على مسافة تبعد ما يقرب نصف العالم من خط المواجهة في الحرب الروسية في أوكرانيا، تتكدس مخزونات ربما تزيد عن مليون قذيفة مدفعية في شبه الجزيرة الكورية، وهو "كنز" جدير بلفت الانتباه مع توجه رئيس كوريا الجنوبية إلى الولايات المتحدة، وفقاً لـ"بلومبرغ".
وكان رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول، أبدى الأسبوع الماضي استعداد حكومته لتغيير سياساتها بشأن تزويد أوكرانيا بمساعدات عسكرية فتاكة في ظل ظروف معينة، للمرة الأولى بعد أكثر من عام من استبعاد إمكانية ذلك.
وأشارت "بلومبرغ" في تقرير، الاثنين، إلى أن هذا التحوّل في موقف سول سيكون "محل ترحيب" من قبل الرئيس الأميركي جو بايدن الذي يسعى للحصول على مساعدة شركاء للتخفيف من حدة النقص الدائم في الذخيرة الأوكرانية.
ونقلت الوكالة عن سو كيم، المحلل الكوري السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، الذي يعمل حاليا في شركة LMI للاستشارات الإدارية بالولايات المتحدة، قوله إن "أحد العوامل التي تؤثر على يون هو ما إذا كان قرار سول بالتقارب مع كييف في الصراع سيُقابله زيادة التعاون العسكري مع كوريا الشمالية من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين".
وأضاف كيم أن "السؤال هو ما إذا كان يون يأخذ تهديد بوتين على محمل الجد، وما إذا كان يعتقد أن الانتقام الروسي سيكون بالقدر الذي أعرب عنه بوتين".
تحذير روسي
وسبق للكرملين أن حذر من أنه "في حال زودت كوريا الجنوبية أوكرانيا بالسلاح، فإن ذلك سيجعلها شريكاً في الصراع"، فيما أفادت وكالة "تاس" الروسية للأنباء بأن الرئيس الروسي السابق ونائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف، أشار إلى أن موسكو يمكن أن ترد ببيع أسلحة متطورة إلى كوريا الشمالية.
وسعى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي منذ فترة طويلة للحصول على أسلحة من كوريا الجنوبية، حتى أنه توجه بمناشدة شخصية للحصول على هذه المساعدة في خطابه أمام برلمان كوريا الجنوبية في أبريل من العام الماضي.
وتمتلك الكوريتان اثنتين من أكبر قوات المدفعية في العالم، وتتجه فوهات الآلاف من هذه المدافع الضخمة صوب بعضها البعض عبر المنطقة منزوعة السلاح التي تفصل بينهما، بحسب "بلومبرغ".
وخزنت الكوريتان مئات الآلاف من القذائف، التي تشمل مدفعية كوريا الشمالية التي تعود إلى الحقبة السوفيتية، والقذائف الكورية الجنوبية عيار 155 ملم، الذي تستخدمه دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) والتي تزود أوكرانيا بالسلاح.
وامتنع مسؤولون في وزارة الدفاع الكورية الجنوبية عن التعليق على عدد الذخائر الموجودة في المخازن "لأسباب أمنية"، كما أن كوريا الشمالية لا تعلن عن هذا النوع من المعلومات للعالم الخارجي.
"مليون قذيفة"
وقال جوست أوليمانز، خبير الأسلحة الذي شارك في تأليف كتاب "The Armed Forces of North Korea"، لـ"بلومبرغ": "يمكنك أن تراهن على أن مخزون كل من كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية يتجاوز بسهولة مليون قذيفة من أنواع مختلفة"، لافتاً إلى أن "كليهما يُشغل عدة آلاف من قطع المدفعية التي ستتطلب مئات الآلاف من القذائف".
وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" أفادت بأن وثائق استخباراتية مسربة نُشرت على مواقع تواصل اجتماعي الشهر الماضي، أظهرت أن سول كانت تبحث أيضاً "بيع 330 ألف قذيفة مدفعية من عيار 155 ملم إلى بولندا".
وقالت الصحيفة الأميركية إن الوثائق أظهرت نقاشاً داخل حكومة يون بين الانصياع لضغوط واشنطن للمساعدة في إمداد أوكرانيا بالسلاح من جانب، والسياسة الرسمية للبلاد القائمة على عدم إمداد الدول المحاربة بالسلاح من جانب آخر.
وعلى نحو مماثل، ذكرت صحيفة "دونجا إلبو" الكورية الجنوبية في وقت سابق هذا الشهر أن إدارة يون يمكن أن تبيع نحو 500 ألف قذيفة عيار 155 ملم إلى الولايات المتحدة، التي يمكن استخدامها لتزويد أوكرانيا بشكل غير مباشر.
من جانبها، قللت حكومة يون من أهمية هذه التقارير مشيرة إلى أن الوثائق "لم تكشف معلومات حساسة، وتحتوي على أجزاء ملفقة".
سيناريو محتمل
ورجح أوليمانز أن فكرة شراء الولايات المتحدة هذه القذائف مباشرة، وإقراضها أو شرائها عبر بولندا "ربما هي الطريقة الأكثر مباشرة التي يمكن أن تؤثر من خلالها كوريا الجنوبية على هجوم الربيع الأوكراني الذي طال انتظاره وعلى الحرب على المدى القريب، ما لم يكن هناك استعداد مفاجئ لتسليم أسلحة من قبيل الدفاعات الجوية المتقدمة".
وفي غضون ذلك، يبدو أن مخزون كوريا الشمالية الضخم من المدفعية جذب انتباه روسيا، إذ اتهمت الولايات المتحدة نظام كيم جونج أون بتقديم سلاح وذخيرة لمساعدة بوتين في حربه، بما في ذلك إرسال قذائف وصواريخ.
وبينما قالت إدارة بايدن إن هذه الأسلحة "لن تفيد كثيراً في تغيير الوضع في ساحة المعركة"، إلا أن المبيعات "ستفتح تياراً جديداً تتدفق منه العائدات على دولة معزولة عن معظم التجارة العالمية"، وفقا لـ"بلومبرغ".
وقد تتضمن قائمة رغبات بوتين لبعض الأسلحة الكورية الشمالية "قذائف مدفعة عيار 122 ملم و152 ملم، إلى جانب صواريخ 122 ملم".
في المقابل، نددت حكومة بيونج يانج بهذه الاتهامات ووصفتها بأنها "شائعات لا أساس لها".
تزايد مبيعات الأسلحة
وفي حين أن سول قد لا ترسل أسلحة إلى أوكرانيا بشكل رسمي، إلا أن الحرب الروسية "فتحت باباً أمام صادرات كوريا الجنوبية الدفاعية، التي تتجه إلى تسجيل زيادة بأكثر من الضعف في عام 2022"، إذ تتضمن قائمة المشترين دولاً في أوروبا تسعى لاستبدال أسلحة الحقبة السوفيتية بأسلحة عالية التكنولوجيا، وفقاً لـ"بلومبرغ".
ففي ديسمبر الماضي تلقت بولندا 10 دبابات من طراز K2، و24 مدفع هاوتزر K9 ذاتي الدفع، وهو الجزء الأول من اتفاقية تصل قيمتها إلى نحو 6 مليارات دولار، أبرمت في أغسطس الماضي مع شركتي "Hyundai Rotem" للمنتجات الدفاعية، و"Hanwha Defense Systems" لأنظمة الدفاع.
وبحسب "بلومبرغ"، يبدو أن واشنطن تعطي الضوء الأخضر لكوريا الجنوبية لبيع أسلحتها في دول بمناطق مثل أوروبا الشرقية، في وقت تتسابق فيه شركات صناعات الدفاع الأميركية لتلبية طلبات الأسلحة المتجهة إلى كييف، وتايبيه التي تواجه تهديدات صينية متفاقمة.
وغادر رئيس كوريا الجنوبية، الاثنين، في زيارة رسمية إلى واشنطن، حيث من المقرر أن يلتقي نظيره الأميركي جو بايدن، الأربعاء، ويتصدر أجندتها التعاون الأمني والاقتصادي. ومن المتوقع أن يناقش الزعيمان المساعدات المحتملة إلى أوكرانيا.
اقرأ أيضاً: