انطوائية لويد أوستن تضعه في مأزق.. كيف أخفى دخوله المستشفى عن واشنطن؟

time reading iconدقائق القراءة - 8
وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن خلال حديثه أمام لجنة تابعة للكونجرس. واشنطن، الولايات المتحدة. 15 يوليو 2021. - Reuters
وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن خلال حديثه أمام لجنة تابعة للكونجرس. واشنطن، الولايات المتحدة. 15 يوليو 2021. - Reuters
دبي-الشرق

قالت مجلة "بوليتيكو" إن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، يعد أحد أكثر قادة البنتاجون عزلة في الذاكرة الحديثة، وهو الأمر الذي تسبب في إخفاء دخوله المستشفى لعدة أيام.

وأوضحت المجلة الأميركية أن عدم إبلاغ أوستن كبار مستشاريه وقادة الكونجرس أو حتى الرئيس الأميركي جو بايدن بدخوله المستشفى، الأسبوع الماضي، بسبب مضاعفات إجراء طبي خضع له، أدى إلى إثارة حالة من الجدل تركت كبار المسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الدفاع غاضبين ومرتبكين، وسرعان ما دعا بعض الجمهوريين إلى إجراء تحقيق في الأمر أو معاقبته أو حتى إقالته من منصبه. 

ونقلت المجلة عن مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأميركية، لم تكشف عن هويته، قوله إنه لم يتم إبلاغ رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال تشارلز براون بوضع أوستن الصحي سوى يوم الثلاثاء الماضي، أي اليوم التالي لدخوله المستشفى، وحتى نائبة وزير الدفاع كاثلين هيكس، التي تولت بعض مهامه أثناء وجوده في المستشفى، لم تعرف مكان تواجده حتى يوم الخميس الماضي، حسبما قال مسؤول كبير آخر في الوزارة. 

وقال أحد كبار المسؤولين الأميركيين: "أشعر أن رغبة أوستن في التمتع بالخصوصية فيما يتعلق بالإجراء الطبي الذي خضع له جاءت بنتائج عكسية، إذ لم تسر الأمور كما هو مخطط لها، ولكنه رجل مخلص للغاية وملتزم بأداء واجباته، إلا أن الأمر كله غريب للغاية". 

ونقلت المجلة عن مسؤولين أميركيين سابقين وحاليين، عملوا مع أوستن، قولهم إنه معروف بأنه شخص انطوائي، ويتجنب الكاميرات، ويحتفظ فقط بعدد قليل من الأصدقاء المقربين على مدى مسيرته العسكرية التي استمرت لعقود.

ولفتت المجلة إلى أنه نادراً ما كان أوستن يعقد مؤتمرات صحافية أثناء الفترة التي كان يشرف فيها على القيادة المركزية الأميركية أثناء الانسحاب من العراق، كما أنه بعدما بات وزيراً للدفاع، فإنه عادةً ما لا يأخذ معه سوى عدد قليل من وسائل الإعلام في الرحلات الرسمية، وذلك على النقيض من أسلافه، كما لم يعقد مؤتمراً صحفياً في البنتاجون منذ يوليو الماضي، ولكنه يطلع الصحافة على كل ما هو جديد بشكل منتظم خلال رحلاته. 

ويستند هذا التقرير إلى محادثات أجريت مع 8 مسؤولين أميركيين حاليين ومسؤول كبير سابق في وزارة الدفاع، والذين تحدث معظمهم بشرط عدم الكشف عن هويتهم. 

الكونجرس أُبلغ قبل 15 دقيقة من الإعلان

ودخل أوستن مركز "والتر ريد الطبي العسكري الوطني"، مساء الأول من يناير الجاري، بسبب مضاعفات ناتجة عن إجراء طبي اختياري خضع له مؤخراً، ولكنه رفض تقديم تفاصيل.  

ولمدة ثلاثة أيام، لم يتم إبلاغ أي مؤسسة في الولايات المتحدة بما في ذلك البيت الأبيض بدخول أوستن المستشفى، فيما أخطر مسؤولو وزارة الدفاع كبار القادة المدنيين والعسكريين في البنتاجون قبل ساعتين فقط من الكشف العلني عن وضعه الصحي مساء الجمعة، كما تم إبلاغ الكونجرس قبل 15 دقيقة فقط من صدور الإعلان. 

وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية إن المرة الأولى التي تحدث فيها أوستن وبايدن منذ دخول الوزير المستشفى يوم الاثنين، كانت مساء السبت الماضي، وذلك على الرغم من تصاعد التوترات في الشرق الأوسط واشتداد حدة الحرب في أوكرانيا، وجاءت المحادثة بعد انتشار تقارير تفيد بأن وزير الدفاع انتظر ثلاثة أيام لإبلاغ البيت الأبيض بأنه في إجازة. 

وقال مسؤول الإدارة إن بايدن تمنى لأوستن سرعة التعافي، وأعرب عن تطلعه إلى رؤيته يعود إلى العمل قريباً.  

وأكد المتحدث باسم البنتاجون، الجنرال باتريك رايدر، أن أوستن استأنف مهامه بشكل كامل يوم الجمعة، وعلى الرغم من تعرضه للانتقادات من قبل مسؤولي الإدارة والجمهوريين ووسائل الإعلام، فإنه لا يفكر في الاستقالة من منصبه. 

وأشار إلى أن أوستن لا يزال في المستشفى، ولكنه يتعافى بشكل جيد، وفي حالة نفسية جيدة.

وأضاف أنه منذ استأنف أوستن نشاطاته الجمعة، تلقى الوزير إحاطات عملياتية، كما وجه التوجيه اللازم لفريقه، وشدد على أنه لديه وصول كامل لقدرات الاتصالات المؤمنة، وأنه يواصل مراقبة عمليات وزارة الدفاع في جميع أنحاء العالم.

ورأت "بوليتيكو" أن منصب أوستن يبدو آمناً، على الأقل في الوقت الحالي، ولكن الضغوط تتزايد داخل الإدارة، وفي الكابيتول هيل حتى تتم إقالته. 

ومن جانبه، انتقد السيناتور روجر ويكر، وهو جمهوري بارز في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، قرار إبقاء خبر دخول أوستن المستشفى سراً، واصفاً إياه بأنه "تحد صادم للقانون"، فيما قال نائب الرئيس السابق مايك بنس لشبكة CNN إن تصرفات وزير الدفاع تمثل "تقصيراً في أداء الواجب". 

وحتى الآن يقوم الديمقراطيون إما بالدفاع عن الوزير، أو أنهم يمتنعون عن التعليق، وقال النائب الديمقراطي جيم كلايبرن: "لا أعتقد أن هذا تقصير في أداء الواجب، فهو وزير دفاع عظيم، وكان رجلاً عسكرياً عظيماً لهذا البلد". 

ويتمتع كبار المسؤولين في البيت الأبيض بعلاقة عمل وثيقة مع أوستن، فبعدما أمر بايدن بالانسحاب من أفغانستان، وهو ما عارضه المسؤولون العسكريون، أخبرهم أوستن بعدم الشكوى علناً وتنفيذ الأمر، ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، ينسب العديد من كبار مساعدي الإدارة إلى أوستن الفضل في إقناع الدول الغربية بإرسال أسلحة متقدمة إلى كييف. 

"يعمل وفقاً لشفرة"

ويفضل البيت الأبيض، وخاصةً بايدن، أن يحتفظ أوستن بآرائه للتعبير عنها في الاجتماعات الخاصة وألا يخوض معارك مع وسائل الإعلام مثل بعض وزراء الدفاع السابقين.  

وقال مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأميركية إن ولاء أوستن وطبيعته الصريحة يضمنان أنه عندما يلتزم بالحفاظ على سر ما، فإنه سيفعل ذلك إلى حد كبير، ولكن الأمر يمكن أن يتسبب في مشاكل أيضاً؛ لأن الوزير قد لا يتوفر على المعلومات اللازمة التي يحتاجها لتقديم أفضل نصيحة للرئيس. 

وأضاف المسؤول الكبير في وزارة الدفاع: "يبدو وكأنه يعمل وفقاً لشفرة، إذ إنه يسمح بدخول عدد قليل جداً من الأشخاص إلى عالمه، وهذا يمكن أن يكون شيئاً جيداً أو سيئاً". 

وتقول باربرا ستار، وهي مراسلة سابقة في البنتاجون لـ"سي إن إن"، وزميلة بارزة حالياً في جامعة هارفارد، إن سعي أوستن إلى الابتعاد عن الأضواء يتماشى مع هدف إدارة بايدن لتحويل التركيز بعيداً عن البنتاجون ونحو وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي.

وأضافت: "لا نعرف كيف تطورت حالته الصحية وكيف؟ ولماذا اتخذوا هذا القرار خلال فترة الثلاثة أيام تلك، ولكن خلاصة القول هي أنه بغض النظر عن ذلك، فإن ما فعله أوستن هو ما لا يريد أي وزير في الإدارة الأميركية أن يفعله، ولذا فقد تسبب ذلك في مشكلة سياسية للرئيس". 

ولطالما حاول أوستن البقاء بعيداً عن دائرة الضوء، وفي عام 2014، طالب بعدم تصوير الصحافة لجلسات التحدث أمام الجمهور في مركز أبحاث المجلس الأطلسي. 

وأشار أحد المسؤولين الأميركيين أيضاً إلى أن الخلاف المتوتر مع السيناتور الراحل جون ماكين في عام 2015، عزز رفض أوستن للظهور في عناوين الأخبار، إذ انتقده ماكين خلال جلسة لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ حينها لدفاعه عن خطة إدارة أوباما لهزيمة تنظيم "داعش" في وقت كان التنظيم يوسع نطاق انتشاره، قائلاً بسخرية: "ما تقوله لنا أيها الجنرال هو أن كل شيء على ما يرام ولكني لم أسمع قط شهادة منفصلة عن الواقع إلى هذا الحد". 

ويقول آخرون إن أوستن نادراً ما يخرج عن النص، إذ يوضح أحد كبار المسؤولين السابقين في البنتاجون، والذي عمل بشكل وثيق مع وزير الدفاع في العديد من الوظائف: "هو لا يقول أي شيء في أي اجتماع، بل يحتفظ بمشورته الخاصة ولذا فإنك لن تعرف أبداً ما يفكر فيه".

تصنيفات

قصص قد تهمك