قطار التطبيع بين دمشق وأنقرة عبر موسكو.. نقاط الالتقاء والخلاف

time reading iconدقائق القراءة - 8
الرئيسان السوري بشار الأسد والتركي رجب طيب أردوغان يلوحان للجماهير خلال افتتاح ستاد حلب في سوريا. 3 أبريل 2007 - REUTERS
الرئيسان السوري بشار الأسد والتركي رجب طيب أردوغان يلوحان للجماهير خلال افتتاح ستاد حلب في سوريا. 3 أبريل 2007 - REUTERS
دبي-رامي زين الدين

تحققت خطوة جديدة متقدمة على مسار تطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا، على ما يبدو، من خلال اللقاء الذي استضافته موسكو، الأربعاء، وجمع وزيري دفاع البلدين إضافة إلى نظيرهما الروسي، وهو اللقاء الأول على هذا المستوى الرفيع منذ أكثر من 11 عاماً.

ويطرح هذا الاختراق في العلاقات الشائكة بين دمشق وأنقرة تساؤلات جادة بشأن نقاط الالتقاء والاختلاف بين الجانبين، لا سيما أن روسيا تبدو بدورها عازمة على المضي قدماً في دفع هذه اللقاءات إلى مستويات أعلى، وصولاً إلى عودة العلاقات التي قد تتُوج بلقاء الرئيسين التركي والسوري، وهو ما ألمح له الرئيس رجب طيب أردوغان منذ عدة أسابيع.

وفي أغسطس الماضي، كشفت صحيفة "تركيا غازيتسي" عن مطالب وشروط متبادلة بين دمشق وأنقرة، لفتح حوار بين البلدين، وذلك بالتزامن مع تصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان آنذاك، قال خلالها إنه لا يستبعد مطلقاً الحوار مع سوريا.

وخلال حديث مع صحافيين أثناء عودته من أوكرانيا، حيث التقى نظيره فولوديمير زيلينسكي، قال أردوغان إن بلاده "ليس لديها أطماع في الأراضي السورية"، معتبراً أن الدبلوماسية والحوار السياسي بين الدول لا يمكن قطعهما بالكامل.

وأوضح أن هناك "حاجة لاتخاذ مزيد من الخطوات مع سوريا، وهدفنا ليس الفوز على نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد، بل مكافحة الإرهاب في شمال سوريا وشرق الفرات".

وبحسب الصحيفة التركية، تتمثل شروط أنقرة لإعادة العلاقات مع دمشق في تطهير سوريا من عناصر حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية، والقضاء على التهديدات القابعة على الحدود بشكل تام، وانخراط دمشق بعملية دمج سياسي وعسكري مع المعارضة، واعتماد حمص وحلب ودمشق لاختبار تنفيذ خطة عودة للسوريين، وتطبيق مسار جنيف، بما في ذلك إجراء انتخابات والإفراج عن المعتقلين.

أما الشروط التي وضعتها دمشق للحكومة التركية، وفقاً للتقرير ذاته، كمقدمة لتطبيع العلاقات، فتكمن في تسليم إدلب ومعبر باب الهوى ومعبر كسب الحدودي للحكومة السورية، ووضع طريق M4 الدولي تحت سيطرة دمشق بشكل كامل، والحصول على دعم أنقرة في مسألة رفع العقوبات المفروضة على دمشق، والتعاون في القضاء على "الإرهاب"، ودعم عودة سوريا إلى الجامعة العربية والمنظمات الدولية.

لقاء أردوغان والأسد

في حديث لـ"الشرق"، اعتبر المحلل السياسي التركي رسول طوسون أن لقاء وزراء الدفاع الروسي سيرجي شويجو والتركي خلوصي أكار والسوري علي محمود عباس يُشكل خطوة صائبة للتقدم في مسار حل القضية السورية، لاسيما أنهم يعرفون بشكل جيد ما يجرى ميدانياً، وقال "إذا ما توصلوا إلى توافق سيتيسر بالتالي تحقيق تفاهمات أكبر، من بينها لقاء وزراء خارجية البلدين".

مع ذلك يرى طوسون أنه رغم هذا الاختراق في المحادثات هناك تعقيدات في طريق الحل النهائي، وأبرزها ملف مكافحة الإرهاب الذي يتضمن أبعاداً عديدة، منها ملف المعارضة التي تُعد تركيا الدولة الضامنة لها، وكذلك ملف اللاجئين والنازحين، إضافة إلى الوجود العسكري التركي في شمال سوريا.

ويعتقد الباحث التركي أن المحادثات بشأن هذه الملفات لن تنتهي خلال فترة قصيرة، أما موضوع التنازلات، فهو أيضاً يحتاج إلى دراسة عميقة واسعة، بحسب رأيه.

وأضاف: "رغم أهمية لقاء الوزيرين في موسكو، إلا أني لست متفائلاً في الوصول إلى حل قريب، ولست متشائماً حيال التوصل إلى الحل أيضاً، لكني أرى أن الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً، ولا أتوقع في الوقت نفسه حدوث لقاء على مستوى الرئيسين قبل الانتخابات الرئاسية التركية".

الملف الأمني

ثمة نقاط خلاف كبيرة بين دمشق وأنقرة، لكنها بحسب رأي الكاتب الصحافي السوري عبد الحميد توفيق، ليست مستحيلة التذليل، وذلك رغم أن العلاقات بين البلدين وصلت إلى مستوى من التوتر "جعلت الرئيسين السوري والتركي يتبادلان كلاماً جارحاً".

وفي حديث لـ"الشرق"، أشار توفيق إلى أن أبرز المسائل الخلافية تتمثل على المستوى الأمني في وجهة نظر دمشق بأن تركيا تحتل أراضي سورية تُقارب مساحتها 22 ألف كيلو متر مربع، تمتد من الحدود الشمالية الشرقية قرب المالكية والقامشلي، مروراً بأرياف الرقة والحسكة وحلب وإدلب، وصولاً إلى تخوم محافظة اللاذقية في أقصى الغرب.

وتابع: "هذه عقبة معقدة يقف عندها الجانب السوري لأنها ذات طابع سيادي، في وقت تقول تركيا إنها تحاول رسم حزام أمني يقيها ما تصفه بـ(مخاطر إرهاب) حزب العمال الكردستاني وذراعه السوري تحت راية قسد".

أما ملف اللاجئين فحلوله، كما يعتقد الكاتب السوري، هي مسألة حتمية على غرار الأزمات الدولية المشابهة، إذ "في حال التوصل إلى توافقات سياسية وأمنية سيعودون إلى مناطقهم، لا سيما أن تركيا بحاجة إلى حل هذه القضية لأنها تُشكل عبئاً كبيراً عليها وورقة ضغط من الأحزاب السياسية المنافسة قبل الانتخابات".

مسألة خلافية أخرى تبرز في خضم محادثات دمشق وأنقرة، تتمثل كما يقول توفيق في قوات المعارضة السورية المدعومة من تركيا والتي يُقدر عددها  بعشرات الآلاف، وأوضح أن "هناك حديث عن مقترح تركي بالتوافق مع روسيا للتوصل إلى تفاهم مع دمشق على دمج قوات المعارضة مع الجيش السوري، في حين سيتم إبعاد من يرفض عن المشهد".

وبالنسبة لهيئة تحرير الشام التي تُسيطر على معظم إدلب، قال عبد الحميد توفيق إنها "منظمة مصنفة في قوائم الإرهاب العالمية، بما في ذلك قائمة تركيا، وإذا ما تم إنهاء ملفات الخلاف بين سوريا وتركيا سيكون هناك حل للهيئة".

وقال الكاتب السوري أيضاً إنه "في حال تحققت المصالحة بين دمشق وأنقرة بوساطة روسيا، هذا يعني أن سوريا ستكون في طريق التعافي الاقتصادي الذي سيكون لموسكو وأنقرة حصص كبيرة فيه".

العقدة الكردية

من جانبه، تحدث الباحث الروسي المتخصص في العلوم السياسية الدكتور رولاند بيجاموف عن الخلافات السورية التركية المتعلقة بتسوية الصراع، وعلى نحو خاص دور القوى الكردية في هذه العملية، وقال إن الطرفين لديهما وجهات نظر متشابهة حول مبادئ هذه المسألة، إذ كلاهما غير راضٍ عن الدعم الذي تُقدمه الولايات المتحدة للقوات الكردية.

وأضاف بوجانوف: "لا تزال مسألة استمرار وجود القوات التركية في سوريا، ومسألة منطقة خفض التصعيد في إدلب، وترسيم حدود مناطق المعارضة السورية دون حل. كما أن احتمال شن عملية عسكرية تركية في سوريا لا يزال مصدر قلق أيضاً، لا سيما في ظل التساؤلات بشأن المناطق والعمق الذي ستدخل إليه القوات التركية".

وأشار لـ"الشرق" إلى أنه في وقت تصرّ  أنقرة على إقامة منطقة عازلة بعمق 30 كيلو متراً داخل الأراضي السورية، تؤيد دمشق الالتزام باتفاقية أضنة التي تنص على التوغل بعمق 5 كيلو مترات، لافتاً إلى أن "تركيا مهتمة بمنطقة خفض التصعيد في إدلب، وبالتالي الحفاظ على وجودها العسكري في هذه المنطقة بحجة حماية قوات المعارضة" 

وفي شأن آخر من نقاط الاختلاف بين تركيا وسوريا، قال بوجانوف إن دمشق تُريد حصر نقل المساعدات الإنسانية عبر مناطق سيطرتها، أما أنقرة فتريد تقديم المساعدة الإنسانية عبر نقاط التفتيش التابعة لها".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات