
توصلت دراسة حديثة إلى أن الأشخاص الذين يعانون من انقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم، معرضون لزيادة حالتهم سوءا إذا عاشوا في مناطق ترتفع فيها مستويات تلوث الهواء.
وأفاد بحث دولي موسع عرض في مؤتمر الجمعية الأوروبية للجهاز التنفسي الذي بدأ أعماله في هولندا السبت ويستمر حتى الأربعاء، بأن التعرض طويل المدى للجسيمات الدقيقة في الهواء يرتبط بزيادة عدد مرات توقف التنفس أو ضعفه خلال ساعات النوم، وهو ما يشكل تهديداً للصحة العامة بالنظر إلى شيوع هذا الاضطراب وارتباطه بأمراض القلب والضغط والسكري.
انقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم من الحالات التي قد تمر دون تشخيص لسنوات، إذ لا ينتبه كثير من المصابين إلى أن شخيرهم الشديد أو استيقاظهم المتكرر ليلاً مرتبطان بمشكلة صحية ربما تؤدي إلى عواقب خطيرة.
وتتجلى أعراض الحالة في انقطاع التنفس المتكرر، وانخفاض مستويات الأكسجين في الدم، وما يترتب على ذلك من إرهاق مزمن ونعاس مفرط خلال النهار.
ومع أن السمنة والتقدم في العمر يعدان من أبرز العوامل المعروفة التي تزيد احتمالية الإصابة، فإن البحث الجديد يسلط الضوء على عامل آخر أقل وضوحًا لكنه مؤثر؛ هو تلوث الهواء.
وقال الباحثون إن الدراسات السابقة التي تناولت العلاقة بين التلوث وحالة انقطاع التنفس كانت محدودة من حيث النطاق الجغرافي وغالبًا ما خرجت بنتائج متباينة.
واستخدم الباحثون قاعدة بيانات أوروبية واسعة النطاق تضم أكثر من 19 ألف مريض في 25 مدينة تتبع 14 دولة، وهو ما منح البحث قوة إحصائية أكبر وقدرة على المقارنة بين بيئات مختلفة.
واعتمد الباحثون على منهجية جمعت بين بيانات المرضى المتعلقة بأعمارهم وأوزانهم وعادات التدخين لديهم، وبين نتائج دراسات النوم التي تقيس جودة النوم وعدد نوبات توقف التنفس وانخفاض الأكسجين في الدم، ثم دمجوا هذه البيانات مع سجلات مستويات الجسيمات الدقيقة في الهواء المستخلصة من خدمة "كوبرنيكوس" الأوروبية لرصد الغلاف الجوي.
وتنبعث هذه الجسيمات التي لا يتجاوز قطرها 10 ميكرومترات بشكل رئيسي من عوادم السيارات والأنشطة الصناعية وتعد من أخطر مكونات التلوث على صحة الإنسان.
وكشف التحليل الإحصائي عن وجود علاقة إيجابية ذات دلالة بين ارتفاع تركيز الجسيمات الدقيقة وشدة الحالة، فكل زيادة بوحدة واحدة في تركيز تلك الجسيمات ارتبطت بزيادة متوسطة قدرها 0.41 في مؤشر توقف التنفس وانخفاضه؛ وهو المقياس المستخدم لعدد نوبات توقف أو ضعف التنفس في الساعة.
وقال المؤلف الرئيسي للدراسة، مارتينو بينجو، الباحث في جامعة ميلانو-بيكوكا، ومعهد أوكسيولوجيكو إيتاليانو في إيطاليا: "يبدو هذا الرقم صغيراً على مستوى الفرد، لكنه على نطاق سكاني واسع قد يعني انتقال أعداد كبيرة من المصابين من درجات خفيفة إلى درجات أشد، ما يضاعف العبء الصحي على المجتمعات والأنظمة الطبية".
وعندما قارن الباحثون بين المدن الأوروبية، ظهر أن قوة العلاقة بين التلوث وشدة انقطاع النفس لم تكن متساوية في كل مكان، ففي مدن مثل لشبونة في البرتغال وباريس في فرنسا وأثينا في اليونان، كانت الارتباطات أوضح وأقوى، بينما كانت أضعف أو شبه غائبة في مدن أخرى.
ويفتح هذا التباين الباب أمام تساؤلات بحثية جديدة تتعلق بدور المناخ المحلي، وأنماط التلوث، وأساليب الرعاية الصحية المختلفة في تفسير هذه الفروق.
وأعرب الباحثون عن رغبتهم في التعمق مستقبلاً لمعرفة ما إذا كان بعض الأفراد أكثر عرضة للتأثر بالتلوث من غيرهم، وما إذا كان خفض مستويات التلوث يمكن أن ينعكس فعليًا على تحسن أعراض المرضى.
10 حقائق ربما لا تعرفها عن تلوث الهواء
- 9 من كل 10 أشخاص حول العالم يتنفسون هواء ملوثاً يفوق الحدود الموصى بها من منظمة الصحة العالمية.
- تلوث الهواء يودي بحياة نحو 7 ملايين إنسان سنويًا نتيجة أمراض القلب والسكتة وسرطان الرئة وأمراض الرئة المزمنة.
- نحو 3.8 حالة مليون وفاة بسبب تلوث الهواء المنزلي الناتج عن الطهي بالوقود الملوث، و4.2 مليون وفاة نتيجة تلوث الهواء المحيط الخارجي.
- أكثر من 3 مليارات شخص، معظمهم نساء وأطفال، لا زالوا يعتمدون على مواقد ووقود ملوث داخل منازلهم.
- 90 % من الوفيات المرتبطة بتلوث الهواء تحدث في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، خاصة في آسيا وإفريقيا.
- تلوث الهواء مسؤول عن 24% من وفيات أمراض القلب، و25% من السكتات الدماغية، و43% من وفيات مرض الانسداد الرئوي المزمن، و29% من وفيات سرطان الرئة.
- قاعدة بيانات منظمة الصحة العالمية لتلوث الهواء المحيط أصبحت تشمل أكثر من 4300 مدينة في 108 بلدان، ما يجعلها الأكبر عالمياً.
- مستويات تلوث الهواء في بعض المدن الكبرى تتجاوز 5 مرات الحدود التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية.
- المصادر الرئيسية لتلوث الهواء: الاستخدام غير الفعال للطاقة في المنازل والصناعة، والزراعة، والنقل، ومحطات الفحم، إضافة إلى الرمال والغبار وحرق النفايات وإزالة الغابات.
- أعلى مستويات تلوث الهواء سجلت في إقليم شرق المتوسط وجنوب شرق آسيا، بينما أوروبا والأميركتان لديهما مستويات أقل نسبيا.
وأكد بينجو، أن هذه النتائج تبرز كيف يمكن للعوامل البيئية أن تتداخل مع العوامل التقليدية المعروفة لزيادة خطر انقطاع النفس، مثل العمر والوزن.
وأضاف: "إدراكنا لهذا التداخل يجب أن يقود إلى مقاربة أوسع في علاج المرضى، إذ لا يقتصر التدخل على تخفيف الوزن أو استخدام أجهزة مساعدة التنفس ليلاً، بل يشمل أيضًا تحسين جودة الهواء الذي يستنشقه الناس يومياً".
وأوضح بينجو أن الأثر التراكمي للتلوث ربما لا يظهر في لحظة قصيرة، لكنه مع مرور الوقت يصبح كافياً لتغيير مسار المرض وشدته.
وقالت رئيسة مجموعة خبراء اضطرابات التنفس أثناء النوم بالجمعية الأوروبية للجهاز التنفسي، صوفيا شيزا، إن الدراسة تشير إلى أن مواجهة التلوث ليست فقط قضية بيئية عامة، بل شأن صحي مباشر.
وأشارت إلى أن مرضى انقطاع النفس الذين يعيشون في مدن ملوثة ربما يواجهون أخطاراً مضاعفة، فالتلوث يزيد من شدة أعراضهم ويجعلهم أكثر عرضة للمضاعفات المزمنة "ودمج منظور الصحة البيئية في مجال طب النوم يمثل نقلة نوعية في فهم طبيعة هذه الاضطرابات".
وأوضح الباحثون أنه في ظل الزيادة المستمرة في معدلات التمدن وحركة المرور الكثيفة في المدن الكبرى، يصبح من الصعب تجنب التعرض للتلوث، لكن ربط التعرض المباشر للتلوث باضطرابات النوم المزمنة يضيف سببا آخر لإعادة النظر في السياسات المرورية والصناعية، إذ أن التلوث لم يعد مرتبطاً فقط بأمراض الرئة أو القلب بل بات يؤثر أيضاً في جودة النوم، وهي وظيفة أساسية لسلامة الجسد والعقل.
ورغم أن الدراسة ركزت على الجسيمات الدقيقة من فئة واحدة، إلا أن هناك تساؤلات بما إذا كانت ملوثات أخرى مثل ثاني أكسيد النيتروجين أو الجسيمات الأصغر حجماً قد تترك تأثيرات أشد على مرضى انقطاع النفس.
ودعا الباحثون العلماء من الفرق العلمية الأخرى إلى توسيع نطاق الأبحاث المستقبلية لتشمل أنواعاً متعددة من الملوثات، كما أن النتائج تفتح الباب أمام التفكير في استراتيجيات وقائية مثل تحسين التهوية المنزلية، وزيادة المساحات الخضراء في المدن، وتشجيع وسائل النقل المستدامة.
ولا يقتصر أثر التلوث على مرضى انقطاع النفس فحسب، إذ أن الدراسات السابقة أظهرت ارتباطاً وثيقاً بين التلوث واضطرابات النوم عامة، بما في ذلك الأرق وتقطع النوم.
وتكمن أهمية هذه الدراسة في أنها تركز على فئة مرضية معرضة أصلاً لمضاعفات قلبية ودماغية، ما يجعل أي تفاقم في حالتها أمراً مضاعف الخطورة.
ورغم أن العلاقة الإحصائية المكتشفة متواضعة نسبياً، إلا أن الباحثين يصرون على أن النظر إليها على مستوى الصحة العامة يكشف عن أبعادها الحقيقية، معتبرين أن زيادة طفيفة في المؤشر بالنسبة لملايين السكان ربما تعني عبئاً إضافياً على الأنظمة الصحية، وارتفاعاً في نسب الوفيات المبكرة، وزيادة في تكاليف الرعاية.
وقال بينجو: "لذلك فإن هذه النتائج ليست تفصيلاً صغيراً بل تنبيهًا إلى ضرورة الربط بين سياسات مكافحة التلوث وخطط مكافحة الأمراض المزمنة".