تدخل الحرب الإسرائيلية على غزة شهرها السّابع، الأحد، وهو اليوم الذي يجتمع فيه المفاوضون والوسطاء لبحث سبل التوصل إلى هدنة جديدة، في وقت لم تحقق فيه إسرائيل أيّ من أهدافها الاستراتيجية المتمثلة في القضاء على "حماس" وتأمين إطلاق سراح المحتجزين، فيما خلفت هذه الحرب أكثر من 33 ألفاً من الفلسطينيين، وتسبّبت في كارثة إنسانية، إذ أصبح غالبية سكان غزة، البالغ عددهم نحو 2.3 مليون نسمة، مهدّدين بالمجاعة.
وشهدت الأشهر الماضية من الحرب نزوحاً جماعياً للفلسطينيين في غزة إلى المناطق الجنوبية بالقرب من الحدود مع مصر، بسبب اشتداد المعارك في الشمال، بينما تصرّ تل أبيب على "اجتياح رفح" للقضاء على آخر كتائب "حماس"، وفق وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت.
ومع استمرار الحرب، ارتفعت معدلات سوء التغذية في القطاع، خاصة بين الأطفال، إلى مستويات كارثية، إذ تحذر الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة، من أن المجاعة وشيكة في شمال غزة، وأن معدل الوفيات المرتبطة بالجوع سيتسارع قريباً، فيما أصبح جزء كبير من القطاع في "حالة خراب".
وحذرت منظمات دولية متعددة من أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة، وحتى أقرب حلفاء تل أبيب بما فيهم الولايات المتحدة، باتوا ينتقدون بشكل مباشر وصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما تتزايد الدّعوات لوقف شحنات الأسلحة إلى إسرائيل في الولايات المتحدة وبريطانيا.
وفي الوقت نفسه، يتعرض نتنياهو وحكومته لضغوط متزايدة في الداخل، مع عودة المتظاهرين إلى الشوارع بأعداد كبيرة مطالبين باستقالته. وتزايدت الاحتجاجات في إسرائيل ضد نتنياهو، التي تحث الحكومة على الاتفاق مع "حماس" لإطلاق سراح المحتجزين المتبقّين.
وعلى طول الحدود مع لبنان، تتبادل إسرائيل وجماعة "حزب الله" إطلاق الصواريخ بشكل منتظم، مما يؤدي إلى مخاوف من نشوب حرب أوسع نطاقاً.
ولم تسفر المحادثات للتوصل إلى وقف جديد لإطلاق النار بين إسرائيل و"حماس"، بوساطة قطر ومصر والولايات المتحدة، عن اتفاق حتى الآن.
"إحياء المفاوضات المتعثرة"
تستضيف العاصمة المصرية القاهرة، الأحد، اجتماعات تشارك فيها أطراف أميركية وقطرية وإسرائيلية وفلسطينية للتوصل إلى هدنة في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة "حماس" التي أكدت تمسكها بمطالبها لوقف الحرب.
ووصل إلى القاهرة رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA وليام بيرنز، بينما من المقرر لاحقاً أن يصل رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن، فيما سيصل الوفد الإسرائيلي، الاثنين.
ومن بين المسؤولين الإسرائيليين المتوقع حضورهم المحادثات رئيس الموساد ديفيد برنياع ورئيس الشاباك رونين بار، وفق تلفزيون I24 NEWS الإسرائيلي.
كما أعلنت "حماس" في بيان، السبت، أن وفداً برئاسة القيادي خليل الحية "سيتوجه الأحد إلى القاهرة استجابة لدعوة الأشقاء في مصر". ويهدف الاجتماع المرتقب لاستكمال البحث في اتفاق يتيح وقف القتال لإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة، والإفراج عن المحتجزين في القطاع، مقابل معتقلين فلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
وبعد الهدنة التي استمرت لمدة أسبوع في نهاية نوفمبر، والتي سمحت بالإفراج عن حوالي 100 محتجز، مقابل أسرى فلسطينيين، جرت عدة جولات من المفاوضات غير المباشرة، والتي رعتها كل من قطر ومصر والولايات المتحدة، لكنها لم تصل إلى توافق.
وتضغط إدارة بايدن على إسرائيل للسماح لأعداد محدودة من المدنيين الذين شردتهم حرب غزة بالعودة إلى الجزء الشمالي من القطاع، وهي نقطة خلاف رئيسية متبقية في محادثات وقف إطلاق النار.
وقال مسؤولون مطلعون على تفاصيل المحادثات، إن النقطة الشائكة الرئيسية في المحادثات كانت مسألة عودة النازحين الفلسطينيين إلى شمال قطاع غزة. وقالوا إن المفاوضين الإسرائيليين بحاجة إلى "تفويض أوسع" من الذي منحته لهم الحكومة حتى الآن لوضع اللمسات النهائية على الاتفاق.
وقبيل المحادثات، حثّ الرئيس الأميركي جو بايدن قادة مصر وقطر على الحصول على التزامات من حماس بـ"الموافقة على الاتفاق والالتزام به"، حسبما قال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية لوكالة "فرانس برس".
وبموجب الاقتراح الأخير، ستوافق إسرائيل و"حماس" على وقف إطلاق النار لمدة 6 أسابيع مقابل إطلاق سراح المحتجزين المرضى والمسنين والجرحى الذين تحتجزهم "حماس".
مجاعة وشيكة
وتفاقمت الأزمة الإنسانية في غزة بشكل متزايد، حيث يواجه سكان القطاع الجوع الشديد، كما أعلنت منظمة الصحة العالمية، أن أجزاءً من القطاع الفلسطيني "يمكن أن تتجه نحو المجاعة الكاملة بحلول شهر مايو المقبل"، وهو التصنيف الذي يعني أن الكثير من الناس هناك لم يعد لديهم طعام تقريباً، مما يؤدي إلى المجاعة والموت.
وقال برنامج الأغذية العالمي، إن سوء التغذية بين الأطفال ينتشر بوتيرة قياسية، وأن واحداً من بين 3 أطفال تقل أعمارهم عن عامين يعاني الآن من سوء تغذية حاد.
ويتم تقييم مستويات المجاعة من خلال مبادرة التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي (IPC)، التي أنشأتها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في عام 2004.
ويستخدم التصنيف الدولي للبراءات، مقياساً من واحد إلى 5 يتراوح من "الحد الأدنى" إلى "المجاعة". وتمر غزة حالياً بمرحلة "الطوارئ" الرابعة، لكن شمال القطاع يمر بالفعل بالمرحلة الخامسة، وفق شبكة "سكاي نيوز" البريطانية.
وينص برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أيضاً، على أن 30% من الأطفال يعانون من سوء التغذية الحاد، وأن اثنين من كل عشرة آلاف شخص يموتون بسبب الجوع أو المرض أو سوء التغذية.
مراحل مختلفة من المجاعة وسوء التغذية
وقال التقرير الأخير للتصنيف المرحلي المتكامل، والذي غطى الفترة حتى 15 مارس، إن 1.1 مليون من سكان غزة (نصف السكان) سيواجهون المرحلة الخامسة من المجاعة بحلول منتصف يوليو، ما لم يتغير الوضع في القطاع.
ويشير التقرير إلى أن "هذه هي أعلى نسبة من الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد التي صنفها التصنيف الدولي للبراءات على الإطلاق في أي منطقة أو بلد معين".
ويأتي هذا في وقت تسعى فيه إدارة بايدن إلى وضع اللمسات الأخيرة على البنود الأساسية في خطتها لإنشاء رصيف عائم مؤقت قبالة ساحل غزة من أجل عمليات توصيل المواد الغذائية، وغيرها من المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها في القطاع، وذلك في الوقت الذي باتت فيه المجاعة تلوح في الأفق.
وأفادت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، السبت، أنه من المقرر أن تصل 4 سفن تابعة للجيش الأميركي، انطلقت من جنوب شرق فرجينيا في منتصف مارس الماضي، إلى شرق البحر الأبيض المتوسط في غضون أيام.
وقال المسؤولون الأميركيون للصحيفة، إنه من المتوقع أن تبدأ العمليات في الأول من مايو المقبل تقريباً، إذ سيتم بناء الرصيف العائم بالإضافة إلى جسر بطول 1800 قدم مكون من مسارين من قبل حوالي 1000 فرد أميركي وبتأمين من الجيش الإسرائيلي، مشيرين إلى أنه من غير المتوقع أن يذهب أي من أفراد الخدمة الأميركية إلى الشاطئ، بل سيظلون على الجسر، مما يجعلهم في نطاق الصواريخ وأشكال الهجوم الأخرى.
كما حذر البنك الدولي من أن نصف سكان قطاع غزة معرضون لخطر المجاعة الوشيك مع اقتراب نقص الغذاء من مستويات كارثية لأكثر من مليون شخص.
واعتبر البنك الدولي، إن المجاعة المتوقعة يمكن أن تحدث في أي وقت من الآن وحتى مايو، وأن الظروف تتفاقم بسبب عدد من العوامل بما في ذلك الحرب المستمرة، والأضرار واسعة النطاق التي لحقت بالبنية التحتية وتقييد وصول المساعدات الإنسانية.
وقال برنامج الأغذية العالمي، إن عدد الأشخاص في غزة، الذين يواجهون جوعاً كارثياً تضاعف بشكل عام في أقل من 3 أشهر، حيث ارتفع من 570 ألف في ديسمبر إلى 1.1 مليون اليوم.
وذكر برنامج الأغذية العالمي أنه يحتاج إلى موظفين وإمدادات إنسانية، حتى يتمكن من التحرك بحرية وأمان في جميع أنحاء غزة. وحث إسرائيل على السماح بمزيد من الطرق المؤدية إلى غزة، بما في ذلك الشمال، واستخدام ميناء أسدود.
من جانبه، حذر وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، الأحد، من أن احتمال المجاعة في غزة "حقيقي"، بينما توجهت سفينة تابعة للبحرية الملكية إلى البحر الأبيض المتوسط للمساعدة في إنشاء ممر مساعدات بحري.
وقال كاميرون إن بريطانيا تعمل مع الولايات المتحدة وقبرص ودول أخرى لإقامة "رصيف مؤقت جديد قبالة ساحل غزة لإيصال المساعدات بأسرع ما يمكن وبشكل آمن".
"عزلة دولية وغضب داخلي"
أثار قتل 7 من العاملين في منظمة "وورلد سنترال كيتشن" الخيرية بغارة إسرائيلية وسط قطاع غزة، موجة من التنديد الدولي الواسع، حتى أن أقرب حلفائها، الولايات المتحدة، طالبتها ببذل المزيد من الجهد للمساعدة في حماية المدنيين الفلسطينيين في غزة، حيث يتواجد أكثر من مليون شخص على حافة المجاعة.
كما دعت عدد من العواصم الأوروبية إلى تعليق مبيعات الأسلحة الموجهة إلى إسرائيل.
وفي الداخل، يتعرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لاحتجاجات حاشدة في الشوارع تطالب بإقالته بسبب طريقة تعامله مع الحرب. وتضم الحركة الاحتجاجية العديد من أفراد عائلات المحتجزين الذين يقولون إنه أعطى الأولوية لمستقبله السياسي لتوسيع الحرب لتفادي الإطاحة السياسية، على إنقاذ حياة المحتجزين.
وخرج آلاف الإسرائيليين إلى الشوارع مرة أخرى في مظاهرات ضد حكومة نتنياهو اليمينية، مطالبين بإجراء انتخابات جديدة، وبأن تتفاوض الحكومة على الإفراج الفوري عن الرهائن المتبقين في غزة. وذكرت صحيفة "واشنطن بوست"، الأسبوع الماضي، أن هذه المطالب يمكن أن تصبح أكبر تهديد لنتنياهو، عندما احتج عشرات الآلاف من الأشخاص لعدة ليال متتالية.
وقالت "القناة 12" الإسرائيلية الإخبارية، إنها أكبر مظاهرة فيما يبدو منذ بدء الحرب، فيما ذكرت صحيفتا "هآرتس"، و"يديعوت أحرونوت"، أن عشرات الآلاف من الأشخاص شاركوا فيها.
وتواجه حكومة نتنياهو انتقادات واسعة النطاق بشأن فشلها الأمني في مواجهة هجوم حركة "حماس" على جنوب إسرائيل، والذي أودى بحياة 1200 شخص واحتجاز ما يربو على 250 شخصاً، وفق السلطات الإسرائيلية.
ويواجه نتنياهو أيضاً ضغوطاً من حلفائه، بما في ذلك الولايات المتحدة. وقال الرئيس بايدن الأسبوع الماضي إن الولايات المتحدة ستعيد تقييم سياستها بشأن الحرب في غزة إذا لم تتخذ إسرائيل خطوات فورية لمعالجة الوضع الإنساني وحماية عمال الإغاثة.
في المقابل، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، الجمعة، إن الحرب الإسرائيلية على غزة "جلبت الموت والدمار بلا هوادة"، مضيفاً : "لا شيء يمكن أن يبرر العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني".