كانت نهاية الحرب الباردة تبشر بالتخلص من "كابوس" الأسلحة النووية، إذ اتفقت الحكومات المتناحرة سابقاً على التخلص من الرؤوس الحربية النووية، وتعاونت للحد من انتشار الأسلحة، إلا أن هذا الأمل بات يتلاشى الآن، وفق "وول ستريت جورنال".
وفي الشهر الماضي، تحدث الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن قواعد جديدة لاستخدام الأسلحة النووية، وهو ما اعتبرته "وول ستريت جورنال" أحدث إشارة إلى استعداد موسكو لاستخدام الأسلحة النووية في الدفاع عن نفسها.
وفي الوقت ذاته، تعمل كوريا الشمالية على توسيع ترسانتها النووية، وتقترب إيران من تطوير أسلحة نووية قابلة للاستخدام، ما يثير مخاوف من سباق تسلح في الشرق الأوسط.
وانهارت واحدة من معاهدتين رئيسيتين أبرمتهما الولايات المتحدة وروسيا للحد من التسلح النووي، وتنتهي الأخرى التي تحدد عدد الأسلحة النووية التي تنشرها روسيا والولايات المتحدة في أوائل عام 2026.
وقالت "وول ستريت جورنال"، إن تعهد القوى النووية الكبرى خلال الحرب الباردة بالسعي نحو نزع السلاح يبدو "أقل واقعية" من أي وقت مضى.
وقبل حوالي 60 عاماً، حذر الرئيس الأميركي جون إف كينيدي، من أن العالم قد يشهد بين 15 و20 دولة نووية بحلول عام 1975، ورغم أن تلك المخاوف كانت مبالغ فيها، إذ يبلغ عدد الدول النووية الحالي 9 فقط، إلا أن نظام عدم الانتشار النووي العالمي في خطر أكبر مما كان عليه منذ الحرب الباردة، وفقاً لما قاله مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل جروسي.
واعتبر جروسي، أن خطر المواجهة النووية، الذي كان يبدو غير واقعي قبل عقد من الزمن، لم يعد مستبعداً.
وقال إريك بروير، المدير السابق لمكافحة الانتشار النووي في مجلس الأمن القومي الأميركي، إن "التوافق المشترك بين القوى الكبرى بشأن أهمية منع الانتشار النووي، والذي كان حاسماً في بناء واستدامة نظام منع الانتشار منذ الستينيات، تآكل".
وأضاف: "أعتقد أن الأمر سينتهي على الأقل بعالم به المزيد من الدول القادرة على بناء الأسلحة النووية".
تعاون أميركي روسي سابق
وبعد سقوط جدار برلين، تعاونت الولايات المتحدة وروسيا على التخلص من أكثر من 3 آلاف رأس نووي استراتيجي، كانت تتواجد في الجمهوريات السوفيتية السابقة مثل بيلاروس، وكازاخستان، وأوكرانيا.
وبحلول عام 2012، احتفظت كل من روسيا والولايات المتحدة بأقل من 5 آلاف رأس نووي، بعد أن كانتا تمتلكان أكثر من 41 ألفاً و23 ألفاً و500 رأس على التوالي في عام 1988، وفق اتحاد العلماء الأميركيين FAS.
ومن جهة أخرى، كانت جنوب إفريقيا أول دول تتخلص من أسلحتها النووية في أوائل تسعينيات القرن الماضي، بعد أن طورت ترسانة نووية صغيرة، ولا تزال الدولة الوحيدة التي فعلت ذلك.
وفي العقد التالي، وافقت ليبيا على إنهاء برنامجها النووي، كما دخلت إيران في مفاوضات بشأن برنامجها النووي بعد الغزو الأميركي للعراق المجاور.
ورغم ذلك، واجهت جهود منع الانتشار بعض الانتكاسات، مثل اختبار باكستان أول سلاح نووي لها في عام 1998، وكوريا الشمالية في عام 2006، وفق "وول ستريت جورنال".
معاهدة عدم الانتشار
وتركزت الجهود الدولية للحد من التهديدات النووية حول معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية NPT لعام 1970، والتي تضمنت قرار القوتين العظمتين أن الحد من انتشار الأسلحة النووية أهم من السعي إلى إحراز مكاسب بتسليح الحلفاء بتلك الأسلحة.
وتُلزم معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، التي تضم حالياً اليوم 191 دولة موقعة، الدول التي لا تمتلك أسلحة نووية باستخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية ومنح الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة صلاحيات الرقابة، كما تتضمن تعهداً من الدول المالكة للأسلحة النووية بالعمل بحسن نية على تقليص ترساناتها.
ومع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين وروسيا في السنوات الأخيرة، بدأ التوافق بشأن منع الانتشار في التآكل، ويقول مسؤولون إن إيران تفصلها أشهر قليلة عن تطوير سلاح نووي،كما ناقش مسؤولون بارزون في كوريا الجنوبية وتركيا احتمالية تطوير أسلحة نووية، حسبما ذكرت "وول ستريت جورنال".
وقالت الصحيفة، إن أفعال روسيا منذ غزو أوكرانيا أثارت أول تهديد حقيقي لاستخدام الأسلحة النووية منذ عقود، وأن الغزو مثّل "انتهاكاً صارخاً" لشروط اتفاق بودابست لعام 1994، والذي سلمت أوكرانيا بموجبه الأسلحة النووية السوفيتية الموجودة على أراضيها إلى روسيا.
وأضافت الصحيفة، أن روسيا تشير باستمرار إلى أسلحتها النووية كوسيلة دفاعية، على الرغم من أن وكالات الاستخبارات الغربية لم ترصد أي خطوات فعلية للتحضير لاستخدامها.
وفي الشهر الماضي، أعلن بوتين "عقيدة نووية جديدة" جعلت أسباب الاستخدام المحتمل للأسلحة النووية أكثر وضوحاً، وذلك في وقت كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يناقشون السماح لأوكرانيا بإطلاق أسلحة بعيدة المدى على روسيا.
كما وافقت روسيا مؤخراً على نشر أسلحة نووية تحت سيطرتها في بيلاروس، التي تمتلك حدوداً مع دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، مثل بولندا.
وتجاهلت موسكو علناً العقوبات المتعلقة بالأسلحة النووية المفروضة على كوريا الشمالية، في إطار شراكة متنامية شهدت إرسال الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون ملايين قذائف المدفعية إلى روسيا.
وقال نيكولاي سوكوف، وهو دبلوماسي روسي سابق وزميل بارز في مركز فيينا لشؤون نزع السلاح وعدم الانتشار، للصحيفة، إن نقل الأسلحة إلى بيلاروس يعكس سياسة "المشاركة النووية" التي تنتهجها الولايات المتحدة مع حلفائها.
ويرى سوكوف، أن تصاعد خطاب بوتين النووي جاء بسبب مخاوف من أن الغرب لا يتعامل مع "الخطوط الحمراء" الروسية بجدية كافية، وأضاف: "بصراحة، لم ألاحظ أي تغيير جوهري في العقيدة النووية".
وفي المقابل، يرى آخرون أن تصرفات روسيا تمثل "تفكيكاً خطيراً" للمحظورات المتعلقة باستخدام الأسلحة النووية، وفق "وول ستريت جورنال".
وقال لوكاش كوليسا، مدير سياسات الانتشار النووي في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (روسي) البريطاني، للصحيفة: "روسيا استخدمت أسلحتها النووية كغطاء لعدوانها في عام 2022، عندما أرادت منع الدول الغربية من تقديم الدعم لأوكرانيا".
وفي الشهر الماضي، اتهم الأمين العام السابق للناتو، ينس ستولتنبرج، الكرملين، باتباع "نمط من الخطاب النووي الروسي المتهور"، ويعمل حلف الناتو على مواجهة ذلك بالحديث علناً عن تدريبه السنوي على استخدام الأسلحة النووية المعروف باسم "ستيدفاست نون" Steadfast Noon، بهدف إظهار استعداده لخوض صراع إذا لزم الأمر. وقد بدأ هذا التمرين، الاثنين الماضي.
سباق تسلح
وقالت "وول ستريت جورنال"، إن مخاطر حدوث سباق تسلح نووي تتصاعد في ظل هذا المناخ الجديد، وأضافت أن التوسع النووي الصيني هو الأسرع على ما يبدو، إذ ترفض بكين حتى الآن الدخول في مفاوضات بشأن خططها.
وقدرت وزارة الدفاع الأميركية، أن الترسانة النووية الحالية للصين، التي تتألف من نحو 500 سلاح، ستصل إلى 1500 بحلول عام 2035، ما سيضعها على قدم المساواة مع روسيا والولايات المتحدة، وفي عام 2021، أعلنت بريطانيا زيادة في سقف عدد أسلحتها النووية.
ويرى بعض الخبراء أن روسيا والولايات المتحدة ربما تتوصلان إلى "تفاهم غير رسمي" للحفاظ على عدد الرؤوس النووية المنتشرة بعد انتهاء معاهدة "نيو ستارت" في عام 2026.
ومع ذلك، تواجه واشنطن ضغوطاً لتعزيز ترسانتها النووية، ففي العام الماضي، أوصت لجنة مُعينة من الكونجرس بأن تستعد الولايات المتحدة لتوسيع قواتها النووية لردع التهديدات المزدوجة من الصين وروسيا.