تشهد عدة مدن بولاية جنوب كردفان السودانية، أوضاعاً إنسانية بالغة التعقيد، في ظل وجود آلاف المواطنين الذين يعانون من نقص حاد في المواد الغذائية، بما ينذر بمجاعة، نتيجة حصار تفرضه قوات الدعم السريع على المنطقة حسبما أفاد سكان محليون لـ"الشرق".
وقالت نفيسة عبد الرحمن جبر الدار لـ"الشرق"، وهي من سكان مدينة الدلنج جنوبي كردفان، إن المدينة محاصرة من 3 اتجاهات من قبل قوات الدعم السريع، التي تمنع عنها دخول المواد الغذائية من ولايتي شمال وغرب كردفان المجاورتين، كما كشفت في الوقت ذاته عن صعوبة الحياة والحركة داخل المدينة.
وأضافت: "نعاني من انقطاع الكهرباء والمياه والأدوية"، مشيرة إلى أن حركة النزوح خارج المدينة ما زالت مستمرة، بشكل كبير نحو الحدود مع جمهورية جنوب السودان.
أزمة صرف المرتبات في السودان
وأشارت خديجة عثمان دلمان، من مدينة الدلنج، أيضاً في حديث لـ"الشرق"، إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية التي تدخل مهربة من جمهورية جنوب السودان، وهو ما حرم الأسر من تلبية احتياجاتها من الغذاء، والاكتفاء بوجبة واحدة خاصة بالنسلة للأسر التي تتكون من عدد كبير من الأبناء.
وأوضحت إلى أن الدولة، ومنذ اندلاع الحرب بين القوات المسلحة، والدعم السريع، لم تصرف المرتبات الشهرية لموظفي الخدمة المدنية لعدة أشهر، ما ضاعف معاناة المواطنين.
وكشفت طبيبة بمستشفى الدلنج التعليمي، فضلت حجب اسمها لـ"الشرق"، عن توقف العمليات الجراحية للحالات الحرجة، نتيجة النقص الحاد في المواد الطبية، مع نفاد كمية كبيرة من الأدوية المنقذة للحياة والعقاقير الطبية، وقالت إن حصار قوات الدعم السريع فاقم الأوضاع الصحية، ومنع وصول الإمداد الطبي من عدد من الولايات والمدن المجاورة.
منسقة الشؤون الإنسانية والولائية بمدينة الدلنج سيدة عبد العزيزة كندة، كشفت لـ"الشرق"، عن تسجيل نقص كبير في المحصول الرئيسي والاستراتيجي من الذرة، الذي يعتمد عليه المواطنون بشكل رئيسي، وهو ما قالت إنه ينذر بدخول المنطقة في حالة مجاعة.
وأشارت إلى أن الولاية تخطط لمنح المواطنين المخزون الاستراتيجي للبلاد، لدي البنك الزراعي، من أجل سد احتياجاتهم على المدى القصير، مع تواصل الأوضاع الصعبة.
وقال أستاذ القانون الدولي عبد العظيم الريح عمر لـ"الشرق"، إن مبادئ القانون الدولي تميز بين المدنيين وبين الأهداف العسكرية، ومن ثم فإنه يمنع حصار المدنيين، وإذا كان الهدف هو تعمد تعريضهم للجوع، فإن ذلك يعد جريمة وفق توصيف القانون الدولي.
وأضاف عمر أن التجويع المتعمد يتم عبر منع دخول الاحتياجات الأساسية اللازمة، لبقاء هؤلاء المدنيين على قيد الحياة، وكذلك تدمير الموارد المُبقية للحياة مثل الأراضي الزراعية، ومصادر المياه.
جنوب كردفان.. محور صراع
ودارت اشتباكات بولاية جنوب كردفان بين القوات المسلحة السودانية والجيش الشعبي بقيادة عبد العزيز آدم الحلو من جانب، وقوات الدعم السريع التي تحاول السيطرة على المدينة من جانب آخر.
ومنذ بداية الصراع بين الجيش، والدعم السريع في 15 أبريل الماضي، يحاول "الدعم السريع" السيطرة على مدن رئيسية بالولاية، منها الدلنج التي تمثل ثاني أكبر مدن الولاية التي يسيطر عليها الجيش.
والدلنج مدينة تقع في ولاية جنوب كردفان على بعد 498 كيلومتراً جنوب الخرطوم عاصمة البلاد، و على بعد حوالي 115 كيلومتراً أيضاً، تحاول قوات الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز آدم الحلو السيطرة على مدينة كادقلي، عاصمة الولاية.
و"الحركة الشعبية- شمال" بقيادة عبد العزيز آدم الحلو، هي امتداد للحركة الشعبية الأم في جمهورية جنوب السودان قبل الانفصال، وتتخذ من منطقة كادوا مقراً لقيادتها.
وكانت الحكومة السودانية و"الحركة الشعبية- شمال"، قد وقعتا في مارس 2021 بروتوكول "إعلان مبادئ" ينص على علمانية الدولة، ويمهد للتفاوض بين الطرفين، لكن الانقسام في الخرطوم بشأن طرح علمانية الدولة، حال دون التوصل الي اتفاق.
وعموماً، تقع ولاية جنوب كرفان أقصى جنوب البلاد، وتحدها من الشمال ولاية شمال كردفان، ومن جهة الشمال الشرقي ولاية النيل الأبيض، وجمهورية جنوب السودان من جهة الجنوب.
إدانة أممية لـ"انتهاكات مروعة"
أدانت مفوضيّة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، الجمعة الماضي، "الانتهاكات والتجاوزات المروّعة" التي ارتكبها الجيش السوداني وقوت الدعم السريع خلال الحرب في السودان.
وأسفرت الحرب التي اندلعت في 15 أبريل بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو، عن سقوط آلاف المدنيين، بمن فيهم ما بين 10 و15 ألف شخص في مدينة واحدة بدارفور، وفقاً لخبراء الأمم المتحدة. وفرّ حوالى 8 ملايين شخص، نصفهم من الأطفال، من منازلهم.
وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك: "منذ حوالى عام، تُسمع روايات قادمة من السودان عن الموت والمعاناة واليأس، في ظلّ استمرار الصراع العبثي وانتهاكات حقوق الإنسان من دون نهاية في الأفق"، وجاءت هذه التصريحات في أعقاب نشر تقرير للأمم المتحدة، الخميس الماضي، يوثّق الانتهاكات التي ارتكبها الطرفان المتحاربان.
وكشف التقرير أنّ الجيش وقوات الدعم السريع "نفّذوا هجمات عشوائية في مناطق ذات كثافة سكانية عالية، بما في ذلك مواقع تؤوي نازحين، خصوصاً في العاصمة الخرطوم وكذلك في كردفان (جنوب) ودارفور (غرب)" بين أبريل وديسمبر".
وفي نوفمبر الماضي، حذر حوالى 12 خبيراً في الأمم المتحدة من انتشار العنف الجنسي على نطاق واسع، بدوافع عرقية في بعض الأحيان بينما يُستخدم "كأداة حرب" في السودان، وعدّد التقرير "118 حالة عنف جنسي"، من بين ضحاياها "19 طفلاً".
وبحسب التقرير الأممي، تُظهر أدلّة موثّقة بالفيديو أنّ "العديد من الطلّاب الذين يتنقّلون برّاً في ولاية شمال كردفان ربّما قُطعت رؤوسهم على أيدي رجال يرتدون زي الجيش النظامي، بسبب دعمهم المفترض لقوات الدعم السريع، ربطاً بانتمائهم العرقي".