تعتقد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، أنه ربما توجد فرصة لإعطاء دفعة جديدة لكسر الجمود السياسي في لبنان، ومحاولة تخفيف حدة الحرب المتصاعدة مع استمرار الهجمات الإسرائيلية، التي استهدفت العديد من قادة جماعة "حزب الله"، حسبما ذكر مسؤولون أميركيون لوكالة "أسوشيتد برس".
واشتد الصراع بين إسرائيل وجماعة "حزب الله" خلال الأسابيع القليلة الماضية وسط قصف إسرائيلي لجنوب لبنان والضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت ووادي البقاع أسفر عن اغتيال العديد من كبار قادة الجماعة، فضلاً عن عشرات الضحايا من المدنيين، قبل أن يبدأ الجيش الإسرائيلي في توغل بري محدود في جنوب لبنان.
ونقلت الوكالة الأميركية، الجمعة، عن المسؤولين، الذين تحدثوا للوكالة بشرط عدم كشف هوياتهم، حول تفكير الإدارة الحالية، قولهم إنه "ربما تتاح فرصة للتحرّك في أعقاب (التدهور الأخير للجماعة المسلحة بعد هجمات إسرائيل)".
وأشار المسؤولون إلى أن "هذه الرؤية ليست مشتركة في واشنطن، حيث يقول بعض المسؤولين إن (حزب الله) مترسخ بعمق في المشهد السياسي بلبنان، وجيشها وخدماتها المدنية والاجتماعية بحيث لا يمكن القضاء على نفوذه. ومع ذلك، حتى المتشككين على استعداد لمحاولة ذلك".
وأشارت أنه لتحقيق هذا الهدف، تحدث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن هاتفياً، الجمعة، بشكل منفصل مع رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، ورئيس مجلس النواب نبيه بري بشأن الحاجة إلى تسوية الوضع السياسي، وفق بيان صادر عن الخارجية الأميركية.
وخلال مكالمته أعرب بلينكن عن التزام الولايات المتحدة بالتوصل إلى حل دبلوماسي لتنفيذ قرار الأمم المتحدة، والسماح للمدنيين على جانبي الحدود الإسرائيلية اللبنانية بالعودة إلى ديارهم و"الحاجة إلى ملء الشغور الرئاسي من خلال الوسائل الديمقراطية التي تعكس إرادة الشعب اللبناني من أجل لبنان مستقر ومزدهر ومستقل".
وفي وقت سابق من الأسبوع الجاري، تحدث بلينكن مع نظرائه السعوديين والقطريين والفرنسيين بشأن التوصل لتسوية سياسية في لبنان، وخاصة انتخاب رئيس لبناني جديد، وتأثير ذلك على تقليل التوترات في الشرق الأوسط من خلال دفع "حزب الله" إلى تحريك قواته بعيداً عن الحدود الشمالية لإسرائيل إلى الخط المحدد في قرار مجلس الأمن 1701 الذي أنهى حرب عام 2006.
ودعا قرار الأمم المتحدة 1701، الذي لم تطبق شروطه بالكامل، القوات الإسرائيلية إلى الانسحاب الكامل من جنوب لبنان بعد حرب استمرت شهراً مع "حزب الله" في عام 2006، وأن يكون الجيش اللبناني وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة هما القوة المسلحة الوحيدة جنوبي نهر الليطاني.
وقال بلينكن للصحافيين في لاوس: "من الواضح أن شعب لبنان لديه مصلحة قوية في تأكيد الدولة نفسها وتحمل المسؤولية عن البلاد ومستقبلها".
وأضاف: "لقد ظلت الرئاسة شاغرة لمدة عامين الآن، وبالنسبة للشعب اللبناني، فإن وجود رئيس للدولة سيكون مهماً للغاية".
وأكد بلينكن أن مستقبل لبنان هو من يقرره شعبه ولا أحد غيره، بما في ذلك "أي جهة خارجية، سواء كانت الولايات المتحدة أو إسرائيل أو أي من الجهات الفاعلة العديدة في المنطقة".
وقال بلينكن أموراً مماثلة في المناقشات التي جرت خلال الأسبوع الماضي مع نظرائه السعودي الأمير فيصل بن فرحان، والقطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، والمصري بدر عبد العاطي، والفرنسي جان نويل بارو.
ضغوط لإنهاء الجمود
ولفتت "أسوشيتد برس"، إلى أن الولايات المتحدة وغيرها من الدول كانت تضغط لسنوات من أجل إنهاء الجمود السياسي في لبنان دون جدوى.
وتلقي الولايات المتحدة باللائمة في الفراغ الرئاسي لمدة عامين على رفض "حزب الله" المدعوم من إيران للتسوية، والذي يُعتبر حزباً سياسياً شرعياً في لبنان وكان جزءاً من حكومته لما يقرب من عقدين على الرغم من تصنيفه "منظمة إرهابية" من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى.
وبعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في أكتوبر 2022، اجتمع البرلمان اللبناني المنقسم بشدة، عدة مرات لانتخاب رئيس جديد، وفشل في كل مرة، إذ يدعم "حزب الله" سليمان فرنجية، وهو سياسي مسيحي متحالف مع الجماعة.
فيما طرح الفصيل المعارض سلسلة من الأسماء، لكن الرجل الذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه المنافس الرئيسي لفرنجية، رغم أنه لم يعلن رسمياً عن ترشيحه، هو قائد الجيش اللبناني، الجنرال جوزيف عون، الذي يعتبر الكثيرون أنه مقرب من الولايات المتحدة.
وفي الوقت نفسه، دفع الشلل السياسي المتفاقم، والتدابير المتوقفة للتخفيف من الأزمة الاقتصادية الطاحنة، ثلاثة أرباع السكان إلى السقوط في براثن الفقر.
ومن المتوقع أن يحضر عون مؤتمراً دولياً بشأن لبنان تستضيفه فرنسا في وقت لاحق من الشهر الجاري، حسبما قال مسؤولون أميركيون.
من جانبه، قال إد جابرييل، رئيس فريق العمل الأميركي بشأن لبنان، وهي مؤسسة غير ربحية تهدف إلى بناء علاقات أقوى بين الولايات المتحدة ولبنان، إن المجموعة لديها احترام كبير لعون، وقيادته للمؤسسة الوحيدة العاملة بكامل طاقتها في لبنان".
وأضاف جابرييل: "لا نعتقد أنه من مصلحة لبنان أن تتدخل أطراف خارجية في حق البلاد السيادي في انتخاب رئيسها. ثمة فرصة الآن أمام أعضاء البرلمان اللبناني للاجتماع وانتخاب رئيس يتسم بالكفاءة والنزاهة ذو توجه إصلاحي، يمكنه تشكيل حكومة قادرة على توجيه لبنان لتجاوز مرحلة خطيرة ولكنها حاسمة".
كما أجرى وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، الخميس، مكالمة هاتفية مع نظيره الإسرائيلي يوآف جالانت، ناقشا خلالها الهجوم الإسرائيلي على لبنان، وأفادت مصادر، الجمعة، بأن جالانت أطلع نظيره الأميركي خلال المكالمة، على اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي، وناقشا الخطط الإسرائيلية للهجوم المحتمل على إيران.
وجاء اتصال أوستن وجالانت بعد يوم من مكالمة الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والتي ناقشا خلالها الخطط الإسرائيلية، وقال مسؤولون أميركيون بعدها، إن الجانبين يقتربان من "تفاهم مشترك"، بشأن طبيعة الهجوم الإسرائيلي، وإن كانت واشنطن لا تزال تخشى من أن الخطط الإسرائيلية لا تزال أكثر عدوانية مما ترغب فيه.
وأكد أوستن أهمية ضمان أمن قوات الأمم المتحدة في لبنان "اليونيفيل"، وحض إسرائيل على تنسيق جهودها، للانتقال من العمليات العسكرية، إلى مسار دبلوماسي، في أسرع وقت ممكن.