اعتمدت إسرائيل منذ عام 1968، بشكل رئيسي على المقاتلات الأميركية المتقدمة في بناء أسطولها الجوي، حيث اقتنت أول مقاتلة من الجيل الثالث من طراز F-4E Phantom، بعد العدوان الذي شنته على دول عربية عام 1967.
وبحسب مجلة "ميليتاري ووتش" المتخصصة في الشؤون العسكرية، فإن إسرائيل تعتبر أول عميل أجنبي يقتني مقاتلات الجيل الرابع الأميركية من طراز F-15 Eagle، وF-16 أواخر السبعينيات، وثاني قوة جوية أجنبية تقتني مقاتلات الجيل الرابع، بعد إيران التي حصلت على طائرات F-14، في سبعينيات القرن الماضي، قبل الإطاحة بالشاه.
وفي حين منحت واشنطن، طهران قبل الإطاحة بنظام الشاه عام 1979، الأولوية كعميل رئيسي لمقاتلاتها، بسبب موقعها الاستراتيجي، وحدودها مع الاتحاد السوفيتي وقتها، كانت إسرائيل تشتبك مع مقاتلات سوفيتية على نطاق واسع في حربها مع دول عربية، ودفع عجز تل أبيب عن مجابهة مقاتلات MiG-25 إلى ضرورة حصولها على مقاتلات جديدة.
وبعد وقت قصير من استلام إسرائيل أولى مقاتلات F-16، استخدمتها تل أبيب لتدمير مفاعل "أوزيراك" النووي في العراق عام 1981، وقبيل الإطاحة بالحكومة الإيرانية عام 1979، كانت طهران على وشك إتمام صفقة ضخمة لاقتناء مقاتلات F-16، لكن التطورات في إيران حالت دون ذلك، ما سمح بمنح هذه الطائرات إلى إسرائيل.
أسطول F-16 إسرائيلي
وأصبحت تل أبيب وفق المجلة، أكبر مشغل أجنبي لمقاتلات F-16 باستحواذها على أكثر من 250 طائرة، ولكنها كانت تطمح لبناء أسطول أكبر من هذه المقاتلات، والحصول على ترخيص لإنتاج فئات معدلة محلياً منها.
وبعد تقييم طائرات F-16 خلال حقبة السبعينيات، خططت وزارة الدفاع الإسرائيلية إلى شراء 50 مقاتلة من هذا الطراز بحلول عام 1977، ثم سعت للتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة للحصول على ترخيص من أجل إنتاج ما يصل إلى 400 مقاتلة محلياً.
وقضت الخطط الإسرائيلية، آنذاك، بأن يضم الأسطول الجوي حوالي 590 مقاتلة، بينها 450 من طراز F-16، و60 طائرة من طراز F-15، و80 طائرة هجومية من طراز Kfir الإسرائيلية محلية الصنع، وفقاً لـ"ميليتاري ووتش".
وأشارت المجلة إلى أن وزارة الدفاع الإسرائيلية كانت تسعى إلى الحصول على تصاريح أميركية لإنتاج هذه المقاتلات محلياً، لإدخال تعديلات جوهرية عليها، تركز على صواريخ جو-أرض.
ويُعتقد أن التعديل الذي كانت تنوي تل أبيب إدخاله على مقاتلات F-16، يشبه ما قامت بتطويره في مقاتلات الجيل الثاني من طراز Mirage III، وMirage 5، ثم إنتاج مقاتلة أخرى محلية مشتقة من تصميم Mirage، وهي المقاتلة Kfir، التي تم تعديلها بشكل كبير لتنفيذ مهام الهجوم الأرضي.
وكان من شأن سماح واشنطن لتل أبيب بإنتاج نسخة معدلة من طائرات F-16، ليكون مشابهاً بتعديل اليابان على المقاتلة نفسها، لإصدار طراز F- 2 الأكبر حجماً والأكثر تقدماً، مستفيدة من قدراتها في صناعة المواد المركبة والإلكترونيات المتقدمة لإنتاج طائرة أفضل أداء في الطيران، ومزودة بقدرات حرب إلكترونية وأجهزة استشعار، وذات قوة قتالية أكبر.
رفض أميركي
لكن واشنطن رفضت طلب إسرائيل للحصول على ترخيص لإنتاج مقاتلات F-16 محلياً في عام 1977، أي قبل عام من انضمام هذه المقاتلات إلى سلاح الجو الأميركي، وذلك على الرغم من أن الولايات المتحدة سمحت لدول مثل كوريا الجنوبية، واليابان وتركيا بذلك لاحقاً.
وبغض النظر عن التحفظات السياسية في واشنطن، آنذاك، إزاء منح إسرائيل ترخيصاً لإنتاج مقاتلات F-16 محلياً، إلا أن المجلة أشارت إلى أن شركة "جنرال دايناميكس" المصنعة للمقاتلة F-16 كانت قلقة حيال إقدام تل أبيب على إجراء هندسة عكسية للمقاتلة كما فعلت مع الطائرة الفرنسية Mirage III، لطرح النسخة المعدلة الخاصة بها للتصدير.
وفي ظل عدم قدرة إسرائيل على إنتاج مقاتلات F-16، سعت بدلاً من ذلك إلى تطوير طائرة هجومية محلية الصنع أخف وزناً من F-16، وهي المقاتلة Lavi متعددة المهام، حيث ركزت تل أبيب أثناء تطوير هذه المقاتلة على دعم قدراتها على تنفيذ المهام جو - أرض، واكتسب البرنامج زخماً بحلول منتصف الثمانينيات.
ورغم أن الطائرة الإسرائيلية لم تكن تضاهي المقاتلة F-16، إلا أنه كان من المتوقع أن يتم تسويق الطائرة الإسرائيلية في الولايات المتحدة كخليفة لطائرة الهجوم الأرضي A-10، لكن البرنامج انتهى عام 1987، بعد 10 سنوات من تبدد آمال إسرائيل في إنتاج مقاتلات F-16.
أسطول قديم
وتملك تل أبيب حالياً أسطولاً من مقاتلات F-16 يتألف من 250 مقاتلة، غالبيتها ذات مقعدين، على عكس الفئة ذات المقعد الواحد الأكثر شيوعاً خارج إسرائيل، ويرجع سبب تركيز تل أبيب على امتلاك الفئة ذات المقعدين إلى أن أسطولها الجوي يركز بشكل كبير على العمليات جو - أرض، والتي يعتبر فيها المقعد الثاني المخصص لضابط أنظمة الأسلحة أمراً أساسياً.
وأصبح الأسطول الإسرائيلي من طائرات F-16 متقادماً بسبب عدم إدخال التحديثات الجديدة على المقاتلات، إلى جانب الاعتماد المستمر على تقنيات الطيران القديمة، بما في ذلك رادارات المسح الميكانيكي، بينما قامت دول أخرى بتحديث طائرات F-16 لديها مثل كوريا الجنوبية وتايوان، عبر دمج رادارات مسح إلكتروني من طراز AN/APG-83 في الطائرة، إلى جانب ترقيات أخرى تعطي للطائرة أداءً طيران أفضل، وتحسن قدرات الوعي الظرفي لديها.
وخلّصت مجلة "ميليتاري ووتش" إلى أنه مع بدء خروج طائرات F-16 من الخدمة تدريجياً اعتباراً منذ أواخر عام 2010، إلا أنه من غير المؤكد ما إذا كانت إسرائيل ستواصل تشغيل هذه المقاتلات خلال العقد المقبل، وما هي الطائرة التي يمكن أن تحل محلها في الخدمة بالنظر إلى عدم قدرتها على تحمل تكاليف عمليات الاستحواذ الكبيرة لخليفتها F-35، والتي طلبت إسرائيل منها 75 طائرة فقط.