تحتفي ألمانيا بالفنان الرومانسي الألماني كاسبر ديفيد فريدريش (1774-1840)، في الذكرى 250 لميلاده، بثلاثة معارض كبرى تنظمها داخل ألمانيا هذا العام، افتتحت بمعرض "كونستال" في هامبورغ في ديسمبر، مع التركيز على رؤية الفنان الجديدة لعلاقة الإنسان بالطبيعة، وعرض أعماله الأكثر شهرة، "الهائم فوق بحر الضباب" (1817).
يُفتتح معرض "Alte Nationalgalerie" في برلين في 19 أبريل، ويتبعه معرض "Albertinum Kupferstich-Kabinett" في دريسدن في أغسطس 2024. ومن المقرّر إقامة معارض في مدن أصغر مثل فايمار وجريفسفالد، مسقط رأس فريدريش في أقصى شمال شرق البلاد.
معرض برلين "كاسبار ديفيد فريدريش: مناظر طبيعية لا نهائية" سيتناول دور المتحف الوطني في إعادة اكتشاف الفنان في بداية القرن العشرين. وكانت برلين خلال حياة الفنان، عنصراً أساسياً في نجاحه، حيث عاش لمدة 40 عاماً.
الفنان والنازية
وقالت الباحثة الفنية بيرجيت فيرويبي، المختصّة بأعمال فريدريش وأمينة معرض برلين: "لفترة طويلة، كان فريدريش مطّلعاً على الأمور الداخلية، وبعد الحرب العالمية الثانية، شوّهت سمعته بسبب ارتباطه بالنازيين".
أضافت في تصريح لصحيفة "آرت نيوز": "أحبّ هتلر الرسم الرومانسي، وكان فريدريش أحد فنانيه المفضّلين. لذلك ابتعد الباحثون والمتاحف عن فريدريش في سنوات ما بعد الحرب".
وأكدت أن "الأمر استغرق عقدين من الزمن حتى تلاشى هذا المحظور. وفي عام 1972، أقام متحف "Tate" في لندن معرضاً كبيراً، أسهم بشكل كبير في شهرة فريدريش العالمية. وعام 1974، تشكّلت طوابير طويلة أمام معرض فريدريش في هامبورغ، بمناسبة عيد ميلاده الـ200".
رومانسي على العرش
عُرضت لوحات فريدريش الطبيعية مرات عدّة في أكاديمية برلين بين عامي 1810 و1834، ونالت إعجاب الشاعر الرومانسي كليمنس برينتانو، والكاتب المسرحي هاينريش فون كلايست، والأهم من ذلك، حظيت بإعجاب ولي العهد الذي أصبح فيما بعد فريدريك ويليام الرابع، المعروف باسم "الرومانسي على العرش".
أقنع ولي العهد والده فريدريك ويليام الثالث، بشراء العديد من أعمال فريدريش المهمة أوائل القرن التاسع عشر، من بينها لوحة "الراهب بجانب البحر"، وهي عبارة عن منظر بانورامي للشاطئ والمحيط في مواجهة الأمواج ذات الرؤوس البيضاء. و"الدير في أوكوود"، الذي يصوّر خراباً قوطياً محاطاً بشواهد القبور والأشجار العارية الملتوية.
مجموعة ملكية
بفضل المشتريات الملكية، تمتلك برلين واحدة من أهم مجموعات أعمال فريدريش في العالم. ومن برلين غزت أعمال الفنان روسيا. إذ أصبحت شارلوت شقيقة ولي العهد، من أشدّ المعجبين بالفنان، وأقنعت القيصر بشراء أعمال فريدريش، ولا تزال تسع لوحات موجودة في متحف "أرميتاج" في سان بطرسبرج.
تقول فيرويبي، إن المتاحف الألمانية كانت تُجري مناقشات حول القروض من روسيا قبل فبراير 2020. ولكن منذ غزو أوكرانيا، الذي قطعت بعده المتاحف العالمية علاقاتها مع روسيا، أصبح هذا الأمر غير وارد.
مع بداية القرن العشرين، أصبح فريدريش في حالة من الغموض. ثم برزت 93 لوحة من أعماله في (المعرض الوطني للفن الألماني من 1775 إلى 1875)، وهو المعرض الأكثر شمولاً لفن فريدريش على الإطلاق. كان ذلك بمثابة بداية انتعاش للاهتمام بأعماله.
"تنعكس الزيادة المطردة في شعبية الفنان في السوق أيضاً، في حين أن معظم لوحات فريدريش موجودة الآن في المتاحف، إلا أن رسوماته لا تزال تنتقل بين هواة الجمع من القطاع الخاص "، كما تقول كريستينا جرومت، مؤلفة كتالوج "رسومات فريدريش".
أضافت: "بيعت كراسة رسم نادرة لفريدريش بمبلغ 1.8 مليون يورو في فيلا "جريسباخ" في نوفمبر 2022. وقبل وقت قصير من المزاد، قدمتها سلطات برلين كمرشّحة للتراث الوطني القيّم.
التأثيرات المعاصرة
يواصل الفنان الرومانسي إبهار الفنانين المعاصرين، ولعلّ أبرزهم جيرهارد ريختر، الذي استوحى إلهامه من لوحة فريدريش "بحر الجليد"، التي رسمها بين عامي 1823 و1824 في زيارة جرينلاند عام 1972.
ويقول مسؤول المتحف السويسري غرومت: "لقد تعرّف السويسريون الآن على الفنان الألماني، جاء الناس مراراً وتكراراً، وكانوا منبهرين. كل شخص يرى شيئاً ما في عمله، ويشعر أنه يتحدّث إليه شخصياً".
بعد المعارض الثلاثة في ألمانيا، سيفتتح متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك عام 2025 أول معرض فردي كبير لفريدريش في الولايات المتحدة عام 2025، بعنوان "كاسبار ديفيد فريدريش: روح الطبيعة"، الذي سيُكسبه من دون شك جماهير جديدة.
لكن بحسب خبراء فنيين، "سيؤدي ذلك إلى جعل المعارض المستقبلية أكثر ندرة: فمن المحتمل أن تصبح المتاحف التي تمتلك مقتنيات فريدريش متردّدة بشكل متزايد في التخلي عن اجتذاب الحشود، وقد تصبح تكاليف التأمين لهذه اللوحات القيّمة، باهظة بالنسبة للمتاحف الأصغر حجماً".