حلمي التوني "يحيي الحب" بالتزامن مع عيده الثمانين

time reading iconدقائق القراءة - 9
أعمال التشكيلي المصري حلمي التوني في معرضه "يحيا الحب". 2 مارس 2024 (تصوير: فادي فرنسيس) - الشرق
أعمال التشكيلي المصري حلمي التوني في معرضه "يحيا الحب". 2 مارس 2024 (تصوير: فادي فرنسيس) - الشرق
القاهرة-شريف صالح

مثلما شبّه الشعراء الحبيبات بالفراولة والرمّان، تتحوّل نساء الفنان الكبير حلمي التوني إلى فواكه وأزهار وأسماك وفراشات. إذ تحضر المرأة باتساع عينيها وأزيائها وتمايل خطوطها، وتتصدّر الفتيات التكوين بالملاءة ومنديل الرأس و"اليشمك".. 

 يملك التوني خيالاً طفولياً مبهجاً، متأثراً بالسريالية في رسم المرأة بهيّة وحيوية، بوصفها الربيع ورمز الحب، فلا تخطئ العين نساء التوني، ولا بصمته وألوانه وموتيفاته.

وتزامناً مع عيد ميلاده الثمانين، افتتح التوني أحدث معارضه في "جاليري بيكاسو" في الزمالك، الذي يضمّ  28 لوحة كبيرة، و9 لوحات صغيرة الحجم، معظمها بألوان زيتية، وبعضها "رقمي" ومطبوع.

وعندما سألنا منسّقة الجاليري رحمة وليد عن سرّ توقيت معارضه في شهر مارس تحديداً، أجابت: "منذ ربع قرن ونحن نستضيف معارضه بانتظام في مارس، لأنه الشهر الذي نحتفل فيه باليوم العالمي للمرأة، وهو أيضاً بداية الربيع وعيد الأم.. ولا توجد لوحات تعبّر عن المرأة والأنوثة والأمومة مثل أعمال التوني. فهذا عالمه الأثير وبصمته الفنية المعروفة".

فن الأغلفة 

كان ضيوف التوني في انتظاره، ومن بينهم المفكّر والكاتب المعروف فهمي هويدي، والناشر إبراهيم المعلم، رئيس مجلس إدارة دار الشروق، وأميرة أبو المجد، العضو المنتدب بالدار.

 ولا يخفى التعاون الوثيق بين الفنان والدار، الذي أثمر آلاف الأغلفة والرسومات الداخلية، خصوصاً كتب "أديب نوبل"، الروائي المصري نجيب محفوظ، التي أصدرتها الشروق على مدى سنوات طويلة، عقب فوزه بالجائزة العالمية، وتزيّنت دائماً بلوحات التوني، فضلاً عن براعته في تحويل شخصيات محفوظ النسائية، من لغة السرد إلى لغة التشكيل.

لا شك أن التوني، أحد كبار مصمّمي الأغلفة في العالم العربي، ولديه تاريخ طويل يزيد عن نصف قرن، وأصبح جزءاً من الذاكرة البصرية لصناعة الكتاب. وبالضرورة انعكس وعيه الأدبي وحبّه لشخصيات نجيب محفوظ، على طريقة فهمه وتعبيره عن المرأة.

هوية بصرية

عندما سألناه عن وجود بضع لوحات تهيمن عليها خطوط وملامح تعود إلى الحضارة المصرية القديمة قال: "أحبّ أن تعبّر لوحاتي عن هوية بصرية خاصّة بنا، بما في ذلك التأثير الفرعوني. لكن معظم أعمالي تستفيد من الفن الشعبي ونساء الحارة وبنت البلد والفلّاحة". 

أضاف: "لن تجد لدي ملابس "خواجات"، ولا ملابس عصرية.. فاللوحات تقدّم ما نفتقده في الواقع، لأن الشعب المصري يفتقد الزيّ الشعبي الخاص به، كما هو الحال في الهند أو الصين أو دول الخليج". 

وسأل: "هل هذا نتيجة تعرضّنا للاحتلال وتأثرنا بحضارات كثيرة مرّت علينا وأضاعت هويتنا؟ لذلك أحب أن تعبّر لوحاتي عن هوية بصرية خاصة بنا، دون ادّعاء أو استغراق في "الشوفينية".

يعترف التوني بأنه أفاد من الأدب وروايات محفوظ، "لكن للأسف معظم الفنانين من الجيل الحالي، ثقافتهم ضعيفة أو منفصلين عن هويتهم وبيئتهم".

ويؤكد أنه لابد أن يكون الفنان التشكيلي صاحب ثقافة واسعة في الموسيقى والشعر والمسرح. وأساتذتنا كانوا أكثر موسوعية وتعلّمنا منهم الكثير. وكان للثقافة العربية نجوم كبار مثل طه حسين ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم. اليوم لم يعد هناك نجوم، اختفت القامات الكبيرة، وهذا يحزّ في نفسي.

بهجة الألوان

ماذا عن بهجة الألوان وقوّتها مثل الأخضر والأحمر والأزرق، يجيب التوني: "بطبعي شخص مرح ولا أحب النكد، وعندما كنت شاباً كنت أغني وأحضر حفلات وهذا انعكس على أعمالي التي تنشر الفرح والبهجة في تكوينها وألوانها.. أنا ضدّ انتشار الأساليب الفنية الكئيبة، وخصوصاً في الظروف التي نعيشها، وأرى أن الفنان يجب أن ينقل الفرح إلى الناس بعفوية".

وقال: "عندما فكّرت بإقامة هذا المعرض، شعرت بالحرج بسبب ما يحدث حولنا من حروب، لكني مقتنع أن دوري كفنان هو بثّ الفرح، والوقوف ضد الحرب والعنف".

يحيا الحب

كلام الفنان ينقلنا إلى اختياره عنوان معرضه "يحيا الحب"، فيقول: تخيّل حياتنا بلا حب، ماذا ستكون النتيجة؟ لقد رسمت معظم لوحات المعرض بين عامي 2022 و2023 ، وركّزت على المرأة وعلى موتيفة "القلب"، لأنها رمز الحب في كل العالم وكل الأزمان، ومن يتابع تفاصيل اللوحات، سيلاحظ أني رسمت القلب بألوان وأشكال مختلفة، ليس فيها أي تكرار.

وأكد أنه كرسام يقف أمام تحدّي تطوير التكوين وعدم التكرار، وربما أفادني العمل في الصحافة ورسم الكتب، في الحرص على تنويع الموتيفات والأفكار حتى لا يملّ المشاهد. لذلك أعتبر الفن أفضل معلّم للديمقراطية، لأنه يغذي رؤى الإنسان، ويعلّمه معنى الاتقان والابتكار.

ويعتبر أن هذه القيم في منتهى الأهمية للمجتمع، وأي تدهور نعاني منه الآن سببه هو غياب الإتقان، وضعف الابتكار وعدم التنوّع، لذلك الفنان لا يعيش في برج عاجي، وإنما يعطي درساً لمجتمعه من خلال إبداعه.

بين السريالية والتعبيرية

من يتابع مسيرة حلمي التوني الطويلة، سوف ينتبه إلى ثوابت جمالية وفكرية لا يتخلى عنها، ورغم قربه من المدرسة السريالية، إلا أن لوحاته لا تفقد قيمتها التعبيرية، ونصاعة الرؤية.

يؤكد التوني أنه لابد أن تكون للفنان شخصيته وأن لا يقلّد الآخرين. ونحن لدينا ثقافة مصرية وعربية خاصّة بنا مختلفة عن الغرب.. ليس في الأمر "شوفينية"، لكن من المهم ألا نكون عالة على الآخرين، ولا نكتفي باستنساخ تجاربهم، فهذا سلوك طفيلي لا يضيف أي شيء".

التوني الذي يقيم معارضه منذ نصف قرن، والمنحاز دائماً للمرأة وأساطيرها وسحرها، لا تغيب عنه أيضاً براءة الطفولة وخيالاتها ومزجها بين التناقضات، ولديه باع طويل في تقريب الفن التشكيلي للأطفال والتعامل مع كتبهم. وسبق له أن تبنّى دعوة لتشجيع الأطفال على زيارة المعارض التشكيلية، ومن أجلهم أصدر "الأشكال والألوان والتلوين"، لتدريبهم على القواعد الأوّلية للفن.

لا يمنع التوني استحضار المرأة كبطلة أولى وأخيرة في التكوين، من ظهور بعض الرجال الشعبيين بالطرابيش الحمراء والشوارب الكبيرة والجلابيب، كناية عن الشراكة والمحبة، ولأن الرجل يبقى مصدر الحماية والأمان لهذا الجمال الأنثوي، وغالباً ما يصوّرهما في مشهد يمزج الحماية بالاحتضان، مع موتيفات رومانسية مثل القمر والورود.

فخ الواقعية

مهما بدا التوني معبّراً عن هويته البصرية المصرية وبيئته الشعبية، إلا أنه لا يسقط في فخ الواقعية، لأن لوحاته في بنيتها أقرب إلى الأحلام العذبة وخيالات الطفولة والأساطير، وهي تكتسب حسّاً إنسانياً عالمياً. تغازل فينا الحب والبراءة والجمال الأنثوي الريان الطبيعي وغير المتكلف.

وإذا التفتنا إلى التفاصيل الثانوية و"الموتيفات" التي ينثرها في فضاء اللوحة، فهي تنتمي إلى الثقافة الإنسانية العالمية، لا إلى بيئتها المحلية فحسب. فمثلاً "الوردة"هي رمز عالمي للجمال والحب لا يمكن أن يختفي. 

وكذلك السمكة رمز للحظ الجيد والخصوبة وسعة الرزق، إضافة إلى تكويناتها الأنثوية. كما تحضر الشمعة رمزاً للنور والعطاء بكل ما تنطوي عليه من روحانية مرتبطة بدور العبادة. 

ولا ننسى القمر في اكتماله ونقصانه، بوصفه سفير الحب والغرام وحارس المحبّين. فكل تفصيلة يغذي بها التوني فضاء لوحاته، هي تعبير عن الجمال والحب، ضد الحرب وضد العنف وكل القبح المحيط بنا.

تصنيفات

قصص قد تهمك