أوسكار 2023.. ميشيل يو أفضل ممثل أم أفضل أم؟

time reading iconدقائق القراءة - 7
الممثلة الماليزية ميشيل يوه تحمل جائزة أوسكار أفضل ممثلة في حفل توزيع الجوائز الـ95، هوليوود، لوس أنجلوس، 12 مارس 2023  - REUTERS
الممثلة الماليزية ميشيل يوه تحمل جائزة أوسكار أفضل ممثلة في حفل توزيع الجوائز الـ95، هوليوود، لوس أنجلوس، 12 مارس 2023 - REUTERS
القاهرة-رامي عبد الرازق*

ماذا لو كان جاكي شان المُرشح الرئيسي لفيلم "Everything Everywhere All at Once" هو الذي قدم دور البطل المُنقذ للعوالم المتعددة بدلًا من ميشيل يو؟، لا شك أن هذا السؤال كان يدور في خاطر ميشيل يو، وهى تصعد لمسرح دولبي لتتسلم أول تمثال أوسكار كأفضل ممثلة يذهب ليد مؤدية آسيوية.

يو، ماليزية الأصل التي بدأت حياتها كراقصة بالية، التقت جاكي شان في بدايتها عام 1984، عندما كانت تعمل في مجال الإعلانات وقدمت معه واحداً من أفلامه الناجحة "Supercop" عام 1992، وكان من الممكن أن يكون جاكي شان نفسه هو زوجها في الفيلم بدلًا من الممثل الأميركي فيتنامي الأصل كي هو كوان، الذي حاز على أوسكار أفضل ممثل مساعد عن الفيلم ذاته.

ولكن كل ما له علاقة بجاكي شان على مستوى الشخصية اختفى خلال كتابة الفيلم وتحولت الشخصية الرئيسية من مُخلص إلى مُخلصة، وأم لمراهقة مثلية الجنس، وزوجة رجل يعاني من ضعف شخصية ظاهري رغم طيبته وحكمته الخفية، رغم أن روح جاكي شان نفسها على مستوى تصميم المعارك وأسلوبه المميز في أداء مشاهد الأكشن، التي تجمع ما بين اللياقة الهائلة والطرافة المبهجة والذكاء القتالي استمر في غالبية مشاهد الحركة بالفيلم، وسواء كان هذا تحية أو اقتباس.

عوالم متعددة

وفي مقابل رفض ميشيل يو، العمل في الثلاثية الخارقة "Matrix" جاءتها الفرصة بعد أكثر من 20 عاماً، لتكون هي نفسها النسخة النسائية من "نيو" أو "إيفلين" التي تنقذ ليس فقط عالمها من قسوة مأمورة الضرائب وشعور ابنتها بالضياع وفقدان الهوية، ولكن لتتمكن من النجاة بكل نسخها الموجودة في العوالم المتعددة التي تنبثق من عالمنا كلما اتخذنا قراراً مغايراً أو تراجعنا عن فعل.

حاول الثنائي دانيال مخرجا الفيلم، إقناع ميشيل بتغيير اسم "إيفلين" الأصلي إلى اسمها "ميشيل"، لكنها رفضت شخصياً هذه الفكرة لأنها أرادت أن تقف قصة "إيفلين" بمفردها، وكرهت أن يتصور الجمهور أن ثمة دمج بين شخصيتها الحقيقية وشخصياتها في السيناريو، رغم أنها صرحت بأنها انتظرت وقتاً طويلاً حتى تتلقى نصًا كهذا "لأنه كلما تقدمت في العمر، أصبح الصندوق أصغر وأصغر" -على حد تعبيرها- والصندوق المقصود هو القدرة على أداء مثل هذه الشخصيات المفعمة بطاقة رهيبة على مستوى الأكشن أو التمثيل.

 وربما كان هذا هو ما قصدته حين قالت عقب عرض الفيلم، إنه كان "خارج منطقة الراحة الخاصة بها تماما": "كنت أقوم فجأة بعمل كوميديا، وكوميديا جسدية، وأكشن، ورعب، كان كل نوع يحتوى على كل الأنواع الأخرى، وكان عليّا القفز فيه والخروج منه في نفس اللحظة.. لقد كانت تجربة مرضية للغاية".

لم يكن الأوسكار بعيداً عن العديد من التجارب البراقة التي شاركت فيها يو، على مدار رحلتها مع السينما، حاز "Memoirs of a Geisha" عام 2004 على 3 جوائز أوسكار، وحاز "Crouching Tiger, Hidden Dragon " عام 2000 على 4 جوائز، وكلاهما قدمت فيه يو أدواراً تُحسب لمشوار أي ممثلة حتى ولو لم تكن أي من هذه الجوائز من نصيبها المباشر.

ولكن يمكن الجزم بأن ظلال الصوابية السياسية قد حسمت المنافسة لصالح ترشيحها هذا العام كأفضل ممثلة، خاصة مع المنافسة الشديدة التي واجهتها من قبل ممثلات آخريات قدمن أدوار الأم في الأفلام الـ5 التي رُشحت للجائزة، فيمكن الأخذ في الاعتبار وبشكلٍ ساخر، أنها الوحيدة من بين كل هؤلاء الأمهات التي أنقذت العالم.

المنافسة والصوابية

استطاعت أجندة الصوابية، أن ترفع كعب يو على أداء كيت بلانشيت لشخصية المايسترو الأسطورية "ليديا تار" في الفيلم الذي يحمل اسمها، وهي امراة مثلية تعيش دور الأب والأم لطفلة متبناه مع "زوجتها"، وكيف تبدو صلابة شخصيتها وقوتها العاطفية كأول امرأة تقود أوركسترا ضخم في العالم.

كانت بلانشيت هي المرشحة الأقوى والأقرب للجائزة، بعدما حصدت مجموعة مهمة من جوائز التمثيل عن الفيلم قبل ليلة الأوسكار الـ95، ولم يتمكن كونها تؤدي دور أم مثلية في عالم لا يقبل النساء الممسكات بعصا المايسترو -وهي قصة صوابية من الدرجة الأولى- من الصمود أمام كون يو تُقدم شخصية أم آسيوية مهاجرة لديها ابنة مثلية وأب تقليدي وزوج ضعيف الشخصية يرغب في الانفصال عنها ليلة رأس السنة الصينية والمفروض أنها وسط كل هذا مطالبة بإنقاذ العوالم كلها.

ولما كانت كيت بلانشيت بأدائها القوي في "Tar" لم تصمد أمام الأصوات التي ذهبت إلى يو، فكيف بالأم الانفعالية المنهكة مريضة الاكتئاب في "The Fabelmans" والتي قدمتها بطزاجة شديدة ميشيل ويليامز أن تصمد أمام حمى الصوابية، وكانت ويليامز ثاني أقرب المرشحات للحصول على الجائزة بعد بلانشيت؟.

أما أندريا ريسبورا، في دور الأم مدمنة الكحول في "To Leslie" بأدائها النمطي، وخلو الفيلم من أي بريق درامي يذكر والأيقونة اللاتينية المبهرة آنا دي أراماس في الفيلم الجدلي "Blonde" الذي قدمت فيه جانباً متخيلاً من حياة مارلين مونرو في رحلة بحثها عن أمومتها غير المتحققة وأباها الذي ليس في الأرض ولا في السماء، فكان من الصعب أن تصمدا أمام أي أجندات صوابية.

ورغم أن "Blonde" لا يقل خلافية في تلقيه عن ""Everything Everywhere All at Once" إلا أنه يمكن التصور بأن وجوده في قائمة ترشيحات أفضل ممثلة يبدو مقابلاً لوجود فيلم "Elvis" في قائمة أفضل ممثل، فعلى ما يبدو أن الأكاديمية ترى دائماً أن تجسيد شخصيات حقيقية في سير ذاتية أو متخيلة يستحق أو يكون دوماً بين ترشيحات أفضل تمثيل، ربما تقديراً لجهد الممثل في محاولة التقمص وبذل الجهد في الإيهام بأنه أقرب ما يكون بالفعل للشخصية الأصلية.

إذن تصويت أعضاء الأكاديمية إلى الأم الأولى "إيفلين" بطلة ""Everything Everywhere All at Once" -بكل ما يحمله الاسم من سطحية المباشرة-  لا يبدو غريباً في الليلة الآسيوية للأوسكار، ولكن سيظل حصول ميشيل يو على الجائزة رغم اجتهادها في أداء الدور وتاريخها السينمائي البراق، محاطاً دوماً بتلك الخلافية الشديدة التي ولدها نصيب الأسد من التماثيل الذهبية نالها الفيلم كنقطة خافتة في تاريخ الجوائز الأشهر، والتي سوف ندرك لحظة انقشاع غمامة الصوابية عندما يسترد العم أوسكار موضوعيته وحياديته، اللتان صارتا محل شك في نقائهما خلال العقد الأخير.

* ناقد فني

اقرأ أيضاً:

تصنيفات