انتقدت لجنة الاتصال الوطنية للحركيين، وهم الجزائريون الذين قاتلوا إلى جانب الجيش الفرنسي خلال حرب الاستقلال الجزائرية، السبت، تقرير المؤرخ بنجامان ستورا عن الاستعمار وحرب الجزائر لـ"محدوديته".
وقالت اللجنة في بيان، إن المؤرخ "أحجم عن طرح أي نقاش أو رأي خلافي، رغم أن ذلك ضروري في الديموقراطية"، ومع اقتراب الذكرى الستين لاستقلال الجزائر عام 2022، لا يزال التاريخ والذاكرة حول حرب الجزائر (1954-1962) يؤثران على العلاقة بين البلدين.
ويدعو بنجامان ستورا في تقريره إلى تسهيل تنقل الحركيين، الذي يعتبرهم جزء من الجزائريين خونة متعاونين مع الاستعمار، وأبنائهم بين فرنسا والجزائر، في حين اعتبر محمد بادي من لجنة الاتصال الوطنية للحركيين أن ذلك من قبيل "ذر الرماد في العيون"، لأنه "موجود منذ وقت طويل".
وأضاف أن "الأشخاص الذين بقوا موجودين على سرير الموت أو متقدمين في السنّ، لن يعودوا إلى الجزائر، أما بالنسبة للأطفال والشباب فإنهم لا يجدون ترحيباً عندما يذهبون إلى الجزائر".
الاعتراف بالضرر والتعويض
وتأمل لجنة الاتصال الوطنية للحركيين في الحصول على "اعتراف الدولة الفرنسية بمسؤوليتها وخطئها عند نزع سلاح الحركيين والتخلي عنهم، وتعرضهم لمجزرة بعد اتفاقيات إيفيان ووقف إطلاق النار في 19 مارس 1962".
وتطلب اللجنة أيضاً الاعتراف بـ"السجن التعسفي للناجين في مخيمات وأماكن احتجاز غير لائقة دون قرار قضائي ولفترة غير محددة، بمجرد وصولهم إلى فرنسا".
وأضاف البيان أن "تلك المأساة الإنسانية والوطنية المروعة لن تُطمس، هذا هدف نضالنا حتى تطوى أخيراً الصفحة، ويبدأ العمل على الذاكرة بين ضفتي المتوسط لمصالحة الشعبين، خدمة للأجيال الحالية والمقبلة".
وشدد بادي على أن "ما يهم فعلاً هو أن تعترف فرنسا نهائياً بالضرر الذي تسببت به. وأن تغطيتها هذا الجزء من التاريخ تعني تزييفه"، وطالب البيان بـ"الحقيقة والاعتراف والعدالة والتعويض".
تشاؤم جزائري بخطوة باريس
واستقبلت الجزائر إعلان باريس عزم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تقديم "خطوات رمزية"، لمعالجة ملف الذاكرة المشتركة بين فرنسا والجزائر، من دون تقديم "أي اعتذار"، بكثير من التشاؤم، بعدما خيم التفاؤل على محادثات رئيسي البلدين ماكرون وعبد المجيد تبون.
وعبرت أوساط جزائرية عن تشاؤمها من الخطوة، واعتبرت أنها "لا تمثل استجابة كافية لمطالب الجزائر، بتقديم اعتذار فرنسي عن فترة الاستعمار" التي دامت 132 عاماً (1830-1962).
وقال المؤرخ الجزائري والباحث في العلوم السياسية رابح لونيسي في حديث سابق لـ"الشرق"، إن "مشروع ماكرون تراجع في التقدم بملف الذاكرة، إلى درجة إمكانية الاعتراف بجرائم الاستعمار، وذلك إرضاء لليمين المتطرف، ولوبيات الأقدام السوداء (المستوطنون الفرنسيون الذين سكنوا الجزائر)، لأجندات انتخابية".
ذاكرة الاستعمار والحرب
وسلم المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا (المولود في الجزائر) الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تقريراً عن الاستعمار وحرب الجزائر (1954-1962)، والذي يحوي اقتراحات ترمي لإخراج العلاقة بين فرنسا والجزائر من الشلل، الذي تسببت فيه قضايا الذاكرة العالقة.
وكلف ماكرون، ستورا، وهو أحد أبرز الخبراء المتخصصين بتاريخ الجزائر الحديث، في يوليو الماضي، "بإعداد تقرير دقيق ومنصف حول ما أنجزته فرنسا، بشأن ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر"، التي وضعت أوزارها في عام 1962، وما زالت حلقة مؤلمة في العلاقات بين البلدين.