دراسة تربط بين مضادات الاكتئاب وزيادة أو خسارة الوزن

time reading iconدقائق القراءة - 11
صورة تعبيرية لشاب يعاني الاكتئاب - Getty Images
صورة تعبيرية لشاب يعاني الاكتئاب - Getty Images
القاهرة -محمد منصور

أظهرت دراسة علمية جديدة أن مضادات الاكتئاب، وهي أدوية تُستخدم لعلاج الاكتئاب والقلق وحالات صحية أخرى، قد تُسبب مجموعة واسعة من الآثار الجسدية الجانبية تختلف باختلاف نوع الدواء المستخدم، ومن بينها تأثيرات على وزن الجسم.

وأشارت الدراسة التي نُشرت في مجلة "ذا لانسيت" (The Lancet) إلى وجود فروق ملحوظة تصل إلى نحو أربعة كيلوجرامات في الوزن بين بعض الأدوية، إذ وجد أن عقار "أجوميلاتين" (Agomelatine) قد يؤدي إلى فقدان نحو 2.5 كيلوجرام من الوزن في المتوسط، في حين يُحتمل أن يسبب دواء "مابروتيلين" (Maprotiline) زيادة بنحو كيلوجرامين.

وأكد الباحثون أن هذه النتائج لا ينبغي أن تُثني المرضى عن تناول مضادات الاكتئاب، التي ما تزال تُعد من العلاجات الفعّالة والحيوية للاضطرابات النفسية، لكنها تبرز أهمية تكييف وصف العلاج وفقاً للحالة الصحية لكل فرد وتفضيلاته الشخصية.

جمعت الدراسة نتائج 151 تجربة سريرية و17 تقريراً صادراً عن إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA)، شملت أكثر من 58 ألف مشارك، لتقييم تأثير 30 نوعاً مختلفاً من مضادات الاكتئاب على الجسم خلال فترة علاج استمرت في المتوسط ثمانية أسابيع.

وبيّنت النتائج أن هذه الأدوية لا تختلف فقط في تأثيرها على الوزن، بل تمتد الاختلافات أيضاً إلى معدل ضربات القلب وضغط الدم، ما يعكس مدى تباين استجابات الجسم لأنواع الأدوية المختلفة حتى ضمن الفئة العلاجية الواحدة.

وأظهرت التحليلات كذلك أن مضادات الاكتئاب يمكن أن تُحدث فروقاً تتجاوز 20 نبضة في الدقيقة الواحدة في معدل ضربات القلب بين دواء وآخر، حيث تبيّن أن عقار "فلوفوكسامين" (Fluvoxamine) قد يخفّض معدل ضربات القلب بنحو 8 نبضات في الدقيقة، بينما يرفع دواء "نورتريبتيلين" (Nortriptyline) المعدل نفسه بنحو 14 نبضة.

كما كشفت الدراسة أن ضغط الدم قد يتغير بأكثر من 10 مليمتر زئبق باختلاف نوع الدواء، إذ يمكن لـ"نورتريبتيلين" أن يخفض الضغط بحوالي 7 مليمترات زئبق، في حين يرفع "دوكسيبين" (Doxepin) الضغط بنحو 5 مليمترات.

زيادة في الوزن

وأكد الباحثون أن بعض مضادات الاكتئاب مثل "مابروتيلين" (Maprotiline) و"أميتريبتيلين" (Amitriptyline) ارتبطت بزيادة في الوزن لدى ما يقارب نصف المرضى الذين وُصفت لهم هذه الأدوية، في حين ارتبطت أدوية أخرى مثل "أجوميلاتين" بفقدان الوزن لدى 55% من المرضى الذين تناولوها.

وأوضحت هذه النتائج أن تأثير الأدوية النفسية لا يقتصر على الحالة المزاجية والعصبية فحسب، بل يمتد إلى التوازن الجسدي والتمثيل الغذائي، ما يجعل اختيار الدواء المناسب قراراً يتطلب قدراً عالياً من الدقة والحذر.

وبيّنت الدراسة أيضاً أن معظم مضادات الاكتئاب لم تُظهر تأثيرات كبيرة على وظائف الكلى أو الكبد، ولا على مستويات الأملاح في الدم أو انتظام ضربات القلب، وهو ما يمنح الأطباء قدراً من الطمأنينة عند وصْف هذه الأدوية.

ومع ذلك، أشار الباحثون إلى أن هذه النتائج تعكس فقط الآثار قصيرة المدى خلال فترة الدراسة، إذ لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث لمعرفة ما إذا كانت هذه التأثيرات الجسدية تستمر أو تتغير مع مرور الوقت.

ودعت النتائج إلى ضرورة تحديث الإرشادات العلاجية الخاصة بوصف مضادات الاكتئاب، بحيث تراعي الفروق في التأثيرات الجسدية بين الأدوية المختلفة، وأن تتخذ قرارات العلاج بشكل فردي بالتعاون بين الطبيب والمريض.

ولفت الباحثون إلى أن مثل هذا التوجه من شأنه أن يحسّن نتائج العلاج ويقلل من المخاطر الجانبية التي قد تترتب على الوصفات العامة أو النمطية التي لا تراعي خصوصية كل حالة.

ونوّه الباحثون أيضاً إلى أن دراستهم لم تتناول الجوانب النفسية والسلوكية الأخرى لمضادات الاكتئاب، مثل التغيرات في الرغبة الجنسية أو الحالة العاطفية، ولا الاختلافات في فاعلية الأدوية ذاتها، مؤكدين أن هذه الجوانب يجب أخذها في الاعتبار جنباً إلى جنب مع النتائج الجسدية التي رصدتها الدراسة.

تأثيرات مضادات الاكتئاب

وأشاروا إلى أن الفهم الشامل لتأثيرات مضادات الاكتئاب يحتاج إلى دمج البيانات الجسدية والنفسية والسلوكية ضمن إطار واحد، لتطوير وصفات علاجية أكثر توازناً وإنصافاً للمرضى.

وأبرزت التحليلات أن التباين في التأثيرات الجسدية لمضادات الاكتئاب قد يعود إلى اختلاف آليات عمل هذه الأدوية داخل الدماغ، فبينما تعمل بعض العقاقير على تنظيم مستويات "السيروتونين" (Serotonin) فقط، تتفاعل أخرى مع "النورأدرينالين" (Noradrenaline) أو "الدوبامين" (Dopamine)، وهي اختلافات تنعكس بدورها على التفاعلات الجسدية مثل الشهية ومعدل الأيض.

ورجّح الباحثون أن تكون بعض التغيرات في الوزن وضغط الدم ناتجة عن تأثير مباشر على الجهاز العصبي الذاتي المسؤول عن تنظيم وظائف الجسم الحيوية.

ورغم هذا التباين، شدد معدّو الدراسة على أن مضادات الاكتئاب تظل من أكثر الأدوية فاعلية في علاج الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب واضطراب القلق العام واضطراب ما بعد الصدمة، وأن الفوائد النفسية لهذه الأدوية تتجاوز في أغلب الأحيان التأثيرات الجسدية غير المرغوبة.

وأكدوا أن الهدف من الدراسة ليس التحذير من استخدام هذه الأدوية، بل توعية الأطباء والمرضى بضرورة الموازنة بين الفائدة والمخاطر المحتملة، مع مراقبة الحالة الجسدية للمريض أثناء العلاج.

وركزت النتائج على أن نهج "الوصفة الواحدة للجميع" لم يعد مناسباً في مجال الطب النفسي، خصوصاً بعد أن باتت البيانات تشير إلى تباين واسع في الاستجابات الدوائية.

كما دعت إلى تطوير أدوات تشخيصية أكثر دقة يمكنها التنبؤ بكيفية تفاعل الجسم مع مضادات الاكتئاب قبل بدء العلاج، بما يجنب المرضى التجارب المؤلمة لتبديل الأدوية مراراً قبل الوصول إلى العلاج الملائم.

ونبّه الباحثون إلى أن التحليل الشامل الذي تضمّنه البحث يُعد من أكبر المراجعات الممنهجة التي أُجريت على مضادات الاكتئاب حتى الآن، سواء من حيث عدد الدراسات أو حجم العينة المشاركة، ما يمنحه قوة إحصائية كبيرة في استخلاص النتائج.

كما أضافوا أن البيانات المستخلصة من تقارير إدارة الغذاء والدواء الأميركية أسهمت في ضمان دقة النتائج وموضوعيتها، كونها شملت معلومات لم تُنشر سابقاً في المجلات العلمية.

واعتبر الفريق البحثي أن هذه الدراسة تمثّل خطوة مهمة نحو بناء فهم متكامل للعلاقة بين الأدوية النفسية والجسم، إذ يُعتقد أن تفاعل الدواء مع أنظمة الجسم المختلفة قد يكون مفتاحاً لفهم سبب نجاح بعض العلاجات لدى فئة من المرضى وفشلها لدى آخرين، مشيرين إلى أن الجمع بين الدراسات السريرية والملاحظات الواقعية من ممارسات الأطباء اليومية يمكن أن يقدم رؤية أعمق حول كيفية تحسين إدارة العلاج النفسي في المستقبل.

تغير أنماط النوم

ورأى الباحثون أن الفروق في الوزن وضغط الدم ومعدل ضربات القلب التي رصدت لا تقتصر آثارها على الجانب الجمالي أو الانزعاج الجسدي، بل قد تكون ذات أبعاد صحية حقيقية خاصة لدى المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل السكري أو ارتفاع الضغط أو أمراض القلب.

وشددوا على أن اختيار مضاد الاكتئاب المناسب لهؤلاء المرضى يجب أن يتم بعناية مضاعفة، مع متابعة دورية لعلاماتهم الحيوية أثناء فترة العلاج.

وبيّنت الدراسة كذلك أن تأثير مضادات الاكتئاب على الوزن قد يرتبط بعوامل مثل زيادة الشهية أو تغير نمط النوم أو اضطراب الهرمونات المرتبطة بالشعور بالجوع والشبع.

وأشارت إلى أن بعض الأدوية التي تُحدث زيادة في الوزن قد تكون مناسبة في حالات معينة، مثل المرضى الذين يعانون من فقدان الشهية أو النحافة المرتبطة بالاكتئاب، بينما تكون الأدوية التي تُحدث فقداناً في الوزن أكثر ملاءمة لمن لديهم زيادة في الكتلة الجسدية.

وركز الباحثون على أن القرارات العلاجية يجب ألا تُبنى على عامل واحد مثل الوزن أو ضغط الدم فقط، بل يجب أن تراعي الصورة الكاملة لصحة المريض النفسية والجسدية.

وأوضحوا أن الطبيب المعالج هو الأقدر على تحديد مدى أهمية كل عامل بناء على الحالة الفردية لكل مريض، مع ضرورة إشراك المريض نفسه في عملية اتخاذ القرار لتقوية التزامه بالعلاج وتقليل احتمالية التوقف المبكر عن الدواء.

ودعت الدراسة إلى إجراء أبحاث طويلة المدى تتابع تأثير مضادات الاكتئاب على مدى سنوات، وليس فقط أسابيع، لفهم ما إذا كانت هذه التغيرات الجسدية مؤقتة أم تراكمية، مؤكدة أن معظم التجارب السريرية تقتصر على فترات قصيرة نسبياً، ما يجعل من الصعب رصد التأثيرات البطيئة أو التكيفية التي قد تظهر بمرور الوقت.

وبيّنت أيضاً أن تحديد العلاقة بين مدة الاستخدام وحجم التغيرات الجسدية يمكن أن يساعد الأطباء في وضع خطط علاجية أكثر مرونة، تشمل فترات مراقبة محددة لتعديل الجرعات أو تغيير الدواء عند الحاجة. ولفتت إلى أن التقدم في تقنيات تحليل البيانات الطبية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، قد يتيح قريباً فهماً أدق لأنماط التأثير الجسدي لكل دواء.

كما شدد الباحثون على أهمية التواصل المستمر بين الأطباء والمرضى أثناء فترة العلاج، لا سيما عند ملاحظة تغيرات في الوزن أو ضغط الدم أو معدل ضربات القلب. ونصحوا بضرورة توعية المرضى بأن بعض هذه التغيرات قد تكون جزءا من التأقلم الطبيعي للجسم مع الدواء، بينما تستدعي أخرى المتابعة الطبية الدقيقة.

ورأى معدّو الدراسة أن النتائج التي توصلوا إليها تمثّل حافزاً لمجتمع الطب النفسي لتبنّي مفهوم أكثر شمولاً في تقييم الأدوية النفسية، بحيث يتم النظر إلى المريض ككل، لا كحالة مزاجية منفصلة عن جسده، مؤكدين أن الصحة النفسية لا يمكن فصلها عن الجسدية، وأن أي اختلال في إحداهما ينعكس بالضرورة على الأخرى.

وشددت الدراسة على أن مضادات الاكتئاب تظل أدوات علاجية لا غنى عنها في مواجهة الاضطرابات النفسية التي تتزايد عالمياً، لكنها تحتاج إلى استخدام أكثر ذكاء وإنسانية، موضحة أن الطريق نحو الطب الشخصي في علاج الاكتئاب يبدأ من فهم الفروق الدقيقة بين الأدوية، ومن إدراك أن ما يناسب مريضاً قد لا يناسب الآخر.

ودعت الدراسة إلى تطوير بروتوكولات علاجية جديدة تراعي هذه الاختلافات الفردية، لضمان حصول كل مريض على العلاج الذي يحقق له التوازن النفسي والجسدي بأقل قدر من الآثار الجانبية الممكنة.

تصنيفات

قصص قد تهمك