حققت روسيا مكاسب مؤخراً في حربها على أوكرانيا، وسيطرت على مدن في الشرق، بعد ما استفادت قواتها من دعم جوي مباشر "محفوف بالمخاطر" على الخطوط الأمامية؛ لكن هذا "التغيير في التكتيك"، ساعد كييف أيضاً على إسقاط طائرات روسية خلال الأسبوعين الماضيين، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".
وذكرت الصحيفة الأميركية، الثلاثاء، أنه خلال العامين الماضيين دارت الحرب إلى حد كبير على الأرض، حيث تخوض القوات غالباً معارك كر وفر بدعم من مدفعية ثقيلة ومُسيّرات. ولعبت القوات الجوية في البلدين دوراً ثانوياً، بسبب أسطول الجيش الأوكراني المحدود من الطائرات، وعدم قدرة روسيا على اكتساب التفوق الجوي الذي توقعته.
ولكن مع استمرار الجيش الروسي في شن هجماته في الشرق، اضطلعت قواته الجوية بدور أكبر، فيما يقول محللون عسكريون إن روسيا كثفت استخدام الطائرات الحربية قرب الخطوط الأمامية، لإسقاط قنابل موجهة قوية على مواقع أوكرانية، وإخلاء وتمهيد السبيل أمام تقدم المشاة.
ولفت خبراء إلى أن هذا التكتيك، الذي استُخدم بشكل خاص في مدينة أفدييفكا الاستراتيجية في الشرق، التي سيطرت عليها القوات الروسية الشهر الماضي، حقق نتائج جيدة؛ لكنه ينطوي أيضاً على "مخاطر".
وفي هذا السياق، قال العقيد المتقاعد في الجيش الأوكراني سيرجي هرابسكي: "إنها وسيلة مُكلّفة؛ ولكنها فعالة للغاية تستخدمها روسيا الآن في الحرب".
وأضاف هرابسكي: "الأمر يشكل خطورة بالنسبة لهم، أن يرسلوا طائراتهم المقاتلة" بالقرب من خط المواجهة، لكن ذلك يمكن أن "يؤثر على مواقع أوكرانية بشكل فعال".
خسائر جوية روسية
والأسبوع الماضي، أعلن الجيش الأوكراني أنه أسقط 7 طائرات مقاتلة من طراز Su-34، جميعها تقريباً كانت تشارك في مهام في الشرق، بعد أيام قليلة من إسقاط طائرة طراز A-50 بعيدة المدى للكشف والتحكم بالرادار.
وكان ذلك، وفقاً لمسؤولين أوكرانيين، جزءاً من سلسلة ضربات ناجحة ضد القوات الجوية الروسية، تقول أوكرانيا إنها أسقطت 15 طائرة خلال عدة أيام. وأشار رئيس الاستخبارات الأوكرانية كيريلو بودانوف، إلى أن موسكو لم يتبق لديها سوى 6 طائرات من طراز A-50.
ولم يتسن لصحيفة "نيويورك تايمز" التحقق من غالبية عمليات إسقاط تلك الطائرات بشكل مستقل.
وأكد موقع Oryx، وهو موقع تحليل عسكري يُحصي الخسائر بناء على أدلة مرئية، ومدونون عسكريون روس فقدان طائرتين مقاتلتين من طراز Su-35. وأكدت أجهزة الاستخبارات العسكرية البريطانية تدمير الطائرة طراز A-50.
من جانبه، لفت جاستن برونك، وهو باحث في شؤون القوة الجوية والتكنولوجيا في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، إلى أن "المبالغة بشأن عمليات القتل من سمات الحرب الجوية".
لكنه أضاف أن أوكرانيا "كانت تنفذ بالتأكيد عدداً متزايداً من الاشتباكات من نوع الكمائن" بمساعدة أنظمة دفاع جوي خلال الأشهر الأخيرة، وحققت "نجاحات ملحوظة".
وفي أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، تمكنت أوكرانيا من منع روسيا من السيطرة على الأجواء من خلال القتال الجوي، والاستخدام الماهر لصواريخ مضادة للطائرات. وبعد شهر واحد فقط، وتكبد خسائر فادحة في طائراتها الحربية، أوقفت روسيا استخدام طائراتها خارج الخطوط الأمامية، وتحولت بدلاً من ذلك إلى إطلاق وابل من صواريخ موجهة وصواريخ باليستية عن بعد، بحسب تقرير أصدره "المعهد الملكي للخدمات المتحدة" RUSI بلندن.
لكن التقرير أشار إلى أن هذا التكتيك ترك روسيا "غير قادرة على التوظيف الفعال لقوة النيران الجوية الثقيلة الفعالة" لقاذفاتها المقاتلة لاستهداف مواقع أوكرانية على الخطوط الأمامية.
قنابل "مدمرة"
ووفقاً لـ"نيويورك تايمز"، بدأ هذا الوضع يتغير في أوائل العام الماضي، عندما بدأت روسيا في استخدام قنابل انزلاقية، وهي ذخائر موجهة يجري إسقاطها من الجو، ويمكنها التحليق مسافات طويلة إلى الخطوط الأمامية، ما يحد من المخاطر التي تتعرض لها الطائرات من الصواريخ المضادة للطائرات. والقنابل الانزلاقية، التي تحمل مئات الكيلوجرامات من المتفجرات، يمكنها اختراق المخابئ تحت الأرض التي تحمي الجنود في الجبهة.
وفي تعليق على هذا النوع من القنابل، كتب إيجور شوجر، وهو جندي أوكراني قاتل في أفدييفكا، عبر حسابه على منصة التواصل الاجتماعي "إكس": "هذه القنابل تدمر أي موقع تماماً. جميع المباني والهياكل تتحول ببساطة إلى حفرة بعد إسقاط واحدة فقط".
وأوضح مسؤولون أوكرانيون ومحللون عسكريون، أن الطيران الروسي لعب دوراً مهماً في السيطرة على أفدييفكا، وهو الدور الذي تطلب من الطائرات الروسية "التحليق بشكل أقرب" من خط المواجهة، لتحقيق أقصى قدر من تأثير القنابل الانزلاقية، وهذا ما عرّضها لخطر الإسقاط من قبل الدفاعات الجوية الأوكرانية.
وفي أواخر ديسمبر الماضي، قال الجيش الأوكراني، إنه دمر 3 طائرات من طراز Su-34، بالقرب من الضفة الشرقية لنهر دنيبرو، التي تسيطر عليها روسيا في الجنوب، حيث قامت القوات الأوكرانية بتأمين مواقع صغيرة، ثم جاءت عمليات الإسقاط في الشرق.
وليس من الواضح ما هي أنظمة الدفاع الجوي التي نشرتها أوكرانيا؛ لكن بعض مسؤولي الجيش ومحللين ألمحوا إلى استخدام أنظمة "باتريوت" أميركية الصنع، وهو نظام الدفاع الجوي الأرضي الأكثر تقدماً في أميركا.
لكن توم كاراكو، مدير مشروع الدفاع الصاروخي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومقره واشنطن، رجح أن الخسائر الروسية ربما كانت نتيجة "وجود رابط بين الطائرات الروسية التي وضعت على مقربة من الخطر"، وجمع معلومات استخبارية أوكرانية بشأن تحركات طائرات روسية، ونشر منظومات دفاع جوي "لإسقاطها".
وقال "معهد دراسة الحرب"، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، "يبدو أن القوات الروسية قادرة على تحمل زيادة معدل خسائر الطيران في الأسابيع الأخيرة من أجل تنفيذ ضربات بالقنابل الجوية لدعم العمليات الهجومية الروسية المستمرة في شرق أوكرانيا".
دور رئيسي لطائرات Su-34
وتلعب طائرات Su-34 الروسية دوراً رئيسياً في دعم الهجوم الشتوي على الجبهة الشرقية، فيما يُنسب الفضل إلى قنابل KAB الانزلاقية، التي يجري إسقاطها جواً باعتبارها حيوية للنجاح الروسي في مدينة أفدييفكا الصغيرة وما حولها، حيث تفتقر أوكرانيا إلى قدرات الدفاع الجوي. ويمكن للقاذفات المقاتلة الروسية إطلاق الذخائر من مسافة تصل إلى 25 ميلاً.
ويبدو أن بعض وحدات كييف المضادة للطائرات والمدعومة من الغرب، بما في ذلك واحدة أو أكثر من بطاريات صواريخ Patriot أرض جو الأميركية الصنع، نشرت بالقرب من الجبهة.
وأشارت مجلة Forbes في تقرير إلى أن القوات الجوية الروسية حصلت على إجمالي 140 قاذفة مقاتلة من طراز Su-34.
فيما أعلنت أوكرانيا حتى الجمعة الماضي، أنها أسقطت 35 من طائرات SU-34. وتتبع موقع الاستخبارات المفتوح Oryx تدمير وإسقاط 25 طائرة من طراز Su-34.
في المقابل، أكد موقع Oryx أن إجمالي 78 طائرة أوكرانية تم تدميرها، بما في ذلك 37 مقاتلة من مختلف الأنواع، و35 طائرة دعم جوي أو طائرة هجومية.
وقالت مجلة News Week، إنه إذا كانت الأرقام الأوكرانية دقيقة، فسيكون لدى القوات الجوية الروسية نحو 105 طائرات من طراز Su-34 في الخدمة، لافتة إلى أنه من المحتمل ألا تكون بعض الطائرات جاهزة للعمل بسبب الأضرار، ونقص الطيارين، والصيانة الروتينية المطلوبة.
طائرات F-16 "نقطة تحول"
ولا تزال أوكرانيا تنتظر تسليم الطائرات المقاتلة الغربية من طراز F-16. وأكدت كييف أن هناك حاجة ماسة لهذه الطائرات للدفاع ضد الصواريخ الموجهة الروسية، والقنابل التي تسقطها جواً.
وقال معهد دراسة الحرب ISW، الخميس، إن تأثير خسارة 13 طائرة خلال عدة أيام تقريباً، وربما بعض طياريها المدربين تدريباً عالياً، لا يستهان به بالنسبة للجيش الروسي.
فيما أكد مايكل بونرت، المهندس في مؤسسة RAND البحثية، في أغسطس، أنه حتى عدد صغير من خسائر الطائرات سيكون له تأثير كبير على بقية القوات الجوية.
وأضاف أن الإفراط في استخدام هذه الطائرات يكلف روسيا أيضا مع استمرار الحرب، مشيراً إلى أنه في صراع طويل الأمد، حيث تحاول إحدى القوى استنفاد الأخرى، فإن طول عمر القوة العسكرية هو المهم.
ورجح بونيرت أن وصول طائرات F-16 سيزيد الضغط على القوات الجوية الروسية، لافتاً إلى ضعف قدراتها بسبب الاستخدام المفرط لطائراتها لمدة عامين.