حذّر الكرملين الدول الغربية من مصادرة أصول روسيا المجمدة، متوعداً بـ"إجراءات عقابية مماثلة"، في وقت تزايد فيه الحديث عن استخدام الأصول المجمدة المذكورة "لإعادة إعمار أوكرانيا، ومحاسبة موسكو على غزو جارتها".
وأعلنت إستونيا، الاثنين، عزمها وضع إطار قانوني لمصادرة الأصول الروسية، للمضي قدماً في "مساءلة موسكو على غزوها أوكرانيا"،
لكن رئيس البرلمان الروسي فياتشيسلاف فولودين، حذر من اتخاذ أي قرار من شأنه استخدام أصول بلاده المجمدة في عملية إعادة إعمار أوكرانيا، وهو ما دأب الاتحاد الأوروبي على التحدث بشأنه منذ الأشهر الأولى للحرب.
وفي تصريحات عبر "تليجرام" خلال وقت سابق، قال فولودين إنه "يحق لروسيا في حال مصادرة أصولها اتخاذ إجراءات مماثلة تجاه الدول التي ستتخذ قرارات مماثلة"، لافتاً إلى أن عدداً من الدول على رأسها ألمانيا "تُخطط لمصادرة الأصول الروسية لإعادة إعمار أوكرانيا".
وأضاف: "لدينا الحق في اتخاذ إجراءات مماثلة في ما يتعلق بأصول ألمانيا والدول الأخرى".
ويحاول الاتحاد الأوروبي إيجاد طرق مشروعة لاستخدام الأصول الروسية، والتي من المتوقع أن تستغرق سنوات. وذكرت وكالة "بلومبرغ" في تقرير في 4 يناير أن الحكومة الألمانية مستعدة لتلبية مطلب أوكرانيا باستخدام الأصول الروسية المجمدة إذا فعل حلفاء الاتحاد الأوروبي الشيء نفسه.
ونقلت الوكالة عن مصادر مطلعة أن وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، تصر على أنه يجب على أوروبا أن تنظر في مصادرة بعض الأصول المجمدة على الأقل، إلا أن وزير المالية كريستيان ليندنر أكثر حذراً بشأن هذه الخطوة وذلك لقلقه من أن تُشكل سابقة خطيرة قد تضع السلطات الأوروبية في مشكلة قانونية.
وتدعم حكومة المستشار أولاف شولتز مطالبة أوكرانيا بتعويضات الحرب، لكنها لم تتخذ بعد موقفاً رسمياً بشأن مصادرة الأصول من الدولة الروسية، وذلك كون هذه القضية معقدة.
تجميد 300 مليار يورو
السلطات الإستونية أعلنت الاثنين أنها تعتزم تقديم إطار قانوني يسمح بمصادرة الأصول الروسية المجمدة بحلول نهاية هذا الشهر، حسبما ذكرت "بلومبرغ" الاثنين، نقلاً عن المتحدث باسم وزارة الخارجية ميخكل تام.
وبحسب وكالة "بلومبرغ"، تعهد وزير خارجية إستونيا أورماس راينسالو، في ديسمبر 2022، بوضع خطة لمصادرة الأصول الروسية من دون انتظار قرار من الاتحاد الأوروبي بالكامل.
وفي الوقت ذاته، قالت رئيسة الوزراء الإستونية كايا كالاس إن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي “بحاجة إلى المضي قدماً في العمل على ضمان المساءلة عن جريمة العدوان واستخدام الأصول المجمدة لروسيا”.
وتُخطط إستونيا لتقديم مسودتها بحلول الوقت الذي تنتهي فيه المفوضية الأوروبية من اتفاقية على مستوى الكتلة تتعامل مع الأموال المجمدة، ووفقاً لوحدة الاستخبارات المالية الإستونية، تبلغ الأصول المجمدة في الحسابات المملوكة لروسيا في البلاد ما يقارب الـ20 مليون يورو (21.5 مليون دولار).
وكان الاتحاد الأوروبي ودول أخرى في مجموعة السبع جمدوا نحو 300 مليار يورو (311 مليار دولار) من احتياطيات البنك المركزي الروسي، إلى جانب المليارات من الأصول المملوكة لشركات وأفراد روس خاضعين للعقوبات.
وفي وقت سابق من يناير، ظهرت تقارير إعلامية تفيد بأن برلين منفتحة على استخدام الأصول المصادرة للبنك المركزي الروسي لتمويل إعادة إعمار أوكرانيا إذا اتبع حلفاء ألمانيا حذوها.
تجميد أرصدة 1241 شخصاً
وفي 9 ديسمبر الماضي، أعلن الاتحاد الأوروبي تجميد 18.9 مليار يورو من أصول أثرياء روس وكيانات فرضت عليها عقوبات بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.
وأشارت الإحصاءات التي نُشرت آنذاك، بحسب وكالة "فرانس برس"، إلى أن بلجيكا جاءت في المقدمة، إذ جمدت 3.5 مليارات يورو من الأصول الروسية، تلتها لوكسمبورغ بـ2.5 مليار، وإيطاليا بـ2.3 مليار، وألمانيا بـ2.2 مليار.
أما إيرلندا والنمسا وفرنسا وإسبانيا فقدت جمدت كل منها على حدة أكثر من مليار يورو بحسب البيانات المعلنة بحلول 25 نوفمبر.
وفرض الاتحاد الأوروبي حزماً عدة من العقوبات غير المسبوقة على الاقتصاد الروسي منذ أن بدأ غزو أوكرانيا في 24 فبراير من العام الماضي.
وتتذيل القائمة مالطا التي لديها مخطط "جواز السفر الذهبي" المثير للجدل للمستثمرين الأثرياء بمن فيهم الروس، إذ قامت بتجميد 146.558 يورو فقط، فيما جاءت اليونان في المركز الثاني بأرصدة مجمدة تبلغ 212.201 يورو.
وفي المجموع يخضع ألف و241 فرداً روسياً و118 كياناً لعقوبات، تشمل تجميد الأرصدة، وحظر الدخول إلى الاتحاد الأوروبي بسبب دورهم في الصراع في أوكرانيا.
وأكدت بروكسل، أن تجميد أصول الأفراد والكيانات الخاضعة للعقوبات أمر إلزامي، وكذلك توفير البيانات المتعلقة بها، مشيرةً في بيان الشهر الماضي إلى أنه "مع ذلك، تظل المعلومات المقدمة وتواتر التحديثات متفاوتة بين الدول الأعضاء"، معتبرةً أن "هذا يقوض جهودنا المشتركة".
عراقيل أمام تجميد الأصول
الاتحاد الأوروبي أكد في أكثر من مناسبة أنه يدرس مقترحات بشأن سبل استخدام الأصول الروسية المجمدة للمساعدة في دفع تكاليف إعادة إعمار أوكرانيا، إلا أن الولايات المتحدة استبعدت هذه الخطوة.
وقالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين خلال مايو الماضي إنه سيكون من غير القانوني مصادرة أصول مجمدة للبنك المركزي الروسي للمساعدة في إعادة بناء أوكرانيا، موضحةً أن هذا "ليس شيئاً مسموحاً به في القانون الأميركي".
وأشارت يلين إلى أنه "لا توجد آلية قانونية أميركية لمصادرة الأصول الروسية".
وفي نوفمبر الماضي، ذكرت مجلة "بوليتيكو" الأميركية أنه "في ما يتعلق بأصول تنتمي إلى أشخاص أو كيانات روسية خاضعة للعقوبات، فإن بروكسل تبحث مقترحات لتجريم التهرب من العقوبات في قوانين الاتحاد الأوروبي، كخطوة من شأنها تسهيل مصادرة هذه الأصول، ولكن فقط في حالة الإدانة الجنائية".
وأضافت المجلة أنه "حتى في هذه الحالة، سيتعين على الاتحاد الأوروبي مناقشة جميع القضايا في المحكمة، ما سيجعله على الأرجح مضطراً إلى التقاضي لسنوات"، مرجعةً السبب في ذلك إلى أن الكثير من هذه الأصول ستُعتبر استثمارات أجنبية تتمتع بالحماية من المصادرة، والحق في المعاملة العادلة والمنصفة" بموجب المعاهدات الدولية التي أبرمتها روسيا مع الكثير من دول الاتحاد الأوروبي.
كما ستحتاج سلطة المصادرة أيضاً إلى تقديم ربط واضح بين مالك الثروة والصراع في أوكرانيا.
ونقلت "بوليتيكو" عن أستاذ القانون الدولي والاقتصادي والحوكمة في "جامعة أمستردام" ستيفان شيل، قوله إنه "لضمان التناسب، ستحتاج إلى النظر في من هم المالكين، وماذا فعلوا، وما إلى ذلك".
احتياطيات "المركزي الروسي"
في ما يتعلق بالاحتياطيات الأجنبية المجمدة للبنك المركزي الروسي، وهي أكبر وعاء نقدي، أشارت وثيقة اطلعت عليها "بوليتيكو"، إلى أن "هذه الاحتياطيات تعد مشمولة بالحصانة".
ونقلت المجلة عن أستاذ القانون الدولي والاقتصادي والحوكمة في "جامعة أمستردام" ستيفان شيل قوله "من منظور القانون الدولي، من الواضح تماماً أنه من دون موافقة روسيا، لا يمكنك استخدام أصول البنك المركزي الروسي".
وبشأن أصول الشركات المملوكة للدولة الروسية، أشارت الوثيقة إلى أن هذه الأصول لن تكون "من حيث المبدأ" مشمولة بهذه الاتفاقية، لكن الاستيلاء عليها قد يثير مشاكل مرتبطة بمصادرة الأصول الخاصة، "بجانب الحاجة إلى إظهار اتصال كاف بالدولة الروسية".
ويبحث الاتحاد الأوروبي أيضاً فرض "ضريبة خروج" على الأصول أو عائدات أصول الأفراد الخاضعين للعقوبات الذين يرغبون في نقل ممتلكاتهم خارج الاتحاد الأوروبي، إلا أن هذا الإجراء قد يواجه مشاكل قانونية لأنه يستهدف مجموعة محددة من الأفراد، ما يتعارض مع أحكام عدم التمييز في القانون الدولي. كما يمكن لهؤلاء الأفراد بدورهم التذرع بحق الإنسان في الملكية كدفاع قانوني.
وعلى حد قول شيل فإنه "لا توجد سابقة حديثة يمكن القياس عليها لأي من هذه الخيارات"، مشيراً إلى أن "الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء يحاولون إدخال قانون جنائي جديد".
ما هو تجميد الأصول؟
يُعد تجميد الأصول عقوبةً تطاول أشخاصاً أو كيانات، وتستهدف حظر التعامل على الحسابات البنكية والأصول المالية لشخص أو لكيان ضمن القائمة المدرج عليه، لاتهامات مختلفة تبدأ من دعم الإرهاب أو التورط في انتهاكات حقوق الإنسان أو تقويض الديمقراطية والنظام القانوني وغيرها من القرارات.
ويمكن تطبيق تلك العقوبات من خلال كيانات مثل الاتحاد الأوروبي، أو تُطبقها دول بعينها ضد حسابات وممتلكات أشخاص داخل تلك الدول.
وتهدف عقوبات تجميد الأصول بشكل رئيسي إلى منع الشخص من التصرف بحساباته وممتلكاته سواء بالبيع أو الرهن أو تقاضي العائدات، وتستلزم الحصول على إذن قضائي من سلطات الدولة المعنية حتى يتمكن الشخص من التصرف في أي من أصوله الواقعة ضمن نطاق قرار التجميد.
ولأنها تخضع للتجميد لا المصادرة، فإن هذه الأصول والممتلكات تعود إلى أصحابها بمجرد رفع العقوبات من قبل الدولة التي فرضتها في المقام الأول، وهنا إيران مثالاً والتي سبق أن حصلت على مليارات الدولارات من أموالها المجمدة، بعد توقيع خطة العمل المشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني (الاتفاق النووي) لعام 2015.
وفي المقابل، فإن فكرة مصادرة تلك الأصول تعد أمراً صعباً يتطلب سنوات طويلة لتحقيقه، فتلك الحالات تتطلب من سلطات إنفاذ القانون الحصول على إذن قضائي للمصادرة، بعد إثبات أنها استخدمت في ارتكاب جريمة أو تمثل ركناً من أركان نشاط غير قانوني.
شاهد أيضاً: