مع اتساع المناطق العازلة في غزة.. مخاوف احتلال إسرائيلي "طويل الأمد" تتصاعد

time reading iconدقائق القراءة - 8
عائلات فلسطينية تنزح عبر ممر نتساريم إلى شارع صلاح الدين في شمال غزة بينما يتواصل القصف الإسرائيلي على كافة مناطق القطاع. 10 يوليو 2024 - Bloomberg
عائلات فلسطينية تنزح عبر ممر نتساريم إلى شارع صلاح الدين في شمال غزة بينما يتواصل القصف الإسرائيلي على كافة مناطق القطاع. 10 يوليو 2024 - Bloomberg
دبي -الشرق

عندما شنت إسرائيل غزوها البري على قطاع غزة، في أكتوبر من العام الماضي 2023، قامت بشق طريق ترابي عبر منتصف القطاع. وكان هذا الطريق آنذاك واسعاً بما يكفي لمرور مركبتين مدرعتين. أما اليوم فقد أصبح هذا الطريق منطقة مترامية الأطراف تبلغ مساحتها 18 ميلاً مربعاً.

داخل المنطقة، التي يطلق عليها "ممر نتساريم" نسبة إلى مستوطنة إسرائيلية سابقة، توجد قاعدتان عسكريتان تتألفان من ملاجئ متنقلة ضدّ القنابل مزودة بالمياه والكهرباء وأبراج الاتصالات الخلوية وكنيس يهودي. والآن أصبح الطريق ممهداً، ويتحرك الجنود في مركبات مفتوحة عبر منطقة بحجم تل أبيب.

وتشير صحيفة "وول ستريت جورنال"، إلى أن ممر نتساريم هو مثال بارز على أن الجيش الإسرائيلي يخطط للبقاء إلى أجل غير مسمى في غزة، حيث أنشأت إسرائيل عدة طرق عسكرية أخرى في القطاع، وأغلقت منطقة عازلة تمتد لنصف ميل تقريباً حول المنطقة.

وذكرت الصحيفة الأميركية، في تقرير نشرته، الجمعة، أن هذه الأمور مجتمعة ترسم صورة للسيطرة الإسرائيلية الصارمة التي يخشى بعض الإسرائيليين والفلسطينيين أن تنذر باحتلال إسرائيلي طويل الأمد أو حتى إعادة بناء المستوطنات اليهودية في غزة، وهو ما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه لن يحدث.

ودمرت إسرائيل جميع الأحياء والقرى والأراضي الزراعية الفلسطينية المحيطة بممر نتساريم، التي باتت تستخدمه للحفاظ على سيطرة محكمة على تدفق الناس والبضائع إلى غزة.

وقال أندرياس كريج، المحاضر الكبير في كلية الدراسات الأمنية في "كينجز كوليدج" في لندن، إن الدمار الشامل للبنية التحتية المدنية والمنع المتعمد لحرية الحركة يشير إلى أن إسرائيل تتصرف كما لو كانت غزة أرضاً خاصة بها، وليس منطقة منفصلة.

وتابع: "كل شيء قابل للعكس، ولكن استثمار الكثير من المال هناك لا يشير إلى أنهم سيغادرون في أي وقت قريب"، مشدداً على أن "الغرض الرئيسي هنا هو التقسيم والحكم".

وقال نتنياهو إن إسرائيل ستحتاج إلى السيطرة الأمنية على المنطقة، ربما لسنوات، وهو الأمر الذي سيسهله ممر نتساريم. وتقول إسرائيل إن المنطقة تشكل مركزاً رئيسياً للنقل واللوجستيات للجيش.

مهام هجومية

وقال رائد في الجيش الإسرائيلي، كان آخر من خدم في نتساريم في يونيو الماضي، إن الممر يساعد إسرائيل في "تنفيذ مهام هجومية إلى الشمال والجنوب بسهولة أكبر. ويشمل ذلك مهمة إنقاذ الرهائن في مدينة النصيرات بوسط غزة في يونيو الماضي"، "كما يضمن عدم قدرة (حماس) على التحرك بحرية في أنحاء القطاع؛ حيث يتعين على الفلسطينيين الساعين إلى التحرك جنوباً عبور أحد نقطتي تفتيش تمر عبر الممر"، على حد وصفه.

وقال نتنياهو إن "إسرائيل لا تنوي احتلال القطاع بشكل دائم أو إعادة بناء المستوطنات هناك"، على الرغم من أن الوزراء اليمينيين الأقوياء في حكومته يريدون ذلك بالضبط.

ويقول المسؤولون الإسرائيليون، إن الأضرار على طول الممر هي نتيجة اشتباكات مع "حماس"، وإزالة المباني المفخخة، والاحتياجات التشغيلية لحماية القوات الإسرائيلية على طول الطريق. ويقول المسؤولون العسكريون الإسرائيليون، إن جميع الهياكل والقوات تم بناؤها بحيث يمكن إزالتها في يوم واحد.

اقرأ أيضاً

"ممر نتساريم".. طريق إسرائيلي لتقسيم غزة يصل إلى ساحل المتوسط

أظهر تحليل أجرته شبكة CNN استناداً إلى صور الأقمار الاصطناعية أن الطريق الذي يشيده الجيش الإسرائيلي ويقسم قطاع غزة إلى قسمين وصل إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط

واعتبرت ميري إيسين، نائبة رئيس فيلق الاستخبارات القتالية السابق في الجيش الإسرائيلي أن "بناء الممر سيساهم في تنقل القوات الإسرائيلية، وهذا التنقل جزء من حمايتهم"، مضيفة: "هذا لا يعني أنهم يخططون للبقاء لفترة طويلة. هذا يعني أنهم لا يعرفون إلى متى سيبقون".

وقالت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، إنها تعارض الاحتلال العسكري لغزة أو تقليص حجم المنطقة، فيما عبر الرئيس المنتخب دونالد ترمب عن رغبته في إنهاء الحرب في أقرب وقت ممكن، على الرغم من أنه ليس من الواضح ما إذا كان سيعارض السيطرة الأمنية الإسرائيلية على قطاع غزة. 

وكانت نتساريم نقطة خلاف في مفاوضات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة "حماس" الفلسطينية، وقد استخدمتها إسرائيل كورقة مساومة للحصول على إطلاق سراح الرهائن، الذين ما زالوا محتجزين لدى الحركة الفلسطينية.

ويتذكر الجنود الإسرائيليون، أن العمل في ممر نتساريم بدأ في غضون أيام من دخول المنطقة.

وفي بداية الحرب، احتاج الجنود إلى مركبات مدرعة بطيئة الحركة لعبور الممر. كان أولئك المتمركزون هناك ينامون في خيام أو في مبانٍ مدنية فارغة. 

ومع مرور الوقت، تم وضع الحصى أولاً في المنطقة ثم رصفها بالأسمنت وحمايتها في أجزاء منها بكتل خرسانية مزينة بأعلام إسرائيلية، كما تظهر صور الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو من المنطقة.

ملاجئ وكنيس 

وتُظهر مقاطع الفيديو التي نشرها الجنود الإسرائيليون، على مواقع التواصل الاجتماعي، كنيساً متنقلًا يسمى "حب إسرائيل" تم جلبه إلى داخل الممر من إسرائيل على ظهر شاحنة. ووفقاً للصور ومقاطع الفيديو، فإن الكنيس الذي يقع بالقرب من البحر يشمل تكييف الهواء وصفوفاً من الكراسي الزرقاء التي تواجه منصة أو تابوتاً لمخطوطة التوراة.

وقال الجنود إنه بحلول الصيف، كانت جميع القواعد والبؤر الاستيطانية في الممر مزودة بالكهرباء بالإضافة إلى المولدات ونقاط المراقبة والمطابخ.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي نداف شوشاني: "بينما نعمل على تحسين الظروف للجنود، فإننا مستعدون أيضاً، ويمكننا مغادرة تلك المنطقة في غضون يوم واحد إذا لزم الأمر".

تُظهر صور الأقمار الصناعية أن الجيش لديه مواقع استيطانية أخرى حول المنطقة في مبانٍ قائمة سابقاً قاموا بتطويقها بسواتر رملية.

وقال جيك جودين، الباحث في بيلينجكات، وهو اتحاد استقصائي: "استناداً إلى صور الأقمار الاصطناعية، ترى الكثير من الدمار وما يبدو أنه مبانٍ مؤقتة. بخلاف الطرق التي يتم رصفها، لم أر أي شيء يُظهر خططاً لوجود دائم حتى الآن".

بالإضافة إلى نتساريم، يبدو أن إسرائيل بصدد تشييد ممر جديد يفصل مدينة غزة، أكبر مدينة في القطاع، عن المدن المزدحمة إلى الشمال منها. كما أعادت إسرائيل رصف طريق قديم من مدينة كيسوفيم الإسرائيلية إلى وسط غزة. يقول المسؤولون الإسرائيليون، إن الطريق يهدف إلى تسهيل نقل المساعدات الإنسانية إلى القطاع.

كما قامت إسرائيل بتوسيع وإعادة رصف طريق على طول الحدود التي يبلغ طولها 9 أميال تقريباً بين مصر وقطاع غزة، والتي تسمى "محور فيلادلفيا".

وبالنسبة للعديد من سكان غزة، فإن رؤية القوات الإسرائيلية تعود إلى نتساريم تجعلهم يتذكرون سنوات الاحتلال ويخشى الكثيرون أن يستمر الوجود العسكري الإسرائيلي لسنوات حتى لو كان هناك وقف لإطلاق النار.

وتشير التقديرات إلى أن 1.9 مليون شخص نزحوا بسبب الحرب، التي قتلت أكثر من 46 ألف شخص.

غادة سليمان، 48 عاماً، تعيش في مدينة غزة مع أطفالها، منفصلة عن زوجها، الذي كان يعمل داخل إسرائيل في 7 أكتوبر من العام الماضي. تم اعتقاله في ذلك الوقت ثم أُطلق سراحه في النهاية وتم نقلته إلى جنوب القطاع. لأكثر من عام، لم يتمكنا من لم شملهما.

قالت سليمان: "لا أعتقد أننا سنلتقي في أي وقت قريب. أعلم أن غزة تغيرت ولن يكون من السهل إعادته إلى الشمال".

تصنيفات

قصص قد تهمك