على بُعد ستة أشهر من الانتخابات الرئاسية الأميركية، المُقررة في نوفمبر، ينتظر الناخبون سباقاً رئاسياً يبدو للوهلة الأولى مستقراً، لكن يكتنفه الغموض. فلأول مرة منذ أكثر من قرن، سيختار الأميركيون بين مرشحين محتملين اثنين من الحزبين الرئيسيين كانا قد شغلاً أعلى منصب في البلاد، وهما الرئيس الحالي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترمب.
ورغم أن هذه المنافسة كانت متوقعة منذ فترة طويلة، إلا أن الأميركيين يشعرون بالاستياء حيالها، حيث انخفض الاهتمام بالانتخابات إلى أدنى مستوى له منذ 20 عاماً، وفقاً لأحدث استطلاعات الرأي لشبكة NBC News.
وقالت الشبكة إن معظم الناخبين الذين شاركوا في استطلاع الرأي أبدوا آراءً سلبية تجاه بايدن وترمب، ما يعني أن هؤلاء الناخبين هم من سيحددون نتيجة الانتخابات، ما لم يحدث تغيير كبير.
وأوضحت الشبكة أن المشكلة لا تكمن في المرشح الذي سيختاره هؤلاء الناخبون، بل في ما إذا كانوا سيقررون المشاركة من الأساس في ما يُتوقع أن يكون أغلى سباق رئاسي في التاريخ الأميركي.
وكان استطلاع أجرته NBC News في أبريل أظهر تقدم ترمب على بايدن بفارق نقطتين.
ويعتمد بايدن بشكل كبير على قضايا مثل حقوق الإجهاض، وتظهر استطلاعات الرأي تفوقه في هذا الشأن وفي جمع التبرعات، لكن الاستطلاعات تظهر أيضاً عدم رضا معظم الأميركيين عن أداء الرئيس الحالي في منصبه.
واستغل ترمب هذه الفرصة لانتقاد بايدن بشأن قضايا، من بينها الاقتصاد والحدود، في الوقت الذي يسعى فيه إلى تنشيط قاعدته الانتخابية بينما يواجه العشرات من الاتهامات على المستوى الفيدرالي وعلى مستوى الولايات في 4 قضايا مختلفة.
تفوق ضئيل
على الرغم من حالة الاضطراب والفوضى التي تعكسها الأخبار، لا تزال المنافسة بين بايدن وترمب متقاربة ومستقرة قبل ستة أشهر من الانتخابات، وفقاً لمعظم استطلاعات الرأي.
وأظهر أحدث استطلاع للرأي تجريه NBC News على المستوى الوطني تفوق ترمب بفارق نقطتين، حيث حصل على 46% من الأصوات مقابل 44% لبايدن. ولم تتجاوز هذه النسبة هوامش الخطأ في الاستطلاع.
وأظهر الاستطلاع أيضاً أن السباق لم يتغير كثيراً على مدار العام، حيث لا تزال نسبة تأييد ترمب تتراوح بين 45% و47%. وعلى الجانب الآخر، كانت نسب تأييد بايدن أكثر تقلباً، حيث تراوحت بين 49% و42%.
وتؤكد استطلاعات الرأي الأخرى التي أُجريت على الصعيد الوطني وفي الولايات الحاسمة مدى تنافسية واستقرار السباق الرئاسي.
ويتمتع بايدن بأفضلية بين الناخبين السود والنساء والناخبين البيض الحاصلين على درجات جامعية. وفي المقابل، يتمتع بايدن بأفضلية بين الرجال والناخبين البيض غير الحاصلين على درجات جامعية.
وأظهر الاستطلاع تعادل بايدن وترمب أو وجود منافسة بينهما في أصوات الناخبين المستقلين واللاتينيين والشباب، وتباينت استطلاعات الرأي الأخرى بشأن تخلي الناخبين الشباب عن بايدن.
وأشار الاستطلاع أيضاً إلى وجود بعض الاحتمالات التي قد تقلب هذا الاستقرار رأساً على عقب، مثل وجود مرشحين آخرين.
وقالت NBC News إن استطلاعها الأخير أظهر تحول تقدم ترمب على بايدن بفارق نقطتين إلى تفوق الرئيس الحالي على سلفه بنفس النسبة بعد زيادة عدد المرشحين. وعلى النقيض، أظهرت استطلاعات رأي أخرى تفوق ترمب عند إضافة مرشحين آخرين.
كما أظهر الاستطلاع أن المعركة على أصوات الأشخاص الذين يفكرون في اختيار مرشحين آخرين قد تتغير بشكل كبير من الآن وحتى يوم الانتخابات، في ظل انتقاد بايدن وترمب المنافسين الآخرين وبعضهما البعض.
كيف يمكن أن تتغير الأمور؟
عندما ترشح بايدن وترمب سعياً لإعادة انتخابهما، لم يطرأ تغيير كبير في استطلاعات الرأي التي أجرتها NBC News على المستوى الوطني قبل 6 أشهر من يوم الانتخابات. ومع ذلك، قدمت نتائج هذه الاستطلاعات إشارات عديدة.
وأوضحت الشبكة أن المجمع الانتخابي هو من يحدد الفائز في الانتخابات، وليس التصويت الشعبي. وأضافت أن حدوث أي تغيير بنقاط مئوية قليلة، خاصة في الولايات المتأرجحة، قد يكون له تأثير كبير في هذه الانتخابات المتقاربة. وأشارت إلى التغيير الكبير الذي شهدته انتخابات عام 2016 مع ترشح ترمب.
وفي أبريل 2020، تقدم بايدن على ترمب بفارق 7 نقاط مئوية في استطلاع رأي أجرته NBC News بالاشتراك مع صحيفة "وول ستريت جورنال"، حيث حصل بايدن على 47% من الأصوات مقابل 42% لترمب. وتقلصت هذه النسبة إلى 4% في نوفمبر (عند التصويت الفعلي) من نفس العام.
وفي عام 2012، تفوق الرئيس الأسبق باراك أوباما على الجمهوري ميت رومني بفارق 6 نقاط مئوية في استطلاع رأي أجرته NBC News بالاشتراك مع صحيفة "وول ستريت جورنال". وفاز أوباما بالتصويت الشعبي لاحقاً بفارق 3 نقاط فقط.
وفي عام 2004، كان تفوق الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش بثلاث نقاط في استطلاع رأي أجرته الشبكة في مايو من نفس العام مماثلاً لفوزه بالتصويت الشعبي الذي حققه بعد أشهر من ذلك.
ولم يتحقق هذا الاستقرار النسبي في عام 2016، عندما تقدمت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون على ترمب بفارق 11 نقطة مئوية في استطلاع للشبكة في أبريل 2016، قبل فترة طويلة من بعض الأحداث، التي شملت خضوع كلينتون لتحقيق من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي في استخدامها لخادم بريد إلكتروني خاص، وظهور مقطع فيديو "الوصول إلى هوليوود".
وفازت كلينتون بالتصويت الشعبي بعد تفوقها على ترمب بفارق نقطتين مئويتين فقط، لكنها خسرت السباق الرئاسي بعد هزيمتها في تصويت المجمع الانتخابي.
قضايا أساسية
وكثيراً ما يتحدث الناخبون عن العديد من المخاوف عند اختيار المرشح، وتشمل هذه المخاوف قضايا مثل الاقتصاد والتضخم، وعمر بايدن، ووضعية حقوق الإجهاض في جميع أنحاء البلاد.
وطلب أحدث استطلاع لـNBC News من المشاركين تحديد المرشح الذي سيتعامل بشكل أفضل مع هذه القضايا، وتفوق بايدن في قضيتين فقط. وفيما يتعلق بالمرشح الذي يمتلك القدرة على توحيد البلاد، حصل بايدن على 37% من الأصوات مقابل 28% لترمب. وفيما يتعلق بالتعامل مع مسألة الإجهاض، قال 46% من المشاركين إن بايدن سيتعامل بشكل أفضل مع القضية، مقابل 31% لترمب.
وتفوق ترمب على بايدن فيما يتعلق بالتعامل مع قضية التضخم وتكلفة المعيشة، حيث رأى 52% من المشاركين أن الرئيس السابق سيتعامل بشكل أفضل مع هذه القضية، مقابل 30% لبايدن.
ويرى المشاركون أيضاً أن ترمب يتمتع بكفاءة وفعالية أكبر من بايدن، ويمتلك سجلاً أقوى من الإنجازات كرئيس.
واقع نظام المجمع الانتخابي
ومن المقرر أن تركز الحملات الانتخابية نشاطها وإنفاقها في عدد قليل من الولايات الحاسمة خلال الأشهر الستة المقبلة؛ نظراً لواقع نظام المجمع الانتخابي.
ولا يزال ترمب متفوقاً على بايدن بفارق ضئيل في عدد الفعاليات الانتخابية المقامة بالولايات الأكثر تنافسية، ويعود هذا التفوق جزئياً إلى تواجد الرئيس السابق في فلوريدا، لكن بدون هذه الولاية، يذهب التفوق إلى بايدن.
وفي انتخابات عام 2020، تحدد الفائز في 8 ولايات بخمس نقاط مئوية فقط أو أقل. وفاز بايدن في ولايات جورجيا وأريزونا وويسكونسن بفوارق ضئيلة للغاية تقل عن نقطة مئوية.
كما عززت الانتصارات التي حققها بايدن بفوارق ضئيلة في ولايات بنسلفانيا وميشيجان ونيفادا فوزه بالانتخابات الرئاسية. وفي المقابل، فاز ترمب في نورث كارولينا بفارق نقطة واحدة، وفي فلوريدا بفارق ثلاث نقاط.
تراجع قاعدة الناخبين المتحمسين
وأظهر استطلاع NBC News الأخير تراجع الاهتمام بالانتخابات في هذه المرحلة إلى أدنى مستوى له منذ عام 2012، حيث قيّم 64% من المشاركين اهتمامهم إما بـ9 أو 10 نقاط من أصل 10 نقاط. وتمثل هذه النسبة انخفاضاً كبيراً مقارنة بـ74% في أبريل 2020.
وشهدت الانتخابات الماضية ارتفاعاً في نسبة اهتمام الناخبين مع اقتراب شهر نوفمبر. ففي مارس 2012، قال 67% من المشاركين في استطلاع رأي للشبكة إن لديهم اهتماماً كبيراً بالانتخابات. وارتفعت هذه النسبة إلى 77% في أكتوبر 2012.
فجوة نقدية
ويبدو واضحاً أن الديمقراطيين يتفوقون بشكل كبير على ترمب في جمع التبرعات قبل 6 أشهر من الانتخابات. وتمكنت حملة بايدن من جمع وإنفاق أموال أكثر من حملة ترمب في أول 3 أشهر من العام الجاري.
وبلغ ما تملكه حملة بايدن من أموال أكثر من 85.5 مليون دولار في أول 3 أشهر من 2024، مقارنة بـ45.1 مليون دولار لدى حملة ترمب، وفقاً لتقارير تمويل الحملات الانتخابية.
كما أنفقت اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي أكثر من نظيرتها في الحزب الجمهوري في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري. وبلغ إجمالي ما تملكه اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي في الربع الأول من العام الجاري 45.2 مليون دولار، مقارنة بـ21.6 مليون دولار لدى نظيرتها الجمهورية.
ولكن الحزب الجمهوري يأمل في أن يتمكن من تحقيق تقدم كبير بعد سيطرة ترمب بقوة على الحزب، وبعد تغلبه على المرشحين الجمهوريين في الانتخابات التمهيدية.