
على الرغم من أن الغزو الروسي لأوكرانيا شهد استخداماً مكثفاً للطائرات المسيرة، إلا أن تداعيات هذا الأمر لم تتجاوز حدود البلدين إلا مؤخراً، بعد اتهامات لمسيرات روسية باختراق المجال الجوي لبولندا، وهو ما أقلق واشنطن.
واتسعت دائرة الاتهامات بعدما أفادت تقارير بتحليق طائرات مسيرة حول مطارات في الدنمارك والنرويج ما أدى إلى تعطيلها، في خطوة اعتبرها محللون أنها كانت برعاية الكرملين.
لم تقع هذه الاختراقات بمنأى عن الأحداث في المنطقة، وهي بمثابة "اختبارات" لدفاعات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في مواجهة منصات حربية سريعة التطور، بحسب مجلة The National Interest.
ومع تزايد قلق القادة العسكريين الغربيين إزاء سرعة تغير ساحة معركة الطائرات المسيرة، يواجه حلف "الناتو" ضرورة ملحة، وهي دمج ابتكارات أوكرانيا الحربية في دورات التخطيط والإنتاج الدفاعية الخاصة به في دورات إنتاج الحلف.
وأحدث الغزو الروسي لأوكرانيا "تحولاً جذرياً" في حرب الطائرات المسيرة، لدرجة أن الولايات المتحدة، بصناعتها الدفاعية الضخمة وجيشها المتطور، واجهت صعوبة في التكيف مع هذا التحول.
وتتفوق الولايات المتحدة في بناء الطائرات المقاتلة والدبابات والصواريخ دقيقة التوجيه المتطورة، ولكنها تتخلف عن الركب عندما يتعلق الأمر بالإنتاج الضخم لأنظمة رخيصة الثمن، وقابلة للاستبدال بوتيرة سريعة.
وتفتقر القوات الأميركية إلى الخبرة القتالية في عمليات الطائرات المسيرة التي اضطر الجنود الأوكرانيون إلى اكتسابها.
وأقرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) بوجود هذه الفجوة، فوجه وزير الدفاع الأميركي، بيت هيجسيث، في يوليو الماضي، مذكرة إلى كبار الضباط تضع خطة لتسريع اعتماد الجيش الأميركي للطائرات المسيرة.
ومنذ ذلك الحين، بدأت القوات الأميركية تجارب على طائرات مسيرة مطبوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، والتدريب على أجهزة المحاكاة.
ووصفت The National Interest، خطوة البنتاجون بـ"المهمة"، لكنها أكدت حقيقة مُقلقة، وهي أن الولايات المتحدة تسابق الزمن للحاق بالركب.
الشراكة مع أوكرانيا
على عكس الولايات المتحدة، عززت أوكرانيا منظومة ديناميكية لتطوير المسيرات، تتميز بالمرونة والتطور السريع.
وقالت وزارة الدفاع الأوكرانية، إن أكثر من 95% من الطائرات المسيرة المستخدمة في الخطوط الأمامية مصنعة محلياً، لافتة إلى أن ما يجعل هذه الأنظمة فعالة بشكل خاص هو دورة الابتكار السريعة.
وفي حين أن عملية الشراء التي ينفذها البنتاجون ربما تستغرق سنوات أو حتى عقوداً، فإن الشركات الأوكرانية غالبا ما تُحسن تصميماتها في غضون أسابيع، بفضل "رجع الصدى" المباشر من الجنود في الخطوط الأمامية.
وتضمن هذه الحلقة المتواصلة من رجع الصدى والتقييم المباشر تصميم النماذج الجديدة بما يتناسب مع ظروف ساحة المعركة، مثل التشويش الإلكتروني، وحرب الخنادق، والأجواء المتنازع عليها.
مسيرات قتالية ليلية
وفي كثير من الحالات، تتفوق الطائرات الأوكرانية المسيرة الآن على البدائل التجارية الغربية تحديداً لأنها مصممة للحرب، وليس للاستعراضات في أوقات السلم.
ومن أوضح الأمثلة على ذلك تطوير أوكرانيا لطائرات مسيرة قتالية ليلية.
وأصبحت قاذفات القنابل الليلية الأوكرانية المسيرة، المعروفة مجتمعةً باسم Baba Yaga، من بين أكثر الأسلحة إثارة للخوف في ساحة المعركة.
وتجمع الطائرات المسيرة الثقيلة، مثل Kazhan من شركة Reactive، بين القدرة على الضرب، والقابلية لتبديل مكوناتها، وهي قادرة على حمل قذائف مدفعية، وقذائف دبابات، وألغام مطابقة لمعايير حلف شمال الأطلسي.
وبخلاف العديد من الطائرات الغربية المسيرة التجارية، صُممت طائرة Kazhan خصيصاً للقتال، وهي مزودة بكاميرا حرارية ونهارية مزدوجة. وتُعد الطائرة مثالية للاستخدام الليلي والنهاري.
وبفضل جهاز راديو مُطور محلياً، وقدرتها على التنقل بسرعة في إحداثيات محددة مسبقاً، تتمتع Kazhan بمرونة عالية ضد أنظمة الحرب الإلكترونية، وقادرة على تنفيذ مهامها حتى في مواجهة محاولات التشويش.
ظروف قتالية حقيقية
وأكدت مصادر أوكرانية أن هذه الطائرات المسيرة تُختبر باستمرار في ظروف قتالية حقيقية، وهو أمر نادراً ما تخضع له الأنظمة الغربية قبل نشرها.
ومع اقتراب موسكو من المواجهة المباشرة مع حلف الناتو، ينبغي على الحلف إدراك أن قطاع الدفاع الأوكراني يُمثل بحد ذاته "رصيداً استراتيجياً"، ولا غنى عنه لإعداد الحلف لمعارك المسيرات في المستقبل، بحسب The National Interest.
ويبدو أن الكونجرس فتح الباب بالفعل للإنتاج المكثف للطائرات المسيرة. ويُمثل مشروع قانون المصالحة الدفاعية، الذي أعدته لجنتي القوات المسلحة في مجلسي النواب والشيوخ بالولايات المتحدة، والبالغة قيمته 150 مليار دولار، والذي يُخصص استثماراً تاريخياً لأنظمة الطائرات المسيرة، والأنظمة غير المأهولة، فرصة نادرة لزيادة الإنتاج.
ومن خلال إنشاء مشاريع مشتركة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، يُمكن للغرب تسريع دمج الطائرات المسيرة المتطورة في قوات حلف الناتو، وكذلك إنشاء قاعدة إنتاج مرنة قادرة على التفوق على روسيا وردع أي عدوان آخر.
نقاط ضعف
وكشفت الحرب في أوكرانيا عن نقاط ضعف الصراعات الحديثة وفرصها.
وتشير وتيرة الابتكارات في أوكرانيا إلى "الحل" لعلاج إلحاح دول "الناتو" في إنتاج الطائرات المسيرة، للرد على التوغل المزعوم للطائرات المسيرة في أراضي "الناتو".
ولم يعد الأمر يقتصر على إبقاء أوكرانيا في ساحة القتال فحسب، بل يتعلق أيضاً بإعداد الغرب لحروب الغد.
وتمتلك الولايات المتحدة الموارد، وتتمتع أوكرانيا بخبرة ميدانية واسعة، ومعاً تُتاح لهما الفرصة لإعادة تعريف مفهوم الردع في عصر الطائرات المُسيرة.
ولكي تنجح الشراكة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، ستحتاج كييف إلى تعزيز مرونتها في زمن الحرب بإصلاح سياساتها، ومنها إزالة العقبات البيروقراطية التي تعوق الاستثمار الأجنبي، والتعاون في قطاع الدفاع، وفق المجلة نفسها.