا يمتلك شخصية قيادية، فقط كي يثبت أنه أكثر انفتاحاً على الأقليات من المحافظين".
وأشار رجب لـ"الشرق"، إلى أنه "لا توجد مؤشرات أواستطلاعات، تقول إن قواعد العمال يمكن أن تذهب في هذا الاتجاه"، لافتاً إلى أن "أعضاء الحزب هم في النهاية جزء من المجتمع البريطاني".
وقال إن النائب العام في حكومة الظل "إيميلي ثورنبيري" تمثل أبرز المرشحين لقيادة حزب العمال حال اتخاذ قرار داخلي بإزاحة ستارمر عن زعامة الحزب، معتبراً أن هذا "أمر مطروح على الطاولة حالياً بقبول نحو 80%من الأعضاء"، وفقاً لتقديراته.
ونبه رجب أن "ثورنبيري" تمتلك شخصية قيادية تؤهلها لخوض الانتخابات العامة في مواجهة المحافظين أياً كان زعيمهم عام 2024.
وثورنبيري عضوة برلمان منذ 2005. وكانت وزيرة في حكومة الظل العمالية التي شكلها "إد ميليباند" بين 2010 و2015، ووزيرة أيضاً في عهد جيرمي كوربين بين 2015 و2020.
وحاولت ثورنبيري الترشح لمنصب رئيس الحزب خلفاً لكوربين، ولكنها لم تحقق النصاب المطلوب، فانسحبت من السباق. وعندما وصل كير ستارمر إلى زعامة حزب العمال حجزت لنفسها مقعداً في حكومة الظل التي شكلها.
وبعيداً عن ثورنبيري، يفتقر العمال إلى القائد "الكارزمي" منذ انتهاء عهد توني بلير، إذ يرى رجب أن بقاء "ستارمر" على رأس الحزب حتى 2024 "يُقلص فرص الفوز في الانتخابات العامة المقبلة إلى حد كبير".
وتساءل رجب عن إمكانية استبدال "ستارمر" دون إلحاق ضرر بوحدة الحزب على مستوى القيادات والقاعدة الشعبية، خاصة إذا استدعى الحسم سجالات بين تيارات اليسار واليمين في الحزب.
وحدة الصف
وقال الباحث في الشأن البريطاني جعفر الأحمر لـ"الشرق"، إن الخلافات حول ستارمر لن تتطور إلى شقاق يدفع بالنقابات نحو المطالبة بتغييره "خاصة في هذه المرحلة الحرجة"، لافتاً إلى احتياج الحزب لوحدة الصف وترتيب الأوراق استعداداً لمواجهة المحافظين في انتخابات 2024.
وأشار الأحمر إلى أن "ستارمر" بذل جهوداً كبيرة وملحوظة في عامه الأول لجمع التيارات اليمينية واليسارية في الحزب مجدداً.
ورأى ر أنه لا يوجد بين نواب حزب العمال في مجلس العموم، سواء في حكومة الظل أو خارجها، من يفوق ستارمر في "الكاريزما القيادية"، منبهاً إلى أنه "إذا أراد الحزب استبداله فعليه أن يروج للبديل طوال 6 أشهر أو عام كامل".
وشدد الباحث في الشأن البريطاني على أن البديل يجب أن يكون توافقياً بين أجنحة اليسار واليمين في الحزب، مضيفاً: "كما يجب أن يكون بعيداً عن تهمة معاداة السامية التي استخدمها معارضو كوربين للإطاحة بزعامته".
وقال الأحمر إن "مسألة جنس أو عرق المرشح المقبل لقيادة حزب العمال إذا أراد الحزب استبدال ستارمر قبل عام 2024، ستحدد بعد انتخابات زعامة حزب المحافظين في الخامس من شهر سبتمبر المقبل"، مرجعاً السبب إلى أن "هذه الانتخابات تعتبر مؤشراً حقيقياً على مدى قبول البريطانيين لرئيس حكومة وقائد للدولة ليس من ذوي البشرة البيضاء.
تاريخ يمتد 120 عاماً
ويبلغ عمر حزب العمال البريطاني أكثر من 120 عاماً. وأول حكومة شكلها امتدت لـ9 أشهر فقط عام 1924 بقيادة رامزي ماكدونالد الذي عاد رئيساً للوزراء بين 1929 و1931.
ومنذ ذلك التاريخ أصبح "العمال" أحد الحزبين الرئيسيين في المملكة المتحدة، وتولى السلطة 6 مرات أخرها كانت بقيادة توني بلير.
وفي حين يُسجل لحزب العمال أنه عين مارجريت بيكيت كأول بريطانية في منصب وزيرة الخارجية عام 2006، إلا أنه قبل ذلك بنحو 3 عقود انتخب المحافظون مارجريت تاتشر زعيمة للحزب والدولة واختاروا أيضاً قيادة تيريزا ماي عام 2016، كما تنافس الآن وزيرة الخارجية ليز تراس على زعامة الحزب ورئاسة الحكومة.