
على خلاف ما هو معتاد في خطابات المرشد الإيراني علي خامنئي التي يطل خلالها أمام مسؤوليه أو أنصاره وتبثّها وسائل الإعلام، فرضت الحرب التي بدأتها إسرائيل في فجر 13 يونيو الجاري، اتخاذ إجراءات أمنية استثنائية لحماية ممثل السلطة الأعلى في البلاد منذ عام 1989، وفي 3 مرات ظهر فيها خامنئي، توجه إلى الشعب الإيراني بكلمات مسجلة من مكان غير معروف، خشية استهدافه.
سلامة المرشد، البالغ من العمر 86 عاماً، ليست فقط ما يشغل بال السلطات الإيرانية، إذ تلقي أيضاً مسألة خلافته تساؤلات كبرى بشأن مستقبل البلاد، لا سيما في ضوء تقدّمه في السّن، وما يُشاع عن مرضه، والضغوط التي تتعرض لها إيران.
ورغم أن عملية تعيين مرشد جديد تستغرق أشهراً، لكن الحرب الأخيرة دفعت خامنئي إلى التعجيل بتضييق دائرة المرشحين وحسم الأمر، وسط تقارير عن اختياره بدلاء تحسباً لاغتياله، في خطوة تضمن، وفق رؤيته، عدم فراغ المنصب الذي يُمثل صاحبه السلطة المطلقة في إيران.
وتحدث محللون لـ"الشرق" عن السيناريوهات والتحديات المطروحة أمام طهران بشأن اختيار المرشد المقبل، والتي تُمثل على ما يبدو، قضية مصيرية لبقاء النظام، وفرصة للتنافس بين أجنحة السلطة العسكرية، والسياسية.
وتواجه إيران أوقاتاً عصيبة جراء الضغوط الداخلية والخارجية، فإضافة إلى الهجمات الإسرائيلية التي تُعتبر الأكبر على إيران منذ حربها مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي، وكذلك القصف الأميركي المدمر لـ3 مفاعلات نووية، يعاني اقتصاد البلاد من عقوبات تعيق محاولات النهوض بالأوضاع المعيشية، كما تُمثل القبضة الأمنية عامل ضغط آخر بعدما تسببت في مرات عديدة سابقاً، بخروج احتجاجات كبيرة تطالب بالتغيير.
إضافة إلى ذلك، يبدو أن النفوذ الذي بنته إيران خلال العقود الماضية بدأ يتداعى أمام المرشد الإيراني، وذلك مع خسارة حلفائها في الإقليم، إذ استطاعت إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 إضعاف قوة حركة "حماس" في غزة، وتدمير قدرات "حزب الله" في لبنان، واغتيال زعيمه حسن نصر الله وقيادته العسكرية، كما مثّل سقوط نظام بشار الأسد في سوريا خلال ديسمبر 2024 على يد فصائل المعارضة السورية، عاملاً آخر أضعف نفوذ إيران في المنطقة.
وبالموازاة مع ذلك، تحدثت مصادر لمجلة "ذا أتلانتيك"، عن جهود بادر إليها عدد من رجل الأعمال الإيرانيين والشخصيات السياسية والعسكرية وكبار رجال الدين، لوضع خطة لإدارة البلاد في غياب خامنئي، سواء في حالة وفاته أو تنحيه.
وفي رسالته الثالثة، على غرار سابقتيها، ظهر المرشد في ما يبدو أنه نفس المكان: خلفه ستائر بنية، وعلى يمينه، العلم الإيراني وعلى يساره صورة معلقة للمرشد الإيراني الأول الخميني، معلناً "انتصار إيران على إسرائيل، وتوجيه صفعة قوية على وجه أميركا"، وهو الموقف الذي تتبناه طهران أمام الرأي العام، بينما تقول تل أبيب إنها من انتصرت في هذه الحرب باعتبارها قتلت قادة كبار وعلماء، وأضرت مفاعلات إيران النووية، وكذلك تقول واشنطن الشيء ذاته.
أين المرشد؟
منذ بدء الهجوم الإسرائيلي في فجر الجمعة 13 يونيو، كان السؤال الذي تردد كثيراً في كل مكان: أين المرشد وما مصيره؟ إذ شكّلت عمليات الاغتيال التي طالت قادة كبار في الجيش الإيراني، والحرس الثوري، وعلماء نوويين، مخاوف بشأن حياة خامنئي، خاصة أن إسرائيل سبق وأن قتلت أحد أبرز قادة "محور المقاومة" الذي تقوده طهران منذ عقود في الشرق الأوسط، عندما شنّت الطائرات الإسرائيلية عشرات الغارات على موقع كان يتواجد فيه زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله في العاصمة بيروت تحت 14 طابقاً.
وسرعان ما ازدادت المخاوف في إيران بعد تواري المرشد وغيابه تماماً عن الأنظار، ما دفع مذيع إحدى القنوات الرسمية الإيرانية إلى توجيه سؤال خلال استضافة مهدي فضائلي رئيس مكتب أرشيف خامنئي بشأن وضع المرشد مؤكداً قلق الناس عليه، إلا أن رد فضائلي زاد الغموض أكثر فأكثر إذ قال: "علينا جميعاً أن ندعو له"، مشيراً إلى أن "من تقع على عاتقهم مسؤولية حماية المرشد يقومون بواجبهم على أكمل وجه".
وترجّح معظم التحليلات أن خامنئي يتحصن في مكان ما تحت الأرض، ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولين إيرانيين مطلعين على خطط الطوارئ للحرب أن المرشد الإيراني، خوفاً من الاغتيال، يتحدث الآن في الغالب مع قادته من خلال مساعد موثوق به، ويُعلق الاتصالات الإلكترونية ليجعل من الصعب العثور عليه.
وذكر التقرير الذي نشرته الصحيفة في 21 يونيو الجاري، أن خامنئي الذي يتحصن في ملجأ تحسباً لأي محاولة لاستهدافه، اختار 3 من كبار رجال الدين كمرشحين لخلافته في حال مصرعه، ما يعكس اللحظة الحرجة التي يواجهها هو وحكمه الممتد لثلاثة عقود، وقد كلف "مجلس الخبراء"، وهو الهيئة الدينية المسؤولة عن تعيين المرشد الأعلى، بمهمة اختيار من سيتولى منصبه من بين الأسماء التي اقترحها.
بدورها، نقلت وكالة "رويترز"، عن مصادر لم تكشف عن هويتها، أن لجنة اختيار خليفة خامنئي تشكّلت قبل عامين، وأنها سرّعت وتيرة خططها في الأيام الماضية منذ أن هاجمت إسرائيل، إيران، وهددت باغتيال المرشد.
وقال مسؤول أمني رفيع المستوى، إن خامنئي موجود مع أسرته في مكان آمن، تحت حراسة قوات خاصة من فيلق "ولي الأمر" التابع للحرس الثوري.
جواسيس إسرائيل
وباتت الأجهزة الأمنية في إيران، تخشى أكثر من الجواسيس والعملاء الذين تجنّدهم إسرائيل في كشف معلومات عن تحركات وأماكن وجود خامنئي، إذ لطالما تفاخرت الاستخبارات الإسرائيلية بقدرتها على اختراق أعدائها على كافة المستويات، وهو ما مكّنها مثلاً في الحرب من اغتيال قادة عسكريين كبار وغيرهم من المسؤولين والعلماء النوويين.
وأعاد ما جرى إلى الأذهان عملية "البيجر" التي نفذتها إسرائيل ضد "حزب الله" عبر توريد أجهزة اتصال "مفخخة" إلى الجماعة قبل عدة سنوات، في واحدة من أكبر عمليات الاختراق الأمني عبر التاريخ.
ومنذ بدء الحرب الأخيرة، نشرت وسائل الإعلام الإيرانية العديد من الأخبار عن عمليات إلقاء قبض على عملاء لإسرائيل، وعادة ما تنفذ السلطات عقوبة بحق الأشخاص المتهمين بـ"التخابر مع العدو".
وذكرت "نيويورك تايمز"، وفقاً لمسؤولين إيرانيين، أن وزارة الاستخبارات الإيرانية، أعلنت سلسلة من البروتوكولات الأمنية، تطلب من المسؤولين التوقف عن استخدام الهواتف المحمولة أو أي أجهزة إلكترونية للتواصل، وأمرت جميع كبار المسؤولين الحكوميين، والقادة العسكريين بالبقاء تحت الأرض.
كما تصدر الاستخبارات أو القوات المسلحة، كل يوم تقريباً، توجيهات للمواطنين بالإبلاغ عن الأفراد المشبوهين وتحركات المركبات، والامتناع عن التقاط الصور، ومقاطع الفيديو للهجمات على المواقع الحساسة.
لماذا الآن؟
في حديث لـ"الشرق"، قال جعفر بوزميطة، أستاذ الاتصال السياسي في معهد باريس للعلوم السياسية، إن تحول مسألة تحديد خليفة للمرشد الإيراني علي خامنئي إلى ضرورة استراتيجية ملحة، يرجع بالأساس إلى ما سماه "الجدول الزمني المزدوج".
وأوضح بوزميطة، أن السياق الزمني الأول قصير المدى وتفاعلي، ويبرز في المواجهات العسكرية الأخيرة واختراق أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لدوائر القيادة العليا في إيران والوفاة المفاجئة للرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي، إلى جانب تلميحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بمعرفة مكان خامنئي، وهو ما ساهم في زيادة الشعور بأن المرشد الأعلى "قد لا يكون بمنأى عن المساس".
وأضاف: "شعرت القيادة الإيرانية بالضيق.. وخشيت انهياراً كارثياً للسلطة في حال ظهور فراغ".
وكان ترمب كتب عبر مواقع التواصل الاجتماعي: "نعرف بالضبط أين يختبئ من يُسمى (الزعيم الأعلى)، إنه هدف سهل، لكنه آمن هناك، لن نقتله!، على الأقل ليس في الوقت الراهن".
أما الخط الزمني الثاني، وفقاً لبوزميطة فهو هيكلي، فمع بلوغ خامنئي 86 عاماً وتدهور صحته، كما تزعم تقارير غربية متطابقة، تحوّل الحديث حول الخلافة إلى خطة شبه رسمية للطوارئ.
بدوره، قال الباحث في الشأن الإيراني في مركز دراسات الشرق الأوسط، إسلام منسي: "أدرك خامنئي نفسه أن الوقت ينفد، فيما تقول مصادر إنه رشّح سراً 3 شخصيات كخيارات احتياطية".
وفي ظل صعوبة انعقاد مجلس الخبراء، يعتقد منسي أن هناك تواصلاً، وترتيبات تم وضعها ليتم تطبيقها بطريقة تلقائية خلال الظروف الاستثنائية حال "اغتيال المرشد".
وحول آلية وشروط اختيار المرشد الجديد، قال مدير معهد السلام الدولي والخبير في الشؤون الإيرانية، هاينز جارتنر، إن مسؤولية اختيار المرشد الأعلى بموجب الدستور، تقع على عاتق مجلس الخبراء، وهو هيئة مؤلفة من 88 رجل دين يُنتخبون من قِبل الشعب، ويُراقب المجلس أداء المرشد الأعلى، وله نظرياً سلطة عزله، وهي سلطة، وإن كانت حقيقية، إلا أنها لم تُمارس قط، وتبقى رمزية إلى حد كبير.
وينظم الدستور الإيراني عملية اختيار المرشد، إذ أشار إلى الصفات والمؤهلات التي ينبغي توفرها في المرشد، فنصت (المادة 5) في الدستور الإيراني على أنه: "تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران بيد الفقيه العادل، المتقي، البصير بأمر العصر، الشجاع القادر على الإدارة والتدبير".
وينص الدستور الإيراني، على بقاء المرشد في منصبه حتى وفاته، ولا يمكن عزله إلا من قبل المجلس ذاته في حال ثبوت عدم كفاءته.
وتحدد المادة رقم 110 من الدستور الإيراني وظائف وصلاحيات المرشد الأعلى.
صلاحيات المرشد الإيراني وفق الدستور:
- رسم السياسات العامة لنظام الجمهورية.
- الإشراف على تنفيذ السياسات العامة للنظام.
- إصدار الأمر بالاستفتاء العام.
- قيادة القوات المسلحة وإعلان الحرب والسلام.
- توقيع مرسوم تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه من الشعب.
وعند شغور المنصب، بسبب عجز ألم بالمرشد وحال بينه وبين أداء وظائفه الدستورية، أو بسبب فقده أحد الشروط المذكورة في المادتين 5 و109، تنص المادة 111 على أنه يُعزل عن منصبه، عن طريق مجلس الخبراء. أما إذا شغر المنصب بسبب وفاة أو استقالة أو عزل، فيتولى أعضاء مجلس الخبراء تعيين القائد الجديد، وإعلان ذلك في أسرع وقت ممكن.
ورغم أن الإجراءات مُحددة بوضوح، إلا أن هناك عدة خيارات فيما يتعلق بالخلافة، وفقاً لجارتنز، فقد يكون المرشد الأعلى التالي رجل دين، لكن هذا ليس شرطاً، بل يُمكن أن يشغل المنصب حتى شخص عادي.
وفي حديثه لـ"الشرق"، أشار جارتنر، إلى أنه رغم أن هذا المنصب عادةً ما يشغله فرد، إلا أن الدستور يسمح أيضاً بإمكانية تشكيل مجلس قيادة.
ويُجادل مؤيدو المجلس، كبديل لمنصب المرشد، بأن القرارات التي تُتخذ جماعياً تستند على أساس أوسع وتوفر استمرارية أكبر، وهو أمر بالغ الأهمية لا سيما في حالات مثل اغتيال شخصية قيادية.
ومن ناحية أخرى، يدّعي مؤيدو القائد الأوحد، أن شخصاً واحداً يُمكنه اتخاذ القرارات بسرعة وفعالية أكبر، لا سيما في أوقات الأزمات.
من جهته، يٌفرق بوزميطة بين العملية الدستورية والاعتبارات السياسية، ويرى أن عملية تسريع اختيار خليفة للمرشد الإيراني تكتسي طابعاً سياسياً.
وحول الدور المحوري الذي أعطاه الدستور لمجلس الخبراء في اختيار المرشد الأعلى، قال إن "المجلس يقوم بتفويض لجنة سرية لتقييم وفحص المرشحين المحتملين للقيادة، وهذا التقييم والفحص يتم بشكل دوري وبكامل السرية، وحتى المرشحون لا يعرفون بوجود أسمائهم في القائمة التي تعدها اللجنة السرية".
وأضاف: "لا أحد يعرف تركيبة أفراد اللجنة القائمة على دراسة الأشخاص المرشحين، لتجنب الضغط عليهم".
المرشحون لخلافة خامنئي
في قلب هذا الغموض بشأن خليفة خامنئي، تبرز مجموعة من الأسماء المرشحة، منها من يدين بالولاء للمؤسسات، ومنها من اكتسب رمزية بناءً على سلطته الشخصية وخلفيته، لكن القاسم المشترك بينهم جميعاً، وفقاً للمحللين الذين تحدثوا لـ"الشرق"، هو أن كلاً منهم يحمل مخاطر وفرصاً مختلفة لهيكل السلطة في إيران.
ونقلت وكالة "رويترز" في تقرير حديث عن مصادر مطلعة، أن المناقشات التي تجري داخل الهيئة الدينية العليا المؤلفة من 3 رجال بشأن خليفة خامنئي، تُركز على اثنين باعتبارهما أبرز المرشحين، وهما رجل الدين مجتبى خامنئي (56 عاماً)، نجل المرشد، والذي يُنظر إليه بوصفه خياراً للسير على نهج والده، والثاني هو الحفيد حسن الخميني.
مجتبى خامنئي
نجل المرشد الأعلى، والمرشح الأوفر حظاً لخلافته، ويُعد أقوى شخصية غير رسمية (بدون منصب) في طهران.
كما يحظى بدعم ثابت من الحرس الثوري، على اعتباره واحداً من "المحافظين المتشددين"، ووصفه إسلام منسي بأنه "بالفعل بمثابة عينَي أبيه وآذانه وصوته"، لكن مع ذلك أشار بوزميطة إلى أنه "حتى خامنئي الأب عارض انتقال السلطة إليه، إذ يعتبر أن التوريث يتعارض مع القيم الثورية، والمبادئ الدينية".
ونقلت "رويترز" عن مصادر أن آراء مجتبى تتطابق مع وجهة نظر والده في كل موضوع رئيسي، من التضييق على المعارضين إلى اتخاذ موقف متشدد من الخصوم الأجانب، وهي صفات يرون أنها خطيرة في ظل تعرض إيران للهجوم.
ويرى متابعو الشأن الإيراني أن مجتبى، وهو رجل دين يُدرس الفقه في معهد ديني بمدينة قم، يتمتع بنفوذ خلف الكواليس باعتباره الشخص الذي يحدد من يمكنه التواصل مع والده، رغم أنه لم يشغل منصباً رسمياً في الجمهورية الإسلامية.
وفرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على مجتبى عام 2019، قائلة إنه يمثل الزعيم الأعلى "بصفة رسمية رغم أنه لم ينتخب، أو يعين في منصب حكومي" باستثناء العمل في مكتب والده.
حسن الخميني
حفيد مؤسس الجمهورية الإيرانية روح الله الخميني، وأحد رجال الدين القلائل الذين يتمتعون بشهرة واسعة، ورغم أنه مقرب من الفصيل الإصلاحي الذي يؤيد تخفيف القيود الاجتماعية والسياسية، لكنه يحظى بدعم من رجال الدين والحرس الثوري باعتباره حفيد مؤسس الثورة.
ويرى بوزميطة، أنه "قد يكون الشخصية الأكثر قبولاً لدى الرأي العام والمجتمع الدولي"، كما لفت الانتباه في رسالة دعم علنية للزعيم الأعلى مؤخراً قال خلالها: "في أي جبهة ترونها ضرورية، سأكون حاضراً بكل فخر، خادماً بكل تواضع للشعب الإيراني"، ما يوحي باستعداده لدخول غمار المنافسة.
وذكرت "رويترز" أن الخميني دخل هذا الشهر دائرة الترشيحات الجادة في ظل الصراع المتصاعد مع إسرائيل والولايات المتحدة، لأنه يمكن أن يُمثل خياراً أكثر قبولاً على الصعيدين الدولي والمحلي بالمقارنة مع مجتبى خامنئي.
وأضافت الوكالة أنه في عام 2016، منع مسؤولون من "غلاة المحافظين" حسن الخميني من الترشح لعضوية مجلس الخبراء بسبب صلاته الوثيقة بالفصيل الإصلاحي في السياسة الإيرانية، والذي اتبع سياسة لم تنجح في فتح إيران على العالم الخارجي في التسعينيات.
علي رضا أعرافي
الرئيس الحالي لمجلس الخبراء، وهو شخصية براجماتية، وتم إدراجه في بعض القوائم المختصرة للمرشحين، وتُشير تقارير إلى أنه "يمزج بين المؤهلات الدينية، والسلطة البيروقراطية الهادئة".
محمد مهدي مير باقري
مُنظّر ذو علاقات وثيقة بالجناح الثوري للنظام، ويصفه أنصاره بأنه "مُنَظِّرُ الثورة".
شخصيات أخرى
أسماء أخرى مثل حسن روحاني، وصادق لاريجاني، تُذكر أحياناً، على الرغم من تراجع نفوذهما سياسياً.
وأشار إسلام منسي إلى عقبة مؤسسية ربما تجعل اختيار المرشد المقبل مهمة صعبة، إذ "لا يوجد مرشح قادر على تجميع مكونات النظام العسكرية، والدينية، والسياسية، ولهذا السبب، يكتسب خيار (مجلس القيادة الجماعية) زخماً متزايداً".
وأشارت "رويترز" نقلاً عن مصادر مطلعة داخل إيران، إلى أنه لم يتم اتخاذ أي قرار محدد حتى الآن بشأن المرشحين، ومن الممكن أن يتغيروا، إذ إن الكلمة الأخيرة ستكون للزعيم الأعلى.
الإصلاح أو تكريس الوضع الراهن؟
وبعيداً عن الأسماء المرشحة لقيادة إيران، ثمّة تحدٍ آخر يتمثل في إعادة تعريف دور المرشد الأعلى نفسه في مرحلة ما بعد خامنئي، إذ من المتوقع أن لا يتمتع المرشح الذي سيحظى بالمنصب بحجم السلطات ذاتها التي تمتع بها من سبقه، ما يفتح الباب لتساؤلات بشأن استمرار إيران بمرشد أعلى واحد أم تحولها إلى نظام أقل مركزية.
وفي حديثه لـ"الشرق" أكد نبيل العتوم، أستاذ الدراسات الإيرانية في الجامعة الأردنية، أن "التيارات الإصلاحية والمعتدلة تدفع نحو المؤسسية بشكل أكبر، بينما يعارض الحرس الثوري أي انتقال لمنصب المرشد يُفقده السيطرة، لكن المؤكد أن هناك تحركات غير معلنة داخل بيت القيادة، ومجلس الخبراء، لتفادي حصول فراغ في هيكل السلطة".
وفي غضون ذلك، يجادل إسلام منسي، بأن هناك إجماعاً متزايداً داخل النظام الإيراني وخارجه بأن "النموذج الديني الحالي قد انتهت صلاحيته"، مقابل ظهور زخم أكبر نحو "جهاز قيادة أكثر مؤسسية، بل ومدنياً"، وفق قوله.
وأضاف منسي: "توجد تحركات مستمرة في الداخل الإيراني للدفع نحو تغيير النظام، وليس تغيير سلوك النظام، لأن من كانوا يراهنون على تغيير سلوك النظام وهم الإصلاحيون، فقدوا جزءاً كبيراً من شعبيتهم، ولم يعودوا يتمتعون بنفس الشعبية السابقة، لأنه ثبت أنهم كانوا إحدى أوراق النظام".
وأوضح أن النظام "كان يُشهر هذه الورقة (الإصلاحيين) حينما يجد نفسه بدون خيارات، أما عندما يجد نفسه قوياً يسحب هذه الورقة، وكان يستخدم الإصلاحيين لامتصاص الغضب الشعبي، وإطالة عمر النظام، ولذلك الآن ليس هناك حديثاً كبيراً عن تغيير سلوك النظام، إنما عن تغيير النظام واستبداله بنظام آخر مدني، غير نظام العمائم الحالي".
وعن طابع السرية الذي تتسم به هذه التجاذبات داخل بنية النظام الإيراني، أشار بوزميطة إلى أن "هوس النظام الإيراني بالسرية، والرمزية ليس وليد الصدفة، بل هو محاولة لإظهار أن إيران لا تزال دولة مؤسسات لا شخصيات، حتى وإن كانت السلطة الفعلية ظلّت تمر عبر قنوات مُبهمة".
وفسر أستاذ الاتصال السياسي في معهد باريس للعلوم السياسية بأن نهج السرية مردُّه "الصدمة التاريخية"، فمنذ الإطاحة بحسين علي منتظري في أواخر الثمانينيات بعدما كان قريباً من خلافة الخميني، اعتُبر الإعلان عن أسماء خلفاء المرشد أمراً "مُميتاً سياسياً"، وأضاف: "قد لا يعلم من هم على القائمة، حتى بوجودهم فيها".
الحرس الثوري
ولا يمكن الحديث عن عملية اختيار خليفة للمرشد الإيراني، دون تقييم دور الحرس الثوري، الذي يعتبر داخل هيكل السلطة أكثر من مجرد قوة عسكرية، بل بمثابة العمود الفقري للنظام، وربما يتجاوز ذلك لتكون له كلمة في صنع القرار.
وقال نبيل العتوم، إن "الحرس الثوري يراقب الوضع لضمان استمرارية نفوذه، ويعارض أي انتقال يفقده السيطرة"، لافتاً إلى أن تولي مجتبى خامنئي المعروف بقربه من المؤسسة العسكرية لمنصب المرشد، "سيُبقي الحرس الثوري قوياً وربما يجعله أكثر تحكماً".
ولا يستبعد العتوم، احتمال ظهور صراع خفي بين المرشد الجديد، وقيادات الحرس، ويعتقد أن هذا الاحتمال "وارد جداً"، وهو السيناريو المطروح في حالة تفوق التيارات الإصلاحية والمعتدلة التي تدفع نحو نموذج أكثر مؤسسية، أما إذا ما فاز مرشح توافقي أو مجلس قيادة، فإن ذلك قد يُحدث بعض التوازن أو يؤدي إلى تقليص نفوذ الحرس الثوري.
ويتفق إسلام منسي مع هذا الطرح، إذ يعتبر أن علاقة المرشد الأعلى المستقبلي مع الحرس الثوري ستتحدد على أساس خلفيته، ومدى قربه من الحرس الثوري، أو الثقل الذي يتمتع به، واعتبر أنه في هذه الحالة، يمكن أن يتصرف الحرس الثوري كمؤسسة موازية لمركز المرشد، وخلص الباحث في الشأن الإيراني إلى أن هذا سيتوقف على مدى نفوذ المرشد وخلفيته.