عندما طُلب من الشاعر والكاتب المسرحي السعودي صالح زمانان، أن يكتب نَصّ أول أوبرا في السعودية، نفض الغبار عن أسطورة "زرقاء اليمامة" العربية القديمة، التي تروي قصة امرأة اشتهرت بنبوءاتها الصحيحة.
شهد العرض الأوبرالي التاريخي في العاصمة الرياض، الخميس، الحماس والتفاعل من قِبل الجمهور السعودي، مع حرصهم على إظهار "وجه بلدهم الجديد"، بحسب صحيفة "تايمز" البريطانية.
ويقول زمانان: "هذا هو تراثنا، يتم تقديمه في شكل فني غربي، ويُظهر أصالتنا وكذلك انفتاحنا على العالم".
ويجسّد العرض الذي يتم غناؤه باللغة العربية، قصّة اغتصاب عروس من قِبل زعيم قبلي مستبدّ، فيما تبكي قائلة: "لماذا أنا؟". وتنتقم قبيلتها بذبح أقارب الزعيم القبلي، قبل أن يتم ذبحهم هم الآخرون على يد عشيرة أخرى.
وينتهي العرض بكومة من الجثث على المسرح، بينما تظهر زرقاء اليمامة التي تم تجاهل نصائحها، وهي فاقدة عينيها وحياتها.
ويقول زمانان، إن العبرة من هذا العرض هي إظهار "كيف تهدد الكراهية الناس"، وفق ما أوردت "تايمز".
"تغيير المفاهيم"
شهد العرض الذي استضافه مركز الملك فهد الثقافي، تصفيقاً حاراً بعد انتهائه، كما ارتسمت ابتسامة عريضة على وجوه الجمهور أثناء خروجهم من القاعة.
واستعرضت "تايمز" رأي الجمهور عقب العرض الأوبرالي، إذ تقول "لمياء": "أشعر بالفخر الكبير بهذا العرض، وعندما أرى أشخاصاً أجانب مهتمين بذلك فإنني أشعر بالفخر أيضاً، لأنه عادةً ما تكون لديهم صور نمطية عنّا".
بدورها، قالت سوسن البهيتي، السوبرانو السعودية وعضوة في فريق العرض: "أحد الأسباب التي دفعتني إلى أن أكون مغنية أوبرا، هو تغيير المفاهيم المتعلقة بالمملكة العربية السعودية، والنساء السعوديات".
وأضافت الصحيفة أنه بسبب وجود عدد قليل من فناني الأوبرا الذي يمكن الاعتماد عليهم في السعودية، بسبب منع هذا النوع من الفنون سابقاً، أشرك المنظمون في هذا العرض قائد الأوركسترا الإسباني بابلو جونزاليس، وفرقة ريسدنر سينفونيكر، مع جوقة برنو الفيلهارمونية التشيكية، كما أدّت مغنية ميزو سوبرانو، الإنجليزية سارة كونولي دور البطلة ذات العيون الزرقاء.
وذكرت "تايمز" أن هناك أملاً في أن يكون لهذا العمل الفني أثر إيجابي على الأوبرا والمسرح الصغير في السعودية.
ويقول عبد العزيز الأحمد، وهو أحد الحاضرين: "إنها مجرد خطوة أولى، وستشجع على اتخاذ الخطوة التالية".
واستغرق العمل على المشروع نحو ثلاث سنوات، بهدف تحويل القصة التاريخية إلى عمل أوبرالي، وعلى الرغم من تعدّد المصادر والروايات حول الشخصية، إلّا أن المؤلف صالح زمانان يرى "أن الانحياز للأسطورة هو الانحياز للفن".
ويضطلع المخرج السويسري دانييل فينزي باسكا، بمهمة إخراج الأوبرا بكامل تفاصيلها، فيما ألّف الأوبرالي العالمي الأسترالي لي برادشو، ألحان القصة الملحمية.
وتهدف هيئة المسرح والفنون الأدائية لإعادة إنتاج وإحياء أعمال وقصص شهيرة موروثة من الجزيرة العربية بأسلوب معاصر وإبداعي، وذلك في إطار الاستراتيجية الوطنية للثقافة المُنبثقة من رؤية المملكة 2030.