هل تُلبي صناعة الدبابات احتياجات الجيش الروسي؟

قُدرت صناعة الدبابات السوفيتية، طوال معظم فترة الحرب الباردة، بأنها أكبر من تلك الموجودة في دول العالم مجتمعة، حيث بلغ إنتاجها أكثر من 4000 مركبة سنوياً في الثمانينيات، من خمسة مصانع دبابات منفصلة. 

وكانت أكبر ثلاثة مصانع مركبات مدرعة روسية، هي: Malyshev، وOmsktransmash، لإنتاج دبابات T-64، ودبابات T-80، ومصنع Uralvagonzavod يُنتج دبابات T-72 الأرخص، وذلك بحسب ما ذكرته مجلة Military watch.

وذهبت الغالبية العظمى من الدبابات المنتجة إلى الجيش السوفيتي، برغم أن صادرات الدبابات في فترة الاتحاد السوفيتي، كانت أكبر بعدة مرات من صادرات أي دولة أخرى.

وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي في عام 1991، انتهت الطلبات المحلية للدبابات الجديدة، حيث شهد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أدنى الطلبات بـ10 مركبات فقط للاستخدام المحلي، بينما ظل الإنتاج لمدة 30 عاماً عند حوالي 100 مركبة سنوياً، ذهبت غالبيتها إلى الخارج. 

وفي حين كانت الطلبيات من الصين في قطاع الطيران أساسية لاستدامة الصناعة الروسية خلال التسعينيات، إلا أن الدبابات كان وضعها مختلفاً، بعدما تقلص عدد العملاء لدى موسكو إلى الهند والجزائر، اللتين أصبحتا تُشغلان المزيد من دبابات T-90 الجديدة، أكثر من الجيش الروسي نفسه قبل عام 2022.

وكانت إيران أيضاً من أبرز الأسواق في التسعينيات، إلى أن أوقفت موسكو صادرات دبابات T-72، بسبب ضغوط من واشنطن. 

وأدى اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022، والخسائر الكبيرة بين وحدات T-72 في الأسابيع الأولى من الصراع، إلى بذل جهود واسعة النطاق، لزيادة الإنتاج.

وأكد نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، ديمتري ميدفيديف، في مارس 2023، أنه سيتم تصنيع 1500 دبابة، قبل نهاية  العام. 

وفي أوائل الشهر الجاري، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أن القوات البرية تسلمت أكثر من 1500 دبابة جديدة ومحدثة، بالإضافة إلى أكثر من 2500 مركبة مشاة قتالية، وناقلات جنود مدرعة.

ونظراً لأن T-90M، وT-14 هما فئتا الدبابات الوحيدتان المحليتان الإنتاج في روسيا، والأخيرة يتم تصنيعها بأعداد صغيرة جدًا، فإن أعداد T-90M ارتفعت بشكل هائل. 

زيادة في إنتاج الدبابات الروسية

بدت التوقعات الأولية للزيادة الهائلة في إنتاج الدبابات الروسية ذات مصداقية إلى حد ما، بسبب القدرة الصناعية الهائلة التي ورثتها البلاد من الحقبة السوفيتية، والتي كان من المتوقع عند مستويات الحرب المرتفعة أن تكون قادرة على إنتاج أكثر من 7000 دبابة T-72، و T-80 سنوياً. 

وتعتبر إمكانية زيادة إنتاج دبابة T-90 إلى أكثر من 1000 مركبة سنوياً، مع كونها مشتقة من T-72 الأقل تعقيدًا، "منطقية"، ولكن التقييم الدقيق لإنتاج الدبابات الروسية يشير إلى خلاف ذلك.  

وأبلغت روسيا عن عملية شراء 270 دبابة T-90M في عام 2017، ولكن الغالبية العظمى منها عبارة عن دبابة T-90 محدثة تم تصنيعها بالفعل، ما يجعل المركبات المبنية حديثاً تشكل أقل من الثلث، وجرى الإبلاغ عن هذه العمليات على أنها عمليات تسليم جديدة، ما يعني أن عمليات الاستحواذ على الدبابات كانت كبيرة.  

وأدى نجاح قطاع الدفاع الروسي في تحديث وتجديد الدبابات السوفيتية الصنع من المخزون، بمعدل يزيد عن 100 دبابة شهرياً، إلى تحسين كبير في إمكاناتها القتالية، فقد تم تقديمها كعمليات تسليم جديدة، باعتبار أن قطاع الدفاع كان "ينتج 1500 دبابة". 

وتكشف نظرة فاحصة على أرقام T-90M أن عمليات التسليم، لا تزال أقل بكثير من 200 سنوياً، ولا تتخطى غالباً 130 سنوياً، قبل الحرب.

وزعمت مصادر غربية أن عمليات التسليم منخفضة، تصل إلى 60 دبابة سنوياً، برغم من أن مثل هذا الانكماش في الإنتاج لا يزال مستبعداً إلى حد كبير، عند النظر في كل من الوتيرة المتزايدة التي شوهدت بها المركبات في أوكرانيا، والمخزون الكبير في سلسلة التوريد التي تحتفظ بها الصناعة الروسية، لتأمين قدراتها الإنتاجية.  

وفي حين أن وضع إنتاج الدبابات أقل خطورة بكثير مما زعمت المصادر الغربية، إلا أنه لا يزال "مخيباً للآمال" مقارنة بتوقعات خروج مئات من دبابات T-90M من خطوط الإنتاج سنوياً، أو بمستويات الإنتاج الهائلة في الحقبة السوفيتية، ويتناقض مع النجاح الكبير الذي حققته صناعة الصواريخ في زيادة إنتاج الأصول، مثل الصواريخ الباليستية التي تطلق من الجو من طراز Kinzhal، وأنظمة Iskander-M.  

وحظيت صناعة الصواريخ باهتمام أكبر بكثير في سنوات ما بعد الاتحاد السوفيتي، على عكس الدبابات التي تم إهمالها نسبياً بسبب الأعداد الكبيرة الموروثة من الحقبة السوفيتية، وانخفاض قيمة الردع الاستراتيجي مقارنة بتكلفتها.  

فشل أوكراني في المواجهة

أدى فشل الهجمات الأوكرانية ضد المواقع الروسية اعتباراً من يونيو 2023 إلى إزالة الحاجة الملحة لتسليم مركبات جديدة، حيث دمرت القوات الروسية الدبابات الأوكرانية بعدة أضعاف خسائرها، باستخدام أصول مثل صواريخ كورنيت المحمولة، والألغام، والدبابات، والطائرات المروحية الهجومية من طراز Ka-52.   

ومع الانهيار التدريجي للقدرة العسكرية الأوكرانية، ستظل روسيا تحتفظ بحوافز قوية لزيادة إنتاج الدبابات، لدعم موقفها على المدى الطويل ضد حلف شمال الأطلسي "الناتو"، والذي من المتوقع أن تظل التوترات معه مرتفعة. 

وتتحرك روسيا نحو إحياء قدرتها على إنتاج الدبابات بشكل تدريجي، في وقت يعمل أعضاء حلف الناتو بشكل كبير على تحسين قدراتهم الحربية المدرعة في أوروبا الشرقية.  

وتعتبر خطط بولندا، وتركيا لشراء ما يقرب من 1000 دبابة K2 الكورية الجنوبية المتطورة لكل منهما، والتي هي أكثر قدرة بكثير من T-90M، أو من Challenger 2، وLeopard 2، وAbrams M1، مثال حي على سعي دول "الناتو" لزيادة قدراتها المدرعة. 

ويُرجح أن تظل قدرات الجيش الروسي أكبر بكثير مما كانت عليه قبل الحرب في أوكرانيا، خاصة مع دمج الميليشيات من شرق أوكرانيا في صفوفه، بالإضافة إلى زيادة إنتاج T-90، وT-80، ما يسمح لموسكو بالتخلص التدريجي من بعض المركبات السوفيتية الأقل قدرة مثل T-62، والتي تم إدخالها إلى الخدمة لزيادة الأرقام.  

وستتطلب استعادة تدفقات الإيرادات من صادرات T-90، استعادة الإنتاج بما يتجاوز المعدلات التي يطلب بها الجيش المركبات، ما سيسمح للصناعة بتجهيز الدول الصديقة مثل: بيلاروس، والهند، والجزائر.