في ظل التصاعد المستمر للتوترات بين إيران وإسرائيل، تبرز مسألة "تكلفة الصواريخ" كأحد المفاهيم الحيوية في الصراع، إذ يتضح أن الدفاع غالباً ما يكون أكثر تكلفة من الهجوم.
وحسبما ترى صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، فإنه "ليس كافياً أن تمتلك دولة ما أفضل صاروخ أو قنبلة، بل يجب أيضاً أن تحتفظ بمخزون كبير بشكل كافٍ لتلبية احتياجاتها، وأن يكون لديها القدرة على تجديد هذا المخزون في حالة نشوب حرب طويلة الأمد"، مشيرة إلى أنه حتى بالنسبة لعملية تطوير الأسلحة القادرة على الطيران بسرعات تصل إلى آلاف الكيلومترات في الساعة، والمسلحة برؤوس حربية وأجهزة استشعار متطورة، فإن الأمر كله يعتمد على المال.
وأضافت الصحيفة، الخميس، أن لجنة التحقيق الحكومية الإسرائيلية في الحرب، ستحتاج إلى معالجة هذه القضية، فإلى جانب الإخفاقات السياسية والاستخباراتية التي أدت إلى هجوم 7 أكتوبر 2023، كان هناك خللاً كبيراً في إمداد سلاح الجو الإسرائيلي والوحدات المدرعة والمدفعية بالذخائر الكافية.
وأشارت الصحيفة، إلى قاعدة عسكرية معروفة تفيد بأن تكلفة الصاروخ الاعتراضي دائماً ما تكون أعلى من تكلفة الصاروخ الذي يتم اعتراضه، وذلك لأن الدفاع عادةً ما يكون أكثر تكلفة من الهجوم، وقد كان هذا هو الوضع مع نظام "باتريوت" ضد صواريخ "سكود" في حرب الخليج عام 1991، وهذا هو الحال مع أنظمة اعتراض القبة الحديدية ضد صواريخ "حماس" و"حزب الله" منذ عام 2011.
وهذه هي المعادلة التي يحاول نظام الاعتراض بالليزر "الشعاع الحديدي"، الذي يتم تطويره حالياً من قبل وزارة الدفاع الإسرائيلية وشركة "رافائيل"، لأنظمة الدفاع، تغييرها.
أنظمة اعتراض بالليزر
ووفقاً لـ"جيروزاليم بوست"، فإنه من المتوقع أن يتم تسليم أول أنظمة اعتراض بالليزر للجيش الإسرائيلي بحلول نهاية عام 2025، فبدلاً من استخدام صاروخ مخفي تبلغ تكلفته حوالي 100 ألف دولار، فإن هذا النظام الجديد يقلل من تكلفة اعتراض الصواريخ لتصل إلى بضعة دولارات فقط، والتي هي في الأساس تكلفة الكهرباء، ولذا فإن تكلفة هذا النظام تمثل ثورة اقتصادية وأمنية كبيرة، وذلك حتى بعد إضافة تكاليف الصيانة.
وبحسب تقارير الجيش الإسرائيلي، فإن إيران أطلقت 181 صاروخاً باليستياً على تل أبيب، الثلاثاء الماضي، واعترض نظام الدفاع الجوي في تل أبيب معظمها، كما اعترضت الولايات المتحدة، من خلال مدمرات الصواريخ الخاصة بها، 12 صاروخاً.
وتابعت الصحيفة: "هذا يعني أن طهران أطلقت حوالي 200 صاروخ، سقط بعضها في الطريق أثناء مرورها عبر إيران والعراق، وعادةً ما يكون الصاروخ الباليستي، الذي يتراوح مداه بين 1500 و2000 كيلومتر، باهظ الثمن، وتشير التقديرات إلى أن تكلفة إنتاج كل صاروخ تبلغ مليون دولار أميركي على الأقل، كما أنه تم استخدام نماذج متقدمة مثل "عماد" و"خيبر" وحتى "فاتح-1"، الفرط صوتي، أي أنه قادر على الطيران والمناورة بسرعات تتجاوز سرعة الصوت بـ5 مرات، في محاولة لخداع أنظمة الدفاع الجوي التي تحاول اعتراضه.
وذكرت الصحيفة، أنه على الرغم من أن نحو 200 مليون دولار يعد مبلغاً ضخماً بالنسبة لقصف صاروخي، كما أن هذا العدد بالتأكيد لا يمثل جزءاً ضئيلاً من مخزون الصواريخ الإيراني، إلا أن الضربة تبدو خفيفة نسبياً من وجهة نظر طهران، وذلك بالنظر لموارد البلاد المالية.
ووفقاً لتقرير أوردته "رويترز"، فإن إيران تمكنت، حتى في ظل العقوبات الدولية، من تصدير نفط بقيمة 35 مليار دولار سنوياً، ولذا فإن تكلفة هذا الهجوم الصاروخي تعادل يومين فقط من عائد الصادرات.
وفي استجابته للصواريخ الإيرانية، أطلق سلاح الجو الإسرائيلي صواريخ "أرو-2" و"أرو-3"، التي لا يتم إطلاقها ضد الصواريخ التي يحددها النظام على أنها تستهدف مناطق غير مأهولة أو غير ذات أهمية عسكرية.
ومع ذلك، فإن الإيرانيين استخدموا صواريخ أكثر دقة هذه المرة، مما أدى على الأرجح إلى تحسين دقة الاستهداف مقارنةً بالمحاولات السابقة، مما استلزم المزيد من عمليات الاعتراض، لكن الجيش الإسرائيلي لم يكشف عن عدد صواريخ "أرو" التي تم استخدامها أو ما إذا كان الأمر تطلب استخدام "مقلاع داوود" أو القبة الحديدية لاعتراض الأجزاء الأكبر من الصواريخ الإيرانية التي ليست رؤوساً حربية، ولكنها يمكن أن تسبب أضراراً جانبية، بحسب الصحيفة.
الصواريخ الإسرائيلية
ويبلغ سعر الصاروخ القديم من طراز "أرو-2"، الذي يعترض هدفه على ارتفاعات عشرات الكيلومترات في الغلاف الجوي، حوالي 3 ملايين دولار، فيما تبلغ تكلفة الصاروخ الأحدث من طراز "أرو-3"، الذي يعترض الصواريخ الباليستية في الفضاء على مسافات أبعد من الحدود الإسرائيلية، حوالي 2 مليون دولار، ولذا فإنه في حال كان قد تم استخدام حوالي 180 صاروخاً من "أرو-3"، باستخدام كلا النوعين، فإن تكلفة الاعتراض ستصل إلى حوالي 450 مليون دولار، أي أكثر من ضِعف تكلفة الهجوم الصاروخي الإيراني نفسه.
ووفقاً للبنك الدولي، فإن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل يبلغ أكثر من ضعف نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في إيران، وهو ما يتمثل في 50 ألف دولار مقابل 20 ألف دولار في عام 2022، لكن عدد سكان إسرائيل 10 ملايين نسمة، في حين يبلغ عدد سكان إيران 90 مليون نسمة، وقد جاء معظم التمويل لشراء صواريخ "أرو-3" الاعتراضية من الولايات المتحدة، التي استثمرت حوالي 4 مليارات دولار في المشروع حتى الآن.
وبالنظر إلى استعداد الولايات المتحدة لمواصلة تمويل أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، كما تفعل مع القبة الحديدية و"مقلاع داود"، فإن القيد الرئيسي الذي قد تواجهه تل أبيب سيتمثل في وتيرة الإنتاج، فضلاً عن القدرة على شراء المكونات الأساسية.
وكانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن اقترحت ميزانية خاصة، وافق عليها الكونجرس، بقيمة 14.1 مليار دولار منذ اندلاع الحرب، تشمل أكثر من 4 مليارات دولار مخصصة لتجديد مخزونات الصواريخ الاعتراضية وتعزيز تطوير وشراء نظام الاعتراض بالليزر، لكن الصحيفة قالت إن هذه التقنية لن تكون قوية بشكل كافٍ في المستقبل القريب لاعتراض الصواريخ الباليستية.
وأضافت الصحيفة أن استمرار الاستثمارات الأميركية هذه، سيعتمد على العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، معتبرة أن بند الدفاع الجوي سيمثل عبئاً ثقيلاً على ميزانية الدفاع الإسرائيلية في حال غياب التمويل الأميركي.