"الإنفلونسرز" ينافسون كُتّاب مصر على الشهرة والنشر

time reading iconدقائق القراءة - 9
معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ55. 30 يناير 2024 (تصوير: فادي فرنسيس) - الشرق
معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ55. 30 يناير 2024 (تصوير: فادي فرنسيس) - الشرق
القاهرة-شريف صالح

"في المستقبل سيحظى كل شخص بـ 15 دقيقة من الشهرة"..

ظاهرة "البلوجرز" أو "الإنفلونسرز"، تحوّلت إلى طقس دائم من طقوس وسائل التواصل. شباب وشابات لديهم متابعون بمئات الآلاف، يظهرون فجأة وينشرون ما يعتبرونه "كتباً"، وسرعان ما يختفون. والطريف أن معظمهم يحقّق مبيعات بعشرات الآلاف من النسخ، بينما كبار الكُتّاب لا يبيعون ألف نسخة!

تزايدت هذه الظاهرة تزامناً مع انتشار وسائل التواصل، واخترقت مجالات الحياة كافة؛ وبالتدقيق في المصطَلحين الرائجين للظاهرة، وهما "البلوجرز" أو "الإنفلونسرز"، فهما يلخّصان 3 سمات أساسية:

أوّلها التدوين والقدرة على التعبير عن الذات بطلاقة، وثانيها وجود قاعدة جماهيرية كبيرة تشمل عشرات الآلاف من المعجبين، وثالثها القدرة على التأثير وتغيير الذوق في مجال بعينه، والدعاية والتسويق.

إن مجال هؤلاء "المؤثّرين"، الذي لمسناه في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ55، لا يقتصر على الكتب، وإنما يشمل الشِعر والأغاني والأزياء والطرائف وروايات الجريمة والتنمية الذاتية وكرة القدم.

بداية يصعب النظر إليهم بمنطق أنهم "نجوم لا يعرفهم أحداً"، لأنهم بالفعل "مشاهير" ولديهم "ألتراس" خاص بهم.. لكن الأكثر دقّة أنهم يعيشون في الظل خارج الرعاية والدعم الرسمي..

وبينما يميل الكُتّاب إلى إقامة ندوات جادة تقليدية في نوادي الأدب ومعارض الكتب، يتولى فيها النقّاد تشريح أعمالهم، يبتعد "الإنفلونسرز" عن تلك الصيغة التقليدية، فلا نجد لهم ندوات ولا مناقشات، وإنما "حفلات توقيع" تعتمد على استقطاب آلاف المعجبين.

تعود الظاهرة إلى نحو عشر سنوات، عندما فوجئ الوسط الثقافي بطوابير تضم آلاف الفتيات والشباب في انتظار توقيع مغني الراب "زاب ثروت" لكتابه "7 أيام" عام 2014، وديوانه "حبيبتي" الذي باع في أيام قليلة 15 ألف نسخة ثم اختفى.

 ومن حين لآخر، يتكرّر الأمر مع مشاهير "السوشال ميديا"، مثل أسما بنت الفنان شريف منير بكتابها "طلقني" عام 2020، كما نشر علي غزلان كتابيه "مدمن نجاح"، و "أشطر فاشل" عامي 2022 و2023 وسط رواج لافت.

فرصة من ذهب

أبرز مشاهير "السوشال ميديا" في الآونة الأخيرة كانت كنزي مدبولي، وهي شابة مؤثّرة لديها آلاف المتابعين، نشرت كتاباً بعنوان "فرصة من دهب"، عن دار غير معروفة اسمها "دار همزة".

 تجمّع الآلاف للحصول على توقيعها في الدورة الأخيرة لمعرض القاهرة للكتاب، ما اضطر رجال الأمن إلى تغيير مكان التوقيع بسبب الازدحام، ولم يسلم الأمر من تدافع عن السلالم، وكي لا تقع كارثة، طلب رجال الأمن منها الانصراف قبل أن تكمل التوقيع.

انتشرت التعليقات في "السوشال ميديا" التي تتندّر بأن كنزي أصدرت 17 طبعة في يوم واحد! كما أثيرت ضجّة حول استعانتها بمصحّح لغوي، على الرغم من أن الكتاب حافل بالتعبيرات العامية الدارجة.

وإذا كانت كنزي استأثرت بـ"الترند" فهذا لا ينفي وجود أسماء أخرى تعتمد على شهرتها وتأثيرها، بضجة أقل، من هؤلاء مثلاً ريهام عيّاد التي حرصت على أن أن تعقد ندوة ضمن المعرض، أدارها الكاتب الصحفي محمد الباز، لمناقشة كتابها "أسرار في حياة هؤلاء" وسط ازدحام شديد.

ووجّهت عيّاد رسالة إلى منتقديها، تحدّت فيها أي شخص يقول إنها تأخذ موضوعات برنامجها الخاص على اليوتيوب "القصة وما فيها"، وأكدت أن كل معلوماتها دقيقة ومن كتب موثوقة.

أسئلة حول الظاهرة

سألنا الكاتب الصحفي محمد عبد الرحمن مؤلف كتاب "مدينة المليار رأي"، وأحد المهتمّين بظواهر "السوشال ميديا" عن "هؤلاء النجوم" فقال: "الظاهرة عمرها نحو عشر سنوات.. كل عام يظهر اسم أو أكثر ويطرح كتاباً، ثم يأتي إلى المعرض بجمهوره الخاص به، وبعدها يختفي ولا يكرّر التجربة".

أضاف: "غالباً هؤلاء الشباب يأتون تحت تأثير الحالة والتقاط الصور مع المؤلف ونيل توقيعه، لكنهم لا يقرأون الكتاب أصلاً، فلماذا يهتمّ هؤلاء "البلوجرز" بإصدار كتب ومنافسة مبدعين مرموقين، ولماذا لا يستمرون؟"

يعتبر عبد الرحمن أن المسألة كلها "مجرد استعراض، أو "شو" يفضّل أصحابه أن تجري تفاصيله في أماكن واسعة وساحات، من بينها معرض الكتاب، لالتقاط الصور ومقاطع الفيديو لحالة الازدحام".

لا مبرّر للقلق

التقينا صلاح أبو المجد المسؤول في "عصير الكتب"، المهتمّة بنشر الكتب الرائجة، ومنها كتاب ريهام عياد "القصّة وما فيها" فقال: "الظاهرة أصبحت جزءاً من سوق النشر ولا مبرّر للقلق منها، ولو صدرت سلسلة الشباب والمراهقين الشهيرة "رجل المستحيل" في زمن "السوشال ميديا"، لكانت حقّقت الضجة نفسها، ورأينا الآلاف يحتشدون".

ولفت أبو المجد إلى أسماء أخرى تنتمي إلى تلك الظاهرة، "منها المذيع أحمد يونس، الذي يقدّم فقرة رعب في إحدى محطات الراديو، ثم ما لبث أن حوّلها إلى سلسلة ناجحة بعنوان "نادر فودة".

أما الشاعر والناشر أحمد البوهي (دار دوّن) فقال: "يظن البعض أننا الوجهة الأولى للبلوجرز لنشر أعمالهم، بحكم أننا دار جماهيرية.. لكن الحقيقة نحن نحرص على القيمة والمستوى الجيد للكتاب، ولا نقبل نشر أي كلام".

أضاف: "أهم ما يميّزنا أننا نقدّم إبداعات كُتّاب كبار مثل الراحل بهاء طاهر، إلى جانب إبداعات الشباب مثل أحمد مرسي، مؤلف "مقامرة على شرف الليدي ميتسي"، المرشّحة للجائزة العالمية للرواية العربية. الخلاصة نحن نهتم بالمحتوى أولاً، وليس بـ "البلوجرز"، ولو توفّر ذلك فما المانع أن ننشر لهم".

الكائن الأحمر

يتناول كتاب "الديبو" لليوتيوبر محمد المأمون قصّة "حليم"، الطفل غير الطبيعي منذ ولادته، إذ هناك كائن أحمر يصاحبه، ينظر إليه دائماً من دون ملل، لا ينام ولا يملّ. فكبر حليم وهو يرى أشياء وكائنات عجيبة لا يراها أحد سواه.

في حفل التوقيع، تدافع المئات للحصول على توقيع المؤلف.. وعلّق محمود البحيري مسؤول دار الميثاق التي نشرت الكتاب قائلًا: "بعنا في يوم واحد نحو 3 آلاف نسخة، والمأمون شاب ناجح يعتبر الابن الشرفي الأوّل للكاتب الراحل أحمد خالد توفيق، ولا يحتاج إلى تقييم.. طبيعي أن تكون هناك ضجة مع حضوره نتيجة شهرته. وفي تقديري كناشر، إن الكتاب يقدّم محتوى جيداً أخذاً في الاعتبار أنه في النهاية رواية رعب ترفيهية".

وأكد البحيري أنه "من الأفضل أن نترك للشباب فرصة اختيار ما يقرأون، وليس بالضرورة أن يبدأوا بأعمال نجيب محفوظ"..

وحول سعر الرواية، أكد "عدم وجود أي مبالغة أو استغلال، إذ تباع الكتب بالسعر الطبيعي لأي رواية في حجمها".. وأشار إلى وجود بعض الكُتّاب لدى الدار، "طبعوا من كتبهم أكثر من 52 طبعة، منهم الشاعر فارس قطرية. ومن الطبيعي ـ على حد تعبيره ـ أن يكون لدى كل دار كاتب أو اثنان يحظيان بشهرة واسعة".

غاضبون ومتعاطفون

ليس هناك توجّه محدّد يتعلق بتلك الظاهرة، فالبعض ينتقدها لأنها مرتبطة بالشهرة والتسويق، وليس القيمة الأدبية والإبداعية، وهي ثمرة هيمنة "السوشال ميديا" على وعي الشباب، وتسويق الكتابة الركيكة والمعلومات المغلوطة، أو هم مجرد أدوات دعاية لعلامات تجارية بعينها. وثمّة تخوف من أن يتحوّل المؤثرون، إلى وحوش تسوّق للتفاهة لجني الأرباح فقط. 

كما يرتاب البعض في تزييف الشهرة وتزييف نمط حياة هؤلاء، لإبرازهم من المجهول كشخصيات مؤثرة في ملايين الناس. ويدخل في هذا السياق تزييف الحسابات الشخصية وأرقام المتابعين.

على الجانب الآخر، ثمّة من يتسامح معهم، ويعتبرها ظاهرة طبيعية كجزء من المشهد الإبداعي.. ويفضّل ترك الأمر كله لحرية كل قارئ، لشراء هذا الكتاب أو ذاك، خصوصاً أن أعمار القرّاء وأذواقهم تختلف.

ويعتبر المتعاطفون مع الظاهرة، أن وجود هؤلاء المشاهير يسهم في الدعاية للكتب، ويربط الأجيال الشابّة بعادة القراءة وزيارة معارض الكتب.

وبرغم أن ظاهرة "الانفلونسرز" تغلغلت في مختلف المجالات سواء الإعلام والأدب أو الموضة والأزياء والجمال أو الألعاب والرياضة، إلا أننا نفتقر إلى أرقام دقيقة حول قوّة تأثيرهم الحقيقية، وحجم الأرباح التي يحصلون عليها من الإعلانات والعلامات التجارية.

فهل حقاً بالإمكان طباعة 17 طبعة من كتاب في يوم واحد؟ وهل الآلاف الذين يحتشدون لنيل توقيع، يقرأون الكتب حقاً.. أم أنها هستيريا الشهرة العابرة بحسب عبارة آندي وارهول: "في المستقبل، سيكون بإمكان أي شخص أن يحظى بـ 15 دقيقة من الشهرة".

تصنيفات

قصص قد تهمك