استطاعت الفصائل السورية إسقاط نظام الرئيس السابق بشار الأسد بعد حرب استمرت نحو 14 عاماً اختتمتها بإطلاق معركة أطلقت عليها اسم "ردع العدوان" في 27 نوفمبر الماضي، لتجد الطريق سهلاً نحو حلب، وحماة، ثم حمص، حتى انهيار قوات النظام بشكل مفاجئ في العاصمة دمشق، خلال الساعات الأولى من فجر الأحد.
وعلى خلاف العقد الماضي، الذي شهدت فيه الساحة السورية تنافساً وقتالاً بين العديد من الفصائل المسلحة، بدت في المعركة الأخيرة منظمة بدرجة كبيرة، وتعمل ضمن تحالف أطلقت عليه اسم "إدارة العمليات العسكرية"، فما هي هذه الفصائل؟
منذ انتقال الانتفاضة السلمية ضد النظام إلى الخيار المسلح نهاية العام 2011، بدأت تتشكل فصائل مسلحة على كامل الخارطة السورية تقريباً، بدأت بضباط وجنود منشقين عن النظام، ثم تشكّلت فصائل من السكان المحليين، إلى جانب جماعات دينية، وفي خضم الصراع في ما بينها من جهة، والقتال ضد قوات النظام من جهة ثانية وما أفضى إليه من تراجع بحلول عام 2018، تم حل الكثير من الفصائل، بينما بقيت بعضها في إطار صفقات الانتقال إلى الشمال السوري أو مصالحات برعاية وضمانات روسية أو تسويات مباشرة مع نظام الأسد.
الفصائل الحالية التي استطاعت السيطرة على معظم الأراضي السورية، عملت ضمن غرفة العمليات الرئيسية "ردع العدوان"، إضافة إلى غرفة عمليات "فجر الحرية" التي نفذت أنشطة عسكرية غالباً ضد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في بعض المناطق شمالي البلاد.
"ردع العدوان"
تولت "هيئة تحرير الشام" قيادة العمليات العسكرية في الأسبوعين الماضيين، وهي أقوى فصيل حالياً في سوريا، ومرت بتحولات كبيرة في السنوات الماضي، حيث تأسست عام 2012 باسم "جبهة النصرة"، وتحالفت مع "داعش" قبل أن تنفصل عام 2013 وتبايع زعيم "تنظيم القاعدة" أيمن الظواهري، ثم أعلنت فك ارتباطها عام 2016 وغيّرت اسمها إلى "جبهة فتح الشام" ثم "هيئة تحرير الشام".
ومنذ تأسيسها، يقود الهيئة المدرجة في "قوائم الإرهاب" الأميركية والعالمية، أحمد الشرع، المعروف بـ"أبو محمد الجولاني"، والذي انضم لجماعات متشددة لقتال القوات الأميركية في العراق عام 2003، قبل أن يعود إلى سوريا بعد عام 2011، لينخرط في الصراع السوري، وعلى غرار تنظيمه مرّ الشرع بتحولات تُمثل انقلاباً على سيرته السابقة.
وتُشكّل مجموعة "العصائب الحمراء" قوات النخبة في "هيئة تحرير الشام"، حيث استطاعت حسم العديد من المعارك الأخيرة ضد قوات الأسد، وذلك بفضل الإمكانيات التي تتمتع بها، بحسب تقارير، من خلال التدريب والتسليح، والقدرة على اختراق الخطوط الأمامية.
كما قاتلت تحت لواء "ردع العدوان"، فصائل أخرى تعمل ضمن "الجيش الوطني" المدعوم من تركيا، وهو عبارة عن تحالف لفصائل كانت تابعة لـ"الجيش السوري الحر".
ومن فصائل الجيش الحر التي شاركت في المعارك أيضاً "جيش العزة"، ينشط شمال سوريا، وتحديداً ريف حماة، ويتزعّمه الرائد جميل الصالح.
وهناك أيضاً "جيش الإسلام" الذي كان واحداً من أقوى الفصائل على الساحة السورية، وتركزت مواقعه في غوطة دمشق الشرقية، إلا أنه اضطر إلى عقد صفقة خرج بموجبها من المنطقة باتجاه الشمال السوري، وكان يتزعمه زهران علوش قبل اغتياله بغارة جوية عام 2015، ثم خلفه عصام البويضاني.
"فجر الحرية"
أما غرفة عمليات "فجر الحرية" فرغم أنها ساندت "هيئة تحرير الشام" في بعض المعارك، إلا أن عملياتها الرئيسية تركزت شمالي سوريا، وتحديداً على نقاط التماس مع قوات سوريا الديمقراطية، إلى جانب السيطرة على بقايا المواقع العسكرية التابعة لنظام الأسد.
وتضم الغرفة مجموعات عديدة، تلقى بعضها الدعم والتسليح والتدريب من تركيا، منها "فرقة السلطان مراد"، و"فرقة السلطان سليمان شاه"، و"فرقة الحمزة"، و"جيش الإسلام"، وفصيل "الجبهة الشامية".
وشارك بعضها سابقاً إلى جانب القوات التركية في معارك ضد تنظيم "داعش" أحياناً، وأحياناً أخرى ضد الفصائل الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، لا سيما عملية "درع الفرات" عام 2017، و"غصن الزيتون" عام 2018، والتي انتهت بالسيطرة على مدينة عفرين ومحيطها وإبعاد القوات الكردية نحو شرق الفرات.
وتُعد "حركة أحرار الشام" ذات التوجه الديني، من أوائل الفصائل التي تشكلت مع بداية الحرب في سوريا، شمالي البلاد، وكانت واحدة من أقوى الفصائل على الساحة، لكنها تلقّت عام 2014 ضربة قاسية، عندما استهدف طائرات أحد مقراتها تحت الأرض عندما كان قادتها في اجتماع، ما أودى بحياة 40 منهم على الأقل.
وكانت "أحرار الشام" من الفصائل التي سيطرت على مدينة الرقة عام 2013، قبل أن يستأثر تنظيم "داعش" وحده بالمنطقة ويرد باقي الفصائل.
فصائل الجنوب
كانت فصائل درعا، أول كتائب المعارضة التي وصلت إلى دمشق، واستطاعت تأمين رئيس وزراء النظام السابق، ليتولى مهامه ريثما يتم ترتيب الأوضاع في سوريا.
وكانت درعا تضم العديد من الفصائل المسلحة المناهضة لنظام الأسد، وأبرزها ألوية "الجيش الحر"، مثل "عمليات المنطقة الجنوبية" بقيادة المقدم ياسر العبود الذي قضى عام 2013، و"لواء العمري" بقيادة النقيب المنشق قيس القطاعنة الذي لقي حتفه عام 2014، إضافة إلى كتائب أخرى تابعة "الجيش الحر"، من بينها كتيبة "سلطان باشا الأطرش" التي ضمت ضباط منشقين دروز بقيادة الملازم أول خلدون زين الدين، والذي لقي حتفه عام 2013.
لكن في العام 2018 ومع تراجع نفوذ المعارضة السورية، اضطرت بعض المجموعات في درعا إلى الانتقال للشمال السوري، أو البقاء في مناطقها ضمن ما يعرف بـ"اتفاقات المصالحة" التي كانت رعاية روسيا، بحيث تحافظ القوات على كيانها لكن من دون أن تقاتل النظام.
وبينما غادرت أبرز الفصائل إلى الشمال، بقيت بعضها وأعادت تشكيل نفسها بالتنسيق مع روسيا، ومنها "اللواء الثامن"، وهذا الأخير "الفيلق الخامس" والذي كان من أوائل قوات المعارضة التي وصلت دمشق. واستطاعت هذه الفصائل في عدة ساعات السيطرة على كافة المواقع العسكرية لنظام الأسد في درعا.
أما في السويداء، فقد سيطرت فصائل محلية على كامل المراكز الأمنية والمواقع العسكرية التابعة للنظام، وهي فصائل وُلدت خلال العقد الماضي في ضوء انتشار الفوضى الأمنية وأعمال الخطف والسلب، ومعظمها مستقلة، شكّلها رجال دين أو زعماء محليون قالوا إنهم اضطروا إلى هذه الخطوة لحماية المنطقة وضمان سلامة سكانها.
وأبرز تلك الفصائل حركة "رجال الكرامة" التي أسسها الشيخ وحيد البلعوس عام 2014، واستطاع خلال وقت قصير كسب تأييد واسع بين الأهالي، وانضم إليها الكثيرون، ودخلت في صدامات عديدة مع أجهزة الأمن التابعة لنظام الأسد كادت أن تتصاعد أكثر مرة.
وفي 4 سبتمبر 2015، لقي البلعوس مصرعه بتفجير ضخم أودى بحياة العشرات، واتهمت الحركة دمشق باغتياله، ويتزعم الحركة حالياً الشيخ يحيى الحجار. كما شكّل نجلا البلعوس (ليث وفهد) قبل سنوات فصيلاً مستقلاً باسم "رجال الشيخ وحيد البلعوس".
ثم بدأت تظهر العديد من الفصائل المسلحة، في المدينة وكذلك في الريف الواسع الذي يضم أكثر من 200 بلدة وقرية.
وشكّل 25 يوليو 2018، منعطفاً بالنسبة لاتجاه التسليح في السويداء، إذ تعرضت في هذا اليوم لهجوم شنه تنظيم "داعش"، كان الأكثر دموية في المحافظة منذ اندلاع الصراع في سوريا عام 2011، وأودى الهجوم أكثر من 260 من بينهم أطفال ونساء، كما خطف 30 شخصاً بما في ذلك عائلات بأكملها، حيث أعدم بعضهم وأفرج عن آخرين في صفقة تبادل لاحقاً.
بعد هذا التاريخ، أصبح تشكيل الفصائل المسلحة في السويداء ضرورة وجودية بالنسبة للطائفة الدرزية التي لا يتعدى عدد سكانها 3% من السوريين، ويمكن تقسيم المخاوف التي دعت لحمل السلاح إلى عدة مستويات، الحماية من الفوضى الأمنية، والدفاع عن المنطقة من هجمات الجماعات المتطرفة، ومواجهة أي ضغوطات من السلطات ولا سيما محاولة تجنيد الشبان في الجيش السوري، إذ امتنع الآلاف في السويداء عن الانخراط في الخدمة العسكرية.
"جيش سوريا الحرة"
بعد أن سيطرت الفصائل على حلب بسهولة، بدأت "جيش سوريا الحرة" التقدم من البادية الشرقية لسورية باتجاه الغرب، حيث استولى على عدة نقاط من قوات الأسد، وسيطر على مدينة تدمر التابعة لريف حمص.
وهذا الفصيل تأسس على يد مجموعة من المنشقين عن قوات النظام السابق،عام 2015، باسم "جيش مغاوير الثورة"، وهو مدعوم من الولايات المتحدة ويتلقى دعمه وتسليحه وتدريبه من القوات الأميركية في قاعدة التنف شرقي سوريا، المحاذية للحدود العراقية السورية غربي الأنبار.
وتتمثل المهمة الرئيسية لـ"جيش سوريا الحرة" في طرد طرد تنظيم "داعش" من شرق سوريا.
"قوات سوريا الديمقراطية"
تُعتبر "قوات سوريا الديمقراطية" من أقوى الفصائل المسلحة في سوريا، وتُشكل الوحدات الكردية (بجناحيها حماية الشعب وحماية المرأة) التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، الجناح السوري لحزب "العمال الكردستاني" (pyd)، عمودها الفقري. وهذا الحزب تدرجه العديد من الدول في قوائم "الإرهاب".
ومع بدء توسع الصراع المسلح في سوريا وازدياد نفوذ "داعش"، تم تشكيل قوات كردية بدعم أميركي، لمحاربة التنظيم المتطرف، وقاتلت هذه الفصائل في إطار التحالف الدولي الذي تقود الولايات المتحدة.
وفي العام 2015، أسست الجماعات الكردية "قوات سوريا الديمقراطية"، وانضمت إليها، فصائل من العشائر العربية، والمجلس العسكري السرياني.
وتُسيطر "قسد" على مناطق واسعة شمالي وشرق سوريا، في الحسكة، والرقة، ودير الزور، وريف حلب، لكنها تتعرض لهجمات متكررة من القوات التركية والفصائل السورية التابعة لها.
ولم تشارك القوات الكردية في المعارك الأخيرة التي أدت إلى إسقاط نظام الأسد، وكانت تتركز أولويتها بالحفاظ على مناطق سيطرتها، ومنع تقدم فصائل المعارضة باتجاه مواقعها.
القوى السياسية المعارضة
في ضوء الانهيار السريع لنظام الأسد، بدأت التساؤلات حول المعارضة السياسية السورية التي قد تتولى في المرحلة المقبلة لقيادة التغيير في البلاد، حيث توجد عدة تيارات تختلف في توجهاتها وأهدافها وأساليبها.
أبرز هذه التيارات هو "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، والذي يُعد التحالف الأكبر والأكثر تمثيلاً للمعارضة السورية على المستوى الدولي. تأسس في نوفمبر 2012 ويضم ممثلين التيارات المدنية والإسلامية والليبرالية، ويترأسه حالياً هادي البحرة.
والعام 2013، اعتبر مجلس وزراء الخارجية العرب "الائتلاف الوطني السوري"الممثل الشرعي للشعب السوري والمحاور الأساسي مع جامعة الدول العربية، وذلك في إطار الخلاف الشديد بين معظم دول الجامعة العربية ونظام الأسد حينها.
ويضم الائتلاف الوطني 12 من التيارات التي يقول إنها تُمثل مختلف المكونات السورية، وهي حركة "الإخوان"، و"مجالس تمثيل المحافظات" و"المجلس التركماني"، و"المجلس الوطني الكردي"، والتيار الوطني السوري"، و"تيار المستقبل السوري"، و"المنظمة الآشورية الديمقراطية (تُمثل المكون الآشوري)، و"مجلس القبائل والعشائر العربية"، و"مجالس محلية للشمال السوري"، و"رابطة المستقلين الكرد السوريين"، و"شخصيات مستقلة"، إضافة إلى "التمثيل العسكري"
وهناك أيضاً التيارات الكردية الرئيسية، وأكبرها "حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، وهو الحزب الكردي الرئيسي في شمال سوريا، ويتبنى فكرة "روج آفا" (غرب كردستان)، والتي ترجمها في مناطق "الإدارة الذاتية"، وينفي الحزب أن يكون له أي توجهات قومية انفصالية، لكنه يدعو إلى تطبيق نظام فيدرالي في سوريا.
بينما يُعد "المجلس الوطني الكردي"أكثر قرباً من المعارضة السورية السياسية، وهو جزء من الائتلاف الوطني.