ماذا يريد العرب من الرئيس الأميركي جو بايدن؟ وماذا يريد الأخير منهم؟.. سؤالان رافقا الرئيس رقم 46 للولايات المتحدة في رحلته الأولى والمهمة إلى الشرق الأوسط، بل وربما سبقاه إلى المنطقة.
بدأ بايدن محطته الأولى بزيارة إسرائيل، ليعود ويلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس الجمعة، قبل أن يغادر إلى السعودية، حيث يلتقي الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إضافة إلى حضور "قمة جدة" السبت، والتي تجمع الرئيس الأميركي مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن.
وحاول البعض تلخيص إجابتي السؤالين في قضيتيّ "إيران" و"الطاقة"، لكن التطورات الدولية وأزمات العالم المتسارعة ربما تجعل الأمر أكثر تعقيداً من ذلك، في ظل تداعيات جائحة كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا وتفاقم أزمات الطاقة والغذاء والغلاء والتضخم.
"ترميم العلاقات"
تأتي زيارة الرئيس الأميركي إلى السعودية في وقت شهدت فيه العلاقات بين البلدين حالة من المد والجزر منذ دخول بايدن البيت الأبيض، لا سيما على خلفية ملف إيران النووي والحرب في اليمن، والتعامل الأميركي مع قضايا المنطقة، ما دفع المراقبين إلى القول إن زيارة السعودية هي بمثابة محاولة لإعادة الدفء للعلاقات بين الجانبين، خصوصاً وأن واشنطن تعتبر الرياض شريكاً استراتيجياً وقوياً لها في المنطقة.
وأكد بايدن بذاته هذا المعنى، في مقال نشره في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية تحت عنوان: "لماذا أنا ذاهب إلى السعودية"، قال فيه: "منذ البداية، كان هدفي إعادة توجيه العلاقات- وليس قطعها مع دولة كانت شريكاً استراتيجياً لمدة 80 عاماً".
وأضاف: "اليوم، ساعدت السعودية في استعادة الوحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي الست، ودعمت الهدنة في اليمن بشكل كامل، وتعمل الآن مع خبرائي للمساعدة في استقرار أسواق النفط مع منتجي (أوبك) الآخرين".
وفي هذا الإطار، يرى رئيس "مركز الخليج للأبحاث" عبد العزيز بن صقر أن "الجانب العربي والخليجي يدرك أهمية الزيارة والدور الأميركي وتأثيراته الإقليمية والدولية، ويدرك حقيقة وفعالية القوة الأميركية، خصوصاً أن واشنطن تربطها علاقات قوية وتاريخية مع الرياض".
من جهته، يقول مستشار "المركز المصري للفكر والدراسات" عبد المنعم سعيد إن بايدن يقوم بهذه الزيارة "مدفوعاً بمخاوفه من النفوذ الصيني والروسي المتزايد في المنطقة"، فضلاً عن رغبة واشنطن في تعزيز وتشجيع "تيار السلام الإبراهيمي"، ومحاولة إقناع دول أخرى في المنطقة بالانضمام لهذا التيار، أو القيام ببعض إجراءات التطبيع في العلاقات مع إسرائيل.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في "جامعة الإمارات" عبد الخالق عبد الله، أن بايدن يزور المنطقة والسعودية "مجبراً وليس سيداً أو بطلاً"، مرجعاً ذلك إلى "تفاقم التضخم وأزمة الغذاء وارتفاع أسعار الوقود في بلاده، ما جعل واشنطن، وأوروبا أيضاً، في أشد الحاجة للنفط الخليجي في هذه اللحظة أكثر من أي وقت مضى".
ويضيف عبد الله أن "بايدن يرى أن الخروج من هذه الأزمات، خصوصاً أزماته الداخلية مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر، وتراجع شعبيته هو وحزبه الديمقراطي في الشارع الأميركي، أمر ممكن، والحل موجود لدى السعودية والإمارات، عبر إقناعهما برفع سقف إنتاج النفط".
واعتبر وزير الإعلام الأردني الأسبق سميح المعايطة، أن زيارة بايدن للسعودية ولقائه قادة عدد من دول المنطقة "تأتي بسبب قناعة أميركا المتجددة الآن بأن علاقاتها في المنطقة، خاصة مع دول الخليج، تحتاج إلى رعاية أكبر، وإدراكها أن الوضع يحتاج إلى تفاهمات بعيدة عن أولويات الديمقراطيين الذين يحكمون البيت الأبيض".
"أزمة ثقة"
مع عقد بايدن قمة مهمة في مدينة جدة السعودية، تجمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي إلى جانب مصر والعراق والأردن، يرى مراقبون أن المناسبة المذكورة قد تكون فرصة لواشنطن لإعادة تجديد الثقة في أنها حليف يعتمد عليه في مواجهة التحديات والتهديدات التي تعيشها دول المنطقة، وأن أميركا باقية وحاضرة في قضايا المنطقة.
وأفادت تقارير عدّة بأن بايدن يسعى لحشد دعم حلفاء واشنطن التقليديين في مواجهة خصومها، لا سيما الصين وروسيا، إلّا أن بعض الحلفاء باتوا أقل حماسة للانخراط في استقطاب دولي في ظل علاقات متعاظمة اقتصادياً وسياسياً مع الجانبين الصيني والروسي.
ويترسخ ذلك الشعور انطلاقاً من حقيقة أن العلاقات الأميركية الخليجية ليست في أحسن حالاتها، لا سيما بسبب ما اعتبره الخليجيون تخلياً أميركياً عن الكثير من التزامات واشنطن تجاه حلفائها في المنطقة، سواء في سوريا والعراق وفلسطين واليمن، خصوصاً بعد أن فاجأت إدارة بايدن الجميع وأخرجت "الحوثيين من قائمة التنظيمات الإرهابية"، ما خلف أزمة ثقة كبيرة في العلاقات الأميركية الخليجية، ودفع الكثيرين للتساؤل عما إذا كانت أميركا لا تزال حليفاً يمكن الوثوق به.
وقال عبد الخالق عبد الله "إن العلاقات الخليجية الأميركية تمر بمرحلة تأسيسية جديدة بسبب التحولات الكبيرة، مضيفاً: "نحن أمام خليج مختلف، وحتماً شرق أوسط مختلف، وبقوة جديدة. هذا كله يتطلب أسساً لعلاقات مختلفة مع أميركا عما كانت عليه قبل حوالي 80 عاماً".
ومع ذلك استبعد عبد الله أن تعطي دول الخليج ظهرها للولايات المتحدة أو تقطع علاقاتها مع قوة عظمى مهمة، وصفها بأنها "ما زالت ضرورية لأمن الخليج وأمن المنطقة".
لكنه أوضح أن "المشكلة الآن تكمن في واشنطن، في ظل وجود أطروحات تدفع باتجاه تخفيف البصمة العسكرية والسياسية الأميركية في منطقة الخليج العربي وعلى امتداد منطقة الشرق الأوسط، ومن بين هذه الأطروحات القول إن نفط الخليج لم يعد حيوياً لأميركا".
ماذا يريد العرب من أميركا؟
تأتي أزمة الثقة بين العرب وأميركا، لتطرح سؤالاً بشأن ما يريده العرب من الولايات المتحدة بما يؤدي إصلاح العلاقات واستعادة الثقة المفقودة.
يقول سميح المعايطة، إن الرد العملي على السؤال المطروح أعلاه، يستوجب على واشنطن "التعامل بجدية مع مصالح حلفائها في المنطقة ومع مخاوفهم وأولوياتهم، وألّا تكون هذه الأولويات غائبة عن أجندة إدارة بايدن كما هو الحال منذ توليه السلطة".
ويضيف: "أقصد هنا التهديدات الإيرانية والقضية الفلسطينية وأزمات المنطقة الأخرى".
أما عبد العزيز بن صقر، فيرى أن "الجانب العربي، لا سيما الخليجي، يطالب القيادة الأميركية بتحديد دورها، وذلك بعد فترة طويلة من التذبذب الأميركي وعدم الالتزام".
ويوضح أنه "إذا كان هناك تحالف استراتيجي لا يزال قائماً بين واشنطن والعالم العربي، فإن لهذا التحالف التزامات وشروطاً ضرورية لاستمراره وتطويره، وبالتالي يتوجب على واشنطن أن تحدد أين تقف تجاه حلفائها التقليديين".
بدوره، اعتبر الكاتب الصحافي سالم الجهوري، المتخصص في الشؤون الدولية، أن الولايات المتحدة "لم تكن صادقة في التزاماتها مع العرب".
وقال: "إذا بقيت واشنطن على تخاذلها، فإن ذلك قد يؤدي إلى قيام الدول العربية بسحب مصالحها تدريجياً من الساحة الأميركية، وليس بشكل كامل، لتعيد توجيهها باتجاه الصين وروسيا"، لافتاً إلى أن "المصالح الأميركية لدى العرب أكبر من مصالح العرب لدى أميركا".
وأوضح الجهوري أن "التنافس في آسيا والتواجد فيها جعل واشنطن منشغلة بمعركة تنافسية على طريقة الحرب الباردة مع بكين، ما جعل دول الخليج برؤيتها الجديدة تدرك أن العالم يتجه إلى أن يكون متعدد الأقطاب، وبروز دور دول عدة مثل الهند".
واتفق مع ذلك عبد الخالق عبد الله معتبراً أن "واشنطن تبدو حالياً أكثر انشغالاً بالحرب الروسية الأوكرانية والتنافس مع الصين.
وأضاف: "كل ذلك جعل دول الخليج ترى أن العالم يتجه إلى أن يصبح متعدد الأقطاب، وبالتالي تتجه (دول الخليج) هي الأخرى إلى تنويع شراكاتها مع العالم".
"دبلوماسية الطاقة"
وتأتي زيارة بايدن للشرق الأوسط، بعد قرابة 5 أشهر على الغزو الروسي لأوكرانيا، وتداعياته العالمية الكبرى اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً والتي تسببت إلى جانب جائحة كورونا، التي لم يتعاف منها العالم بعد، في موجة ارتفاع هائل في أسعار الطاقة والمواد الغذائية على مستوى العالم، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية، ما ترتب عليه ارتفاع غير مسبوق في التضخم.
ويرى مراقبون أن هذه التداعيات الهائلة كانت أحد أهم الأسباب، التي أجبرت بايدن على تغيير بوصلة السياسة الخارجية الأميركية تجاه المنطقة وقضاياها، بالنظر إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه في سوق الطاقة، التي باتت القضية الأكثر حيوية بالنسبة للرئيس الأميركي وإدارته حالياً.
ويؤكد مؤسس "مركز صقر للدراسات الاستراتيجية" مهند العزاوي أن "مباحثات بايدن مع قادة دول المنطقة ذات التأثير النفطي وعلى رأسها السعودية، تهدف لإقناع هذه الدول برفع طاقتها الإنتاجية من النفط لحساب المصالح الأميركية والغربية".
ويقول العزاوي: "من وجهة نظري أرى أن العرب يستخدمون دبلوماسية الطاقة بحرفية عالية من أجل تحقيق مطالبهم لدى واشنطن".
لكن سميح المعايطة يستبعد أن يحصل بايدن على كل ما يريد في ما يخص ملف الطاقة، ويرى أن "موقف السعودية والإمارات في إدارة زيادة إنتاج النفط، وعدم الاستجابة للمصلحة الأميركية والعلاقة المتوازنة مع روسيا، يفرض أولويات جديدة على علاقات الخليج وأميركا".
إيران والملفات العالقة
يحتل ملف إيران موقعاً رئيسياً في المحادثات بين الدول الخليجية والولايات المتحدة، لا سيما بعد أن وصل الملف النووي إلى نقطة حرجة للغاية عقب فشل المفاوضات الجارية مع طهران، وإثارة الحديث عن الخيارات المحتملة للتعامل مع الموقف من جانب الولايات المتحدة.
يضاف إلى ما تقدم، المخاوف الإسرائيلية المتزايدة من احتمال امتلاك إيران سلاحاً نووياً خلال فترة قريبة واستغلالها لهذه الفترة الرمادية من المفاوضات لتحقيق ذلك، وتلويح قادة إسرائيل عدة مرات بإمكانية التصرف "عسكرياً" بشكل منفرد بعيداً عن الحليف الأميركي في مواجهة إيران.
وسبق أن شرحت الدول العربية للإدارة الأميركية دور إيران وأذرعها الإقليمية في زعزعة الاستقرار والأمن في المنطقة.
وعن هذه المسألة، يقول عبد الخالق عبد الله إن "إيران أصبحت الآن تهدد الخليج من الشرق والشمال (العراق) ومن الجنوب (اليمن)، وكأنما هنالك للمرة الأولى (هلال إيراني) يهدد الخليج".
ويرى عبد الله أن "التهديد الإيراني لأمن المنطقة تضاعف في الوقت الحالي لأسباب عدة، أهمها: سعي طهران إلى زج المنطقة في سباق تسلح نووي، إضافة إلى صواريخها التي تزود بها جماعة الحوثي والتي استخدمتها الجماعة في استهداف حقل بقيق ومنشآت مدنية في الإمارات".
ويضيف: "نحن أدرى بخطر إيران من معظم دول العالم بسبب قرب الجغرافيا التي بيننا".
وتوقع سالم الجهوري أن "تشهد زيارة بايدن أيضاً محاولة لإنهاء الملف اليمني الملتهب، من خلال دمجه في مفاوضات الاتفاق النووي بين دول 5 + 1 وإيران، لأن طهران تربط المساعدة في الأزمة اليمنية بالمساومة على الملف النووي".
ويعتقد الجهوري أن "ثمّة محاولات وجهود لاحتواء طهران لإنهاء حالة التوتر في المنطقة"، مشيراً في هذا الصدد إلى المباحثات "السعودية– الايرانية" التي قال إنها بدأت في العراق، وانتقلت الآن إلى سلطنة عُمان بهدف تهيئة الأجواء للتوصل إلى تهدئة في المنطقة.
اقرأ أيضاً: