
كشفت دراسة حديثة شارك فيها باحثون من معهد "كارولينسكا" في السويد عن إمكانية تشخيص سرطان البروستاتا في مراحله المبكرة من خلال عينة بول بسيطة.
واعتمد البحث على تحليل نشاط الجينات في الخلايا السرطانية باستخدام الذكاء الاصطناعي، ما مَكَّن الفريق من تحديد مؤشرات حيوية جديدة تتميز بدقة تشخيصية عالية.
ويُعد سرطان البروستاتا أحد أكثر أنواع السرطانات فتكاً بالرجال حول العالم، ويواجه الأطباء تحدياً كبيراً في تشخيصه مبكراً بسبب نقص المؤشرات الحيوية الدقيقة.
وفي هذه الدراسة، تعاون باحثون من معهد كارولينسكا، وإمبريال كوليدج لندن، ومستشفى شيونان في الصين، لتطوير نموذج رقمي لسرطان البروستاتا بناء على تحليل آلاف الخلايا الفردية في الأورام.
نماذج متكاملة
ومن خلال تحليل نشاط الحمض النووي الريبوزي في هذه الخلايا، وتحديد موقعها ودرجة تطور السرطان فيها، تَمكَّن الباحثون من إنشاء نماذج رقمية متكاملة، وبعد ذلك، استخدموا الذكاء الاصطناعي للعثور على بروتينات يمكن استخدامها كمؤشرات حيوية.
واختُبرت هذه المؤشرات في عينات الدم والأنسجة والبول لنحو ألفَي مريض، وأظهرت النتائج أن مجموعة محددة من المؤشرات الحيوية في البول قادرة على الكشف عن وجود السرطان وتحديد شدته بدقة تفوق التحليل الحالي المعتمد على مستضد البروستاتا النوعي (PSA).
ومستضد البروستاتا النوعي هو بروتين تنتجه غدة البروستاتا، ويلعب دوراً مهماً في الحفاظ على سيولة السائل المنوي.
ويُعتبر هذا المستضد من المؤشرات الحيوية الشائعة المستخدمة في الكشف عن سرطان البروستاتا، إذ ترتفع مستوياته في الدم عند وجود خلل في البروستاتا، سواء كان ذلك بسبب السرطان أو تضخم حميد أو التهاب.
ويتم الكشف عن هذا المستضد من خلال فحص دم يقيس كمية هذا البروتين، وعادة ما تكون المستويات الطبيعية أقل من 4 نانوجرام لكل ملليلتر، رغم أن القيم قد تختلف حسب العمر والعوامل الأخرى.
اختبار غير دقيق
ومع ذلك، فإن اختبار المستضد ليس دقيقاً بنسبة 100%، حيث يمكن أن يعطي نتائج إيجابية كاذبة أو سلبية كاذبة، ما قد يؤدي إلى خزعات غير ضرورية أو تأخر في التشخيص.
ولذلك، يعمل الباحثون على تطوير مؤشرات حيوية أكثر دقة، مثل تلك التي تم اكتشافها حديثاً في البول؛ لتحسين تشخيص سرطان البروستاتا وتقليل الاعتماد على مستضد البروستات النوعي وحده.
وفي الدراسة الجديدة، تم تحديد مجموعة من المؤشرات الحيوية في البول التي يمكن أن تساعد في الكشف عن سرطان البروستاتا بدقة عالية من بينها بروتين تنتجه غدة البروستاتا، بالإضافة إلى مواد جينية خاصة تظهر عند وجود خلايا سرطانية.
كما تم اكتشاف تغيرات في بعض الجينات المرتبطة بالأورام، والتي يمكن رصدها في عينات البول بعد إجراء تحفيز بسيط للبروستاتا.
وتشمل هذه المؤشرات أيضاً إنزيمات وبروتينات أخرى تزداد نسبتها بشكل ملحوظ عند وجود الأورام الخبيثة.
مزايا كبيرة
وقال الباحث الرئيسي في الدراسة، ميكايل بنسون، إن استخدام البول في التشخيص يوفر مزايا كبيرة، منها كونه غير جراحي وسهل الجمع، ويمكن إجراؤه حتى في المنزل قبل إرسال العينة إلى المختبرات السريرية للتحليل؛ إذ تعتمد هذه الطريقة على تحليل البول باستخدام تقنيات متطورة، مما يجعلها أقل إزعاجاً للمريض مقارنة بالفحوصات التقليدية مثل تحاليل الدم أو الخزعات.
ومع ذلك، شدد على ضرورة إخضاع هذه الطريقة لتقييمات إضافية في دراسات سريرية واسعة النطاق قبل اعتمادها رسمياً.
وفي المرحلة التالية، يخطط الباحثون لإجراء تجارب سريرية كبيرة لتسريع اختبار المؤشرات الحيوية الواعدة.
وأكد بنسون أن هذه المؤشرات الجديدة يمكن أن تسهم في تشخيص مبكر وأكثر دقة، مما يحسن فرص العلاج ويقلل من الحاجة إلى الخزعات غير الضرورية لدى الرجال الأصحاء.
كما تم تمويل الدراسة بشكل رئيسي من قِبَل الجمعية السويدية للسرطان وصندوق أبحاث السرطان السويدي، مع عدم وجود تضارب في المصالح يُذكر بين الباحثين.