الاعتماد على الطاقة النووية يهيمن مجدداً على اهتمامات العالم

time reading iconدقائق القراءة - 8
محطة لإنتاج الطاقة النووية في شمال فرنسا. 9 ديسمبر 2022 - REUTERS
محطة لإنتاج الطاقة النووية في شمال فرنسا. 9 ديسمبر 2022 - REUTERS
باريس -أ ف ب

بينما تطوي ألمانيا، السبت، صفحة ملف الطاقة النووية، بإغلاق آخر ثلاثة مفاعلات نووية لديها في ختام عملية تخلٍ عن الطاقة الذرية بدأت منذ فترة طويلة، تبدي بلدان أخرى اهتماماً بهذا المصدر للطاقة المتجددة.

ويأتي هذه الاهتمام المتزايد بحجة تلبية لاحتياجات هذه الدول في مجال الطاقة وبدافع المساهمة في مواجهة تغير المناخ، غير أن هذه الشهية المتجددة تنتظر ترجمتها بخطوات ملموسة. 

تباطؤ ما بعد فوكوشيما

 تولّد الطاقة النووية نحو 10% من الكهرباء في العالم، في 31 دولة (باستثناء ألمانيا)، بحسب الوكالة الدولية للطاقة. بيد أن الطاقة الذرية تعرضت لانتكاسة في الحادث الذي وقع في محطة فوكوشيما للطاقة إثر زلزال اليابان وما تلاه من تسونامي عام 2011. 

ومنذ ذلك الحين، قررت ألمانيا وسويسرا التخلي عن مصادر الطاقة هذه، بشكل تدريجي إلى حد ما، بينما أبطأت الصين برنامجها الضخم. وأقرّت إيطاليا الإلغاء التدريجي للطاقة النووية في استفتاء أجرته عام 1987 بعد كارثة تشرنوبل.

وبشكل عام، تراجع عدد المفاعلات النووية قيد التشغيل في العالم من 441 عام 2002، وهو الحد الأقصى التاريخي، إلى 422 في نهاية عام 2022، وفق قوائم الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وعاد إجمالي الإنتاج النووي إلى أعلى مستوياته في عام 2021.

لكن المستقبل يبدو غامضاً في هذا المجال، إذ أن أسطول المحطات النووية آخذ في التقادم، وعدد المشاريع التي يتم إطلاقها سنوياً- 10 في عام 2022، نصفها في الصين - لا يزال بعيداً عن المعدلات المسجلة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. وقد شهد عام 1976 وحده إطلاق 44 منشأة للطاقة النووية.

وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية المرتبطة بالطاقة في عام 2022 بنسبة 0.9%، لتسجّل رقماً قياسياً، وذلك بسبب زيادة الظواهر المناخية القصوى، أو حتى الصعوبات في تشغيل عدد غير مسبوق من المفاعلات النووية.

إنتاج كهرباء "نظيفة"

تظل الولايات المتحدة أول قوة نووية مدنية، مع 92 مفاعلاً. ومتوسط أعمار هذه المفاعلات آخذ في الازدياد (42 عاماً)، فيما تعمل البلاد حالياً على إنشاء محطتين جديدتين فقط. لكنّ الرئيس الأميركي جو بايدن يؤمن بضرورة إنتاج كهرباء "نظيفة" بنسبة 100% بحلول عام 2035، وتعتزم حكومته دعم القطاع.

ولا تزال فرنسا، التي تمتلك 56 مفاعلاً (متوسط عمرها 37 عاماً)، الدولة الأولى عالمياً على صعيد الاعتماد على الطاقة النووية لكلّ فرد. بعد أن قررت تقليص حجم قدراتها في هذا المجال، فإنها تتجه حالياً نحو برنامج جديد من ستة أو حتى 14 مفاعلاً، يتم تشغيل أولها بحلول 2035-2037.

وفي غضون ذلك، سيتعين على شركة كهرباء فرنسا إنجاز مفاعل الجيل الجديد في منطقة نورماندي، والذي تأخر إنشاؤه 12 عاماً عن الموعد المحدد.

أما بريطانيا، وهي دولة رائدة أخرى في هذا المجال، فلديها تسعة مفاعلات، كثير منها يقترب من نهاية حياته. وهي تخطط لبناء ثمانية مفاعلات بحلول عام 2050، لكنّ المصنع الوحيد قيد الإنشاء، وهو "هينكلي بوينت سي"، يشهد ارتفاعاً في التكاليف.

تفوق صيني وهيمنة روسية

الدولتان الفاعلتان الحقيقيتان على صعيد الطاقة النووية حالياً هما الصين على صعيد الإنتاج الداخلي، وروسيا في التصدير. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، من بين 25 محطة نووية جرى إطلاق ورش بنائها في العالم، كانت جميعها إما في الصين، أو خارج الصين ولكن بإشراف روسي، وفق تقرير أصدره خبراء مستقلون بالاستناد إلى بيانات عامة، بعنوان "تقرير حالة الصناعة النووية العالمية".

وتواصل الصين تدشين المحطات الجديدة، وباتت تتفوق على فرنسا مع 57 منشأة للطاقة النووية.

ورغم أنها تجمع بين التقنيات الروسية والفرنسية والأميركية والكندية، لكن نشاط الصين النووي يقتصر على المشروعات الوطنية، إضافة إلى عقود تعاون مع باكستان.

ومن ناحية أخرى، تهيمن روسيا على السوق الدولية، إذ أن هناك 25 مفاعلاً قيد الإنشاء: 5 في روسيا و 20 في دول أخرى (بنجلاديش وبيلاروس والصين ومصر والهند وإيران وسلوفاكيا وتركيا). وبدأت هذه المشاريع في العقد الأول من القرن الحالي، أو في 2015 أو 2018، وصولاً إلى إطلاق المشروع في مصر عام 2022.

ويقول المعد الرئيسي لتقرير "حالة الصناعة النووية العالمية" ميكله شنايدر إن "الجديد هو دخول دول لم يكن لديها حتى الآن طاقة نووية على الخط، بينها بنجلاديش أو مصر"، معتبراً أن ذلك يعكس استراتيجية روسية لـ"إنشاء ترابط طويل الأمد".

ومن جانبه، أعرب وزير الاقتصاد الإيراني إحسان خاندوزي، عن استعداد بلاده لتوسيع تعاونها مع روسيا في قطاع الطاقة بما في ذلك الطاقة النووية "السلمية".

وقال خاندوزي في مقابلة مع وكالة الإعلام الروسية "آفاق التعاون في مجال الطاقة الجديدة ومصادر الطاقة المتجددة، وكذلك في أنواع أخرى من الطاقة، بما في ذلك الطاقة النووية السلمية، تثير بالتأكيد اهتماماً ودافعاً كبيراً لتوسيع العلاقات الاقتصادية مع روسيا".

وبدأ التعاون الروسي الإيراني في مجال الطاقة النووية، منذ 1992 عندما وقع البلدان على اتفاقية شاملة للتعاون النووي ثم وقعت موسكو في 1995 اتفاقاً بقيمة مليار دولار لإنهاء محطة بوشهر النووية التي بدأ الألمان ببنائها عام 1975، لكنهم أوقفوا أشغال البناء فيها في 1992 بحجة خطر انتشار التكنولوجيا النووية الحساسة، بحسب وكالة "فرانس برس".

اهتمام متجدد

وعلى خلفية أزمة الطاقة، المرتبطة جزئياً بالحرب في أوكرانيا، تعرب دول أخرى عن اهتمامها المتجدد بالطاقة الذرية، وتأتي في مقدمة هذه الدول بلجيكا، التي اختارت عام 2003 وقف الطاقة النووية، وتريد حالياً تمديد العمل في مفاعلين لمدة عشر سنوات.

 كما بدأت اليابان بالتفكير حول إمكانية بناء مفاعلات جديدة، لكنّ مهمة إعادة تشغيل المفاعلات الحالية معقدة وتواجه تحفظاً من الرأي العام.

بالنسبة لبولندا أو التشيك أو الهند، فإن الأمر يتعلق بتقليل اعتمادها على الفحم. كما أنّ دولاً أخرى، مثل السويد أو هولندا، أعربت عن اهتمامها بالطاقة النووية.

وفي هذا السياق، رفعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية توقعاتها لسنة 2022، للعام الثاني على التوالي، وتوقعت أن تزيد الطاقة النووية المركبة في العالم بأكثر من الضعف بحلول عام 2050.

ولكن "لتحقيق ذلك، يجب التغلب على تحديات كثيرة"، وفق الوكالة التي أشارت إلى ضرورة "التناغم التنظيمي والصناعي"، والحاجة إلى "إحراز تقدم في إدارة النفايات المشعة عالية النشاط".

وبسبب تكلفتها ومخاطرها، ما زالت بلدان تقف بحزم ضد الطاقة النووية، بما فيها نيوزيلندا. وتجد هذه الاختلافات صدى لها داخل الاتحاد الأوروبي، في النقاشات المحتدمة في بروكسل حول دعم هذه الطاقة.

تهديدات عالمية

وعلى صعيد آخر، أظهرت صور الأقمار الاصطناعية أن كوريا الشمالية ربما تكون قريبة من إكمال مفاعل نووي جديد في مجمع يونجبيون النووي الضخم، حسب ما نقلت "بلومبرغ"، بعد أيام من تهديد الزعيم الكوري الشمالية كيم جونج أون باستعداد بلاده لاستخدام أسلحة نووية "في أي وقت".

ووفقاً للصور التي نشرها موقع " 38 North"، الذي يتتبع التطورات النووية في كوريا الشمالية، ومقره واشنطن، فإن عمال البناء يعملون على مبنى داعم في موقع "مفاعل الماء الخفيف الاختباري"، كما تم رصد عمليات تصريف للمياه بالقرب من مضخة المفاعل، وهو ما قد يكون مرتبطاً باختبارات لنظام التبريد في المفاعل.

ويعمل المفاعل النووي الموجود في مجمع يونجبيون، منذ يوليو 2021، بقوة 5 ميجاواط.

وأظهرت صور أقمار صناعية تجارية التقطت في 17 مارس أنه يجري العمل على بناء منشأة للوقود المستنفد للمفاعل، وفقاً لـ38 North.

وقال الموقع إن الصور الملتقطة والتطورات الأخيرة في كوريا الشمالية "تعكس توجيهات كيم الأخيرة بزيادة إنتاج المواد الانشطارية لتوسيع ترسانتها النووية".

اقرأ أيضاً: