تصاعدت مؤخراً وتيرة استهداف العمق الروسي بالمسيرات الأوكرانية التي لم تعد تستهدف فقط تلك المناطق الحدودية مثل بيلجورود وبريانسك وكورسك، بل توسعت جغرافيتها لتطال مناطق أبعد تشمل الجزء الجنوبي الغربي من البلاد، بينما تخطط روسيا، ضمن إجراءات دفاعية أخرى، لمضاعفة إنتاجها من الطائرات المسيرة لمواجهة الهجمات الأوكرانية.
واستهدفت المسيرات إقليم كراسنودار وأستراخان وشبه جزيرة القرم، وفي بعض الأحيان تصل إلى مناطق محيطة بالعاصمة موسكو، لتعلن وزارة الدفاع الروسية بشكل يومي اعتراض وإسقاط مسيرات خصومها في أوكرانيا.
وتتوعد الخارجية الروسية بالرد على أوكرانيا، معتبرة في تصريحات على لسان مسؤول لـ"الشرق"، إن "استهداف المناطق الروسية من قبل القوات الأوكرانية متعمد، وهدفه يكمن في تخويف المدنيين، وزعزعة الوضع داخل البلاد".
وأعلن القائم بأعمال حاكم مقاطعة كورسك أليكسي سميرنوف، الأربعاء، أن مسيرات أوكرانية هاجمت أراضي مؤسسة صناعية في بلدة سودجا، دون وقوع ضحايا، لكن الهجوم أسفر عن تضرر المباني والمعدات التقنية في المؤسسة.
كما أعلن عن هجوم آخر استهدف مؤسسة غير عاملة في مدينة إلغوف بالمقاطعة نفسها، ما أسفر عن اندلاع حريق جراء إلقاء عبوات ناسفة من المسيرة. سبقها، هجوم أوكراني طال عبّارة بميناء قوقاز بإقليم كراسنودار الجنوبي تسبب بمصرع شخص، وإصابة 4 آخرين.
ومنذ أيام، تحدثت قنوات إخبارية عدة عن تعرض مطار عسكري روسي في موروزوفسك بمقاطعة روستوف لهجوم بطائرات مسيرة مصدرها أوكرانيا.
منشآت الطاقة هي الأخرى من أهم وجهات الاستهداف الأوكراني، حيث تعرضت 10 مصافي نفط كبيرة من أصل 45 لأضرار بدرجات متفاوتة خلال الأشهر الأولى فقط من العام الحالي، بحسب وسائل إعلام روسية.
وتحاول أوكرانيا عبر كل تلك الاستهدافات، إظهار أنها مازالت تحتفظ بقدرات عسكرية، ومازالت تخوض عمليات حربية، بحسب ما ذكره الخبير العسكري فيتشاسلاف شوريجين.
وقال شوريجين لـ"الشرق"، إن "أوكرانيا ما زالت تحتفظ بشكل أو بأخر بجزء من صناعتها العسكرية"، لافتاً إلى أن "كييف تحاول إظهار أنها مازالت تحتفظ بقدرات عسكرية، ومازالت تخوض عمليات حربية، وتستخدم هذا الموضوع كوسيلة لترويج لهذه القدرة".
ضحايا المسيرات
ويتهم الجانب الروسي، كييف، بارتكاب جرائم بحق المدنيين الروس، إذ أفاد سفير المهام الخاصة في وزارة الخارجية الروسية روديون ميروشنيك، الأربعاء، في أحدث احصائيات بـ"إصابة 623 مدني بجروح، ومصرع 107 أشخاص، وذلك منذ بداية العام الجاري فقط".
وأشارت روسيا إلى أن الحكومة الأوكرانية تستخدم أنواعاً مختلفة من المسيرات في ضرباتها وتعمدها لاستهداف المدنيين، لافتةً إلى أن العدد الأكبر من الضحايا رصد في مقاطعة بيلجورود، تلتها منطقة دونيتسك، التي تعتبرها روسيا جزءاً من أراضيها، لتأتي مقاطعة كورسك في المرتبة الثالثة.
ويرى ميروشنيك في تصريحاته لـ"الشرق"، أنه "عندما يتم استهداف المراكز الطبية، أو إلقاء متفجرات على حديقة يلعب فيها الأطفال، وليس مهماً في أي منطقة، هذه جريمة تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة، كما أنها جريمة حرب".
واعتبر أن "ما يقوم به الجانب الأوكراني هو تصرف متعمد وساخر، وهم على علم بما يقومون به ونتيجته النهائية، فهم عندما يوجهون الضربات يرون من أمامهم، إذ يرون أن هذا طفل، وهذه مرأة أو سيارة إسعاف، أو سيارة إطفاء".
وتعهدت موسكو بأنها "لن تقف مكتوفة الأيدي"، حيث تعمل هيئاتها الخاصة على التحقق، وإعداد تقارير لتقديمها للمنظمات الدولية المعنية، متوعدة بـ"معاقبة الحكومة الأوكرانية على كل جريمة ارتكبتها"، ووصفتها موسكو بـ"اللإنسانية".
وأوضح سفير المهام الخاصة في وزارة الخارجية الروسية، أن بلاده ستقوم بنقل المعلومات لممثليها في الأمم المتحدة، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ومجلس حقوق الإنسان، بالإضافة إلى التمثيليات الروسية في الخارج التي بوسعها تقديم هذه المعلومات.
وأضاف: "نتيجة لذلك يجب أن تصل هذه المعلومات وتوضع في تقارير خاصة، وهو الأمر الذي يخلق الحيرة لدينا، كون أنه للأسف هنالك هيئات عدة منها حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، تقوم بتحرير معلوماتنا بطريقة تكون صيغتها لصالح أوكرانيا".
وشدد المسؤول الروسي على ضرورة "وقف إرسال أسلحة لكييف"، وأردف: "هنا يجب أن يصر دافعوا الضرائب من دول غربية أو أخرى بوقف تزويد أوكرانيا بالسلاح، إذ أن هذه الدول تخسر أموال ميزانياتها كما سنقوم بتقديم جميع المنفذين والموجهين ومن يؤكد على السياسة الإجرامية إلى محكمة جنائية. في الوقت الحالي تم فتح أكثر من 4500 قضية جنائية وأكثر من 400 حكم صدر في محاكمنا. وبالتأكيد سيعاقبون".
توسع التحالف الغربي لدعم أوكرانيا
وانضمت جمهورية التشيك، الثلاثاء الماضي، إلى التحالف الذي تقوده لاتفيا وبريطانيا لتزويد أوكرانيا بطائرات مسيرة، إذ وقع وفدها على مذكرة تفاهم خلال قمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" التي عقدت، الأسبوع الماضي، في واشنطن، لتصبح التشيك العضو السادس عشر في التحالف.
ويضم هذا التحالف حالياً، كل من التشيك ولاتفيا وبريطانيا وأستراليا والدنمارك وفرنسا وإستونيا وإيطاليا ونيوزيلندا وكندا وليتوانيا وهولندا وبولندا وأوكرانيا وألمانيا والسويد.
وفي هذا السياق، لفت الخبير العسكري شوريجين، إلى أن "أوكرانيا تستخدم حالياً مسيرات ذات مدى بعيد بشكل يومي بإمكانها اختراق العمق الروسي".
وأوضح شوريجين، أن "أوكرانيا تستخدم أكثر من 20 نوعاً من المسيرات، من بينها تلك التي يجري تجميعها بشكل يدوي، ويقدر عددها بعشرات الآلاف، وأخرى كبيرة استطلاعية أو هجومية"، لافتاً إلى أن "بعضها مجهز بـGPS. ونظام تحكم غربي وذات مدى جيد نسبياً يصل إلى 1000-1200 كم، وهو ما يسمح بتوجيهها من خلال الأقمار الصناعية".
وذكر أن "كييف تستخدم حالياً ما بين 50 إلى 100 مسيرة ذات المدى البعيد بشكل يومي، والتي يمكنها اختراق الأجواء الروسية، واستهداف منشآتنا"، معتبراً أن "المسيرات عنصر جديد بالحرب الأوكرانية".
وفي بداية العام الجاري، دعا الرئيس فلاديمير بوتين إلى التفوق على "الخصم" في إنتاج الطائرات المسيرة المخصصة لاستطلاع أو الهجوم، معتبراً أنها أصبحت "إحدى وسائل الحرب الحديثة".
خطة روسية لمضاعفة إنتاج المسيرات
وأعلنت الحكومة الروسية، زيادة إنتاج أنواع مختلفة من المسيرات بأكثر من 5 أضعاف بحلول عام 2030، فيما سارعت شركة "كالاشنيكوف" الروسية العملاقة من عملية إنتاجها، وتحدثت عن زيادة قدرها 10 مرات خلال العام الحالي، كما كشفت خططاً لزيادة حجم الإنتاج عدة مرات العام المقبل.
وفي هذا الصدد، لا يتوقف إنتاج هذه الوسائل في العديد من الشركات داخل روسيا، بل يعمل متطوعون كذلك على صناعتها في مدن عديدة لترسل، فيما بعد إلى الجيش الروسي.
الخبير العسكري شوريجين لفت إلى أن "روسيا فعلياً زادت من عملية الإنتاج"، مشيراً إلى لدى موسكو "أكثر من 30 نوع مختلفاً من المسيرات".
وأضاف: "الحكومة أطلقت برنامجاً لتطوير هذا القطاع، بدءاً من مسيرات هجومية صغيرة، ويتم العمل أيضاً على تطوير مسيرات استراتيجية من طراز (جيران) على سبيل المثال، لكننا مازلنا لا نتفوق على الولايات المتحدة في إنتاج المسيرات الاستراتيجية التي بإمكانها التحليق في السماء لعدة أيام".
وكلف الرئيس الروسي في أبريل الماضي، وزارة الصناعة والتجارة بمساعدة شركة "روسكي كوبل" في تطوير إنتاج أنظمة لكشف وإحباط هجمات المسيرات، مع الأخذ بعين الاعتبار الحاجة لزيادة حصة قاعدة المكونات الإلكترونية المحلية في هذه الأنظمة.
ورأى الخبير السياسي والعسكري سيرجي ستروكان، أنه "على الحكومة الروسية تعزيز أنظمة الدفاع الجوي في المناطق القريبة من الحدود الأوكرانية".
وشدد ستروكان في تصريحاته لـ"الشرق"، على "ضرورة تعزيز بلاده لأنظمة الدفاع الجوي التي بإمكانها إسقاط المسيرات، وكذلك نشر مسيرات روسية قادرة على تدمير نظيرتها الأوكرانية"، و"إجراءات أخرى مثل توجيه ضربات استباقية ما يعني باستهداف المسيرات قبل إقلاعها، وتوجهها نحو الأراضي الروسية، وذلك بواسطة أنظمة الاستطلاع لمعرفة مكان وجودها"، واصفاً ذلك بأنه "عمل ليس بالسهل".