"كاتم أسرار أردوغان".. رئيس المخابرات يتولى وزارة الخارجية التركية

time reading iconدقائق القراءة - 12
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في أنقرة. 3 يونيو 2023 - REUTERS
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في أنقرة. 3 يونيو 2023 - REUTERS
دبي-الشرق

عيَّن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، السبت، رئيس وكالة الاستخبارات التركية هاكان فيدان المعروف بـ"كاتم أسرار أردوغان" وزيراً للخارجية، وذلك ضمن التشكيلة الحكومية الجديدة التي تأتي مع بدء الزعيم التركي ولايته الثالثة رئيساً للبلاد.

فيدان، المتزوج والأب لثلاثة أبناء، من مواليد العاصمة أنقرة سنة 1968، وتخرج في المدرسة الحربية بمدرسة اللغات في القوات البرية، وأكمل تعليمه الأكاديمي أثناء خدمته في الجيش التركي، وفقاً لما ذكرته وكالة "الأناضول" الرسمية.

وخلال مهمته في حلف شمال الأطلسي (الناتو) خارج تركيا، حصل فيدان على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية والإدارية من جامعة ماريلاند، كما حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه منقسم العلاقات الدولية بجامعة بيلكنت في أنقرة.

توجه فيدان إلى الحياة الأكاديمية بعد خدمته في الجيش التركي، وألقى محاضرات في مجال العلاقات الدولية بجامعتي "حاجت تبه" و"بيلكنت" في أنقرة أيضاً.

وشغل فيدان عدداً من المناصب الحكومية في مجالات السياسة الخارجية والأمن على مختلف المستويات الحكومية.

من تلك المناصب، نائب وكيل الوزارة المسؤول عن السياسة الخارجية وقضايا الأمن في رئاسة الوزراء، وعضو مجلس إدارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وممثل خاص لرئيس الوزراء، ونائب لرئيس جهاز الاستخبارات، وممثلاً خاص لرئيس الجمهورية.

في خدمة أردوغان

بدأت علاقة هاكان بأردوغان في وقت مبكر، ويقال إنه تم تقديمه للزعيم التركي مطلع الألفية الجديدة بواسطة بشير أتالاي، وزير الدولة في حكومة حزب العدالة والتنمية الأولى، والذي شغل أيضاً منصب وزير الداخلية ونائب رئيس الوزراء.

وعندما تمَّ تعيينه رئيساً للوكالة التركية للتنسيق والتعاون (TİKA) في عام 2003، أكسبه أداؤه على رأس الوكالة مكانة خاصة في نظر أردوغان، وذلك بحسب ما ذكرته صحيفة "أحوال" التركية.

 خلال تلك الفترة، تم توظيف الوكالة للتأثير على السياسة من خلال التواصل مع أحزاب الأقليات التركية في البلقان، وإنشاء مجموعات ضغط مؤيدة لأردوغان في القوقاز وآسيا الوسطى وإفريقيا.

ووفقاً للصحيفة، عرَّف فيدان الوكالة بأنها فرع من "القوة الناعمة" لتركيا، وأدارها كنوع من مؤسسات الاستخبارات.

كاتم الأسرار

في 2010 وعندما كان رئيساً للوزراء، عيَّن أردوغان فيدان في منصب رئيس وكالة الاستخبارات الوطنية، وهو المنصب الذي ظلَّ يشغله منذ ذلك الحين، وحتى تعيينه وزيراً للخارجية، ما جعله واحداً من أكثر المسؤولين قرباً من الرئيس التركي.

بعد تسلمه للمنصب، لعب فيدان دوراً مهماً في محادثات السلام مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني الذي يشن حركة تمرد منذ 3 عقود من أجل المزيد من الحكم الذاتي للأكراد في جنوب شرق تركيا، وفقاً لوكالة "رويترز".

وفي عام 2012، كان فيدان موضوع تحقيق، تم إلغاؤه لاحقاً، بشأن محادثات سلام سرية أجرتها الاستخبارات مع حزب العمال الكردستاني في العاصمة النرويجية أوسلو.

وفي فبراير 2014، اضطلع هاكان بدور مهم في وقف عمليات التنصت على الاتصالات السرية للدولة أثناء فضيحة فساد، يعتقد كثيرون أنَّ الدائرة المقربة من أردوغان متورطة فيها، ليكتسب بذلك المزيد من ثقة الزعيم التركي.

استقالة واحتجاج

في فبراير 2015، ترددت أنباء عن استقالة هاكان فيدان كي يتسنى له خوض الانتخابات البرلمانية المقررة في يونيو من ذلك العام.

وبحسب ما ذكرته "رويترز"، كانت الخطة حينها أن يدخل هاكان إلى البرلمان ومن ثم يعين في الحكومة، على الأرجح وزيراً للخارجية.

وذكر موقع "تركي أنالايست" أنَّ استقالة فيدان في ذلك الوقت كانت مدفوعة بصراع السلطة بين أردوغان ورئيس الوزراء حينها أحمد داود أوغلو.

 ووفقاً للموقع، سريعاً ما واجه فيدان معارضة من الرئيس التركي الذي وبَّخه علناً لتركه الاستخبارات بعد أن خدم لسنوات بوصفه الذراع اليمنى لأردوغان وكاتم أسراره.

في الواقع، لم يكن هناك حينها مرشح مناسب يمكن أن يحل محل فيدان، لا سيما أنَّ استقالته جاءت في وقت يعتمد فيه أردوغان كثيراً على خدمات الاستخبارات التي باتت أبرز مؤسسة حكومية خاضعة لسيطرة حكومة حزب العدالة والتنمية.

وبحسب الموقع، اعتمد أردوغان على الجهاز في مساعيه لتفكيك ما كان يصفه بـ"الهيكل الموازي"، وذلك في إشارة إلى الأتباع المزعومين لفتح الله جولن في أجهزة الدولة الأخرى.

وأشار الموقع إلى أنه كانت هناك أيضاً أسباب "سياسية بحتة" جعلت أردوغان يعارض دخول هاكان إلى البرلمان ومن ثم الحكومة، لافتاً إلى أنه لو أصبح هاكان وزيراً للخارجية حينها، لأسهم ذلك في تعزيز موقف رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، وبالتالي قلب ميزان القوى بين أردوغان وداود أوغلو لمصلحة الأخير.

وأمام غضب الرئيس، أعلن هاكان في 9 مارس 2015 سحب تقديم ترشحه للانتخابات البرلمانية، ليتم على الفور إعادة تعيينه رئيساً للاستخبارات.

الانقلاب والفشل الاستخباراتي

كان فيدان أيضاً الشخصية المحورية في صراع القوى بين أردوغان وفتح الله جولن الحليف السابق للرئيس التركي والذي يقيم في الولايات المتحدة، ويحظى بشبكة أنصار ذات نفوذ في دوائر السياسة والقضاء التركي.

وخلال محاولة الانقلاب العسكري في يوليو 2016 التي اتهم أردوغان جولن وأنصاره بالوقوف وراءها، تحدَّث الرئيس التركي عن اختلالات في أجهزة الاستخبارات، مشيراً إلى أنه حاول التواصل ليلة محاولة الانقلاب مع رئيس الاستخبارات لكنه لم يستطع، وفقاً لما ذكرته "رويترز".

وقال أردوغان حينها: "من الواضح جداً أنَّ هناك ثغرات ونواقص كبيرة في استخباراتنا، ولا جدوى من محاولة إخفائها أو نفيها"، مشيراً إلى أنه أبلغ هاكان بهذه الثغرات.

وذكرت صحيفة "حريت" التركية أنَّ هاكان تعرض لانتقادات بسبب عدم إبلاغ مسؤولين رفيعي المستوى بمحاولة الانقلاب الفاشلة.

وقال رئيس الوزراء حينها بن علي يلدريم إنه وأردوغان علما بمحاولة الانقلاب من مصادر مختلفة ليس من بينها رئيس الاستخبارات.

وبحسب "رويترز"، تعرض مقر الاستخبارات لهجوم بطائرات هليكوبتر عسكرية ونيران مدافع رشاشة ثقيلة خلال محاولة الانقلاب.

ونقلت الوكالة عن مصادر في الاستخبارات أنَّ هاكان فيدان كان في مكان آمن طوال الأحداث وكان على اتصال دائم بالرئيس رجب طيب أردوغان.

تجديد الثقة

لكن هذه الاختلالات التي شهدها الجهاز لم تمنع أردوغان من الإبقاء على هاكان فيدان الذي احتفظ بثقة الرئيس.

وبحسب صحيفة "أحوال"، استخدم أردوغان سلطات الطوارئ التي تمتع بها بعد محاولة الانقلاب لإصدار مرسوم يربط الاستخبارات بالرئاسة، وتم تشكيل مجلس تنسيق المخابرات الوطنية. ولأول مرة في التاريخ، مُنحت الاستخبارات سلطة جمع المعلومات الاستخباراتية في الجيش التركي.

وأسهمت هذه القرارات في تعزيز سلطة هاكان وترسيخ دور جهاز الاستخبارت في مشروع "تفكيك الهياكل الموازية" المزعومة لحركة جولن.

وأدَّت القوائم التي جمعتها الاستخبارات إلى فصل ما يقرب من 150 ألف موظف حكومي، وتوجيه اتهامات لنحو 500 ألف شخص في قضايا تتعلق بالحركة.

وخلال الفترة الأخيرة، تحدثت تقارير إعلامية عن لقاءات جمعت هاكان بنظيره السوري، بوساطة روسية، وذلك في إطار مساعي تطبيع العلاقات بين البلدين.

وعقب الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا في فبراير الماضي، ذكر موقع "انتليجنس أونلاين" أنَّ هاكان قاد جهود الإغاثة لاحتواء السخط الشعبي، وإنقاذ الحياة السياسية للرئيس التركي. 

"صديق إيران" 

هاكان الذي تزامن صعوده وتسلمه للاستخبارات مع بدء انخراط تركيا في أزمات الشرق الأوسط بعد عقود من التوجه غرباً.

وعقب تعيين فيدان رئيساً للاستخبارات، اتهمه وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك إيهود باراك بأنه “صديق إيران” في إشارة إلى تغير في مصالح أنقرة الإقليمية، بحسب ما نقلته "رويترز".

وذكرت تقارير غربية في 2013، أنَّ الاستخبارات التركية كشفت لإيران عن هويات ما يصل إلى 10 إيرانيين تجسسوا لمصلحة إسرائيل، في حادثة مثلت سابقة تاريخية بعد عقود من التعاون الأمني بين أنقرة وتل أبيب، وفقاً لما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.

وعندما توتَّرت علاقات أنقرة مع حلفائها في الناتو عام 2017 إثر شرائها منظومة "إس-400" الروسية، أشارت جهات غربية إلى فيدان بوصفه واحداً من الأسماء التي تقف خلف هذا "الشرخ غير المسبوق" في علاقة تركيا بالحلف، وذلك بحسب صحيفة "أحوال". 

تحديات سياسية

لكن الآن تنتظر فيدان في حقيبة الخارجية تحديات من نوع مختلف مع سعي أنقرة إلى إعادة توجيه علاقاتها الخارجية مع عدد من دول المنطقة.

وخلال الفترة الأخيرة، تحدثت تقارير إعلامية عن لقاءات جمعت هاكان بنظيره السوري، بوساطة روسية، في إطار مساعي تطبيع العلاقات بين البلدين.

كما يمثل الغزو الروسي لأوكرانيا تحدياً آخر في ظل مساعي أنقرة للإبقاء على علاقاتها مع روسيا ولعب دور الوسيط بين كييف وموسكو.

وهنأ وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا فيدان بالمنصب الجديد، وقال: "نتطلع إلى العمل معاً ومواصلة تطوير الشراكة الاستراتيجية بين بلدينا الصديقين". 

وتبرز العلاقات بين أنقرة وحلفائها الغربيين بوصفها تحدياً آخر في ظل استمرار أنقرة في عرقلة انضمام السويد إلى حلف الناتو.

وهنأت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا فيدان عبر تويتر، وقالت: "تهانينا سيد هاكان فيدان، نراكم قريباً لمواصلة التعاون بين فرنسا وتركيا، لا سيما في مجالات السلام والاستقرار الإقليمي، والحوار داخل الناتو".

وأعلن أردوغان، السبت، تشكيل الحكومة الجديدة، بعدما أدَّى اليمين الدستورية رئيساً لتركيا لولاية ثالثة.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات