أظهرت روسيا أنها لا تزال تعزز قبضتها على سلسلة توريد الطاقة النووية، خصوصاً مع مضيها قدماً بمشروعها الأخير مع شركة Framatome SA التي تديرها فرنسا لتغذية مفاعلات أوروبية، ما أثار غضباً في ألمانيا التي أدارت ظهرها لمثل هذا النوع من التكنولوجيا.
وأوضحت "بلومبرغ" أن الآلاف من الألمان نددوا بخطط شركة "روساتوم" الروسية في بلادهم، والتي تتعاون مع شركة "فراماتوم" الفرنسية الحكومية لتجميع الوقود الذي تحتاجه المفاعلات التي تولد الكهرباء لـ 100 مليون شخص من أوروبا الشرقية، إذ لا تزال بلغاريا والتشيك والمجر وسلوفاكيا تستخدم التكنولوجيا الروسية.
وتظهر هذه اللعبة السياسية أن ثقل الكرملين في الأسواق النووية، لا يزال قائماً، دون تراجع بعد مرور عامين على الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث تكشف البيانات الجديدة عن أحجام تجارة قياسية في عام 2023.
وحتى مع تبادل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون التهديدات العسكرية، يخطط مهندسون من كلا البلدين بشكل مشترك لمستقبل صناعاتهما النووية.
ومن المقرر أن يجتمع قادة دول أوروبية في 21 مارس الجاري، خلال قمة الوكالة الدولية للطاقة الذرية في بروكسل، لمناقشة سبل تعزيز سلاسل توريد الوقود النووي.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، أشار المدير العام للوكالة رافائيل جروسي، إلى روسيا باعتبارها "البائع رقم 1 للتكنولوجيا النووية في العالم".
مشروع تغذية المفاعلات الأوروبية
وشكلت الشركة الفرنسية، مشروعاً مشتركاً العام الماضي مع شركة TVEL Fuel الروسية التابعة لشركة "روساتوم"، إذ يسعى هذا الكيان الجديد للحصول على موافقة الحكومة الألمانية لنقل التقنيات.
وتم تشكيل الشركة الجديدة بمسمى بـ European Hexagonal Fuel SAS لترخيص التقنيات الروسية اللازمة لإنتاج وقود المفاعلات، وتم تمويلها بمبلغ 8 مليون يورو (8.8 مليون دولار) في ظل تعهدات فرنسا بتزويد أوكرانيا بدروع وصواريخ.
وسيسمح المشروع لـ"فراماتوم" بالمساهمة في تطوير حل وقود أوروبي سيادي، أي يمكن التحكم فيه بشكل كامل من قبل دول أوروبا دون الاعتماد على مصادر خارجية.
وسيحدث التصنيع المقترح في منشأة لشركة "فراماتوم" في لينجن بألمانيا، حيث سجل أكثر من 10 آلاف شخص معارضتهم لدى الحكومة المحلية، إذ ينتج مصنع "فراماتوم" في لينجن بالفعل الوقود للمفاعلات غير الروسية، بما في ذلك Sizewell B في بريطانيا، و Doel في بلجيكا و Ringhals في السويد.
لكن تقييماً قانونياً بتكليف من حكومة المستشار أولاف شولتز، العام الماضي، حذر من أن المشروع الجديد يشكل "ظرفاً خاصاً قد يفتح الباب أمام الجواسيس أو التخريب المحتمل".
وأغلقت ألمانيا، آخر محطة للطاقة النووية في عام 2023، لكنها تواصل تصنيع الوقود لدول أخرى، في حين تدير فرنسا مجموعة تتكون من 56 مفاعلاً، وتخطط لبناء ستة مفاعلات إضافية.
اعتماد أكبر على روسيا
وفي الإطار، قال الرئيس المشارك للمنظمة البيئية الروسية Ecodefense فلاديمير سليفياك: "بوتين يضحك في سره (...) وهذا من شأنه أن يجعل أوروبا أكثر اعتماداً على روسيا فيما يتعلق بسياسة الطاقة ويعزز النفوذ الجيوسياسي للكرملين".
بدورها، قالت باحثة التجارة النووية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، داريا دولزيكوفا، إن "خطة روساتوم في ألمانيا تثير تساؤلات حول مدى فعالية سلاسل التوريد الغربية في التنويع بعيداً عن روسيا".
ومن خلال الشراكة مع روسيا، تتوقع "فراماتوم" تسريع تسويق وقود VVER، لأنه سيكون مطابقاً لما توفره "روساتوم" في جمهورية التشيك وبلغاريا وسلوفاكيا، وهذا يعني أنها لن تتطلب أي موافقة فنية أو قانونية جديدة من منظمي السلامة، حسبما قالت الشركة.
وأثارت محاولة "فراماتوم" الأخيرة غضباً عاماً، بعد أن أخبر مدير الموقع المشرعين المحليين أن المهندسين الروس سيشرفون على أعمال المصنع.
وإثر ذلك، سجل ما يقرب من 11 ألف شخص قلقهم كتابياً، لدى المسؤولين في ولاية سكسونيا السفلى الذين يشرفون على التصاريح البيئية المطلوبة.
وقال الوزير المحلي في ولاية سكسونيا السفلى، كريستيان ماير: "يجب أن نقلل من تأثير روسيا على قطاع الطاقة. سنتشاور مع السلطات الاتحادية في برلين بشأن قضايا أمنية محتملة".
وبحثت دول أوروبا الشرقية التي لا تزال تعتمد على TVEL عن موردين بديلين منذ غزو أوكرانيا، لكن قطع العلاقات قبل الأوان، قد يهدد العمليات في أكثر من 10 مفاعلات للقدرة المائية المعروفة اختصاراً بـ VVER من تصميم الاتحاد السوفيتي لتوليد كهرباء خالية من الكربون.
وخارج روسيا، هناك شركة واحدة فقط مصنعة للوقود VVER هي شركة Westinghouse Electric Co، التي مرت بأكثر من عقدين من التجربة والخطأ، حيث قامت بتصميم نوع جديد من الوقود بمساعدة أوكرانيا وتمويل من وزارة الطاقة الأميركية.
ويتداخل مع ذلك أيضاً، قضايا اقتصادية أوسع نطاقاً، إذ تظهر بيانات الأمم المتحدة، أن فرنسا استوردت ما يقدر بمليار دولار من اليورانيوم المخصب بنسبة منخفضة من روسيا خلال السنوات الخمس الماضية، كما قامت شركة Orano SA المملوكة للدولة بإرسال نفايات اليورانيوم إلى مصنع في سيبيريا لإعادة تدويرها في الفترة بين عاميْ 2021 و2022.