
يسرد الفنان السوري الأرمني كيفورك مراد في معرضه "الوطن المتخيّل"، الثورة السورية على إيقاع موسيقى حيّة ترافق عروضه العالمية، يعزفها الملحّن وعازف الكلارينيت كنان العظمة.
استخدم مراد في أعماله الفنية أساليب غير مألوفة مثل أقمشة الكتان والقطن والـ"دنيم"، وقام بقصقصتها وإعادة تركيبها وتعليقها، كي تصبح أعمالاً بأبعاد متعددة. جسّد ذلك في أكثر من عمل له منهم "شجرة الحياة" التي تنبت منها كل الحضارات.
يجمع مراد في معارضه بين الفن والموسيقى والأحداث الجارية، في أعمال تستكشف سياسات وتاريخ الشرق الأوسط، ومحنة اللاجئين السياسيين، والتسامح الديني.
هنا حوار مع الفنان خلال افتتاح معرضه في صالة "تانيت" في بيروت.
لماذا تدمج الموسيقى في أعمالك دائماً؟
"أتذكر جدي عندما كنت صغيراً، وهو يعزف على آلة البزق ويغني باللغة الكردية. كانت تلك طريقته بالتعبير عن نفسه، وكان ذلك يشعرني أني أدخل حضارة أو قصة كبيرة، وأثّر ذلك عليّ كثيراً، ورغبت بشدّة أن أصبح موسيقياً.
وبما أني لم أدرس الموسيقى، كنت دائم التفكير بها، لكني كنت أحب الرسم، وعندما كنت أرسم، كنت أتخيّل كيف يمكن للوحة أن تتحوّل إلى معزوفة موسيقية.
بعد أن درست الرسم، فكّرت أنه يمكن للرسم والموسيقى تزيين بعضهما، وأعني بذلك أن الرسم يستطيع التعبير عن الموسيقى وبالعكس. فذهبت إلى عروض وبدأت أرسم، ولاحظت أني عندما أرسم على إيقاع الموسيقى الحيّة، تتغيّر تعابير اللوحة وخطوطها.
بعدها قمت بأول تجربة في أرمينيا عام 1997 ثم دعوني إلى أميركا عام 1998، ما دفعني للتفكير بالاستمرار بدمج الموسيقى مع معارضي.
قمت بأول تجربة تشكيلية مع رقص فلامينكو في كاليفورنيا. عندما انتقلت إلى نيويورك اجتمعت بالموسيقي وعازف الكلارينيت كنان عظمة. فكّرت أنه يجب التعبير عن أنفسنا وتراثنا الذي بدأت الأجيال الجديدة تفقده تدريجياً.
قمنا بأول مشروع بعنوان "جلجامش"، وهو عبارة عن 12 لوحة على فخار، ثم مشروع "الوطن من الداخل" ومدّته ساعة واحدة، عرضناه أكثر من 80 مرّة في مخيمات اللاجئين، والمتاحف وأماكن عرض عالمية".
ماذا عن معرضك حالياً في بيروت في هذا الوقت؟
إنه توقيت مهم لأكثر من سبب، أولاً أنه قريب جداً من المكان الذي كبرت وولدت فيه، أي مدينة حلب في سوريا. تأثير المكان على أعمالي مهم، فخيالي متأثّر بالمكان كحلب أو تدمر أو الشام. وأحاول أن أوصل رسالتي للحفاظ على تاريخنا وتراثنا، وهذا ضروري في ظل الصراع القائم بين القديم الذي نحافظ عليه والجديد مثل الذكاء الاصطناعي.
لذا الحضارة القديمة يمكنها أن تضيع، والفنان له دور كبير في تشكيل عقل الفنان الجديد، كي يحافظ على التراث بكل أشكاله، بدءاً من الأغنية وصولاً إلى الأبنية القديمة أو الحجر المحفور أو غيره، ولا يمكننا أن نبني شيئاً جديداً وننسى الماضي.
ماذا بقي من سوريا في البال؟
رائحة الياسمين والفل، ورائحة القهوة مع الهال خاصة مع فيروز. ما ورثته من أهلي، يمكن أن يكون قطعة ملابس أو "كروشيه" أو مخطوطة أو رسالة لها أهمية في حياتي. أحيانًا تكون أغنية أو بيت شعر، أو شيء صنعته يد الأم بحب. وإذا أمكننا أن نفعل الشيء نفسه لأولادنا، نكون قد نجحنا في نقل ما أخذناه من أجدادنا ومن أهلنا وأورثناه لأولادنا.
لم أكن أتخيّل أن تتغير سوريا بهذا الشكل وفي هذا الوقت. الكثير من الناس لديهم أمل أن يتحسّن البلد. أرغب كثيرًا بإقامة معرض فني في سوريا طبعاً".
ماذا تحمل معك عندما تكون مجبراً على الرحيل؟
"قلمي وأوراقي دائمًا يرافقانني لأن المذكرات هي أساس عملي. أرسم دائمًا، في الطائرة، القطار، المترو. وأيضًا آخذ الكتب والموسيقى والرسم. أضعهم معي عندما أسافر حتى أنني أنسى الملابس".
في بلاد الاغتراب، كيف هي علاقتك بالأرض؟
"أزرع في الأرض. أحب أن أزرع. قبل شهر ونصف زرعت عشرة أشجار تفاح في أرضي في أميركا. أحب أن أخبز الخبز وأعمل في التراب والحقل".