تسارع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لإيجاد سبل للتواصل مع جماعات في سوريا، ومناطق أخرى في الشرق الأوسط، مع بدء فصائل المعارضة المسلحة، في تشكيل مستقبل البلاد بعد الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد، الذي حكم البلاد لفترة طويلة، وفق صحيفة "نيويورك تايمز".
وقالت الصحيفة الأميركية في تقرير، الثلاثاء، إن "الجهود الدبلوماسية غير الرسمية تجري عبر قنوات خارج سوريا"، في ظل غياب التمثيل الدبلوماسي للولايات المتحدة في سوريا منذ إغلاق سفارتها في دمشق عام 2012.
وتدير وزارة الخارجية الأميركية مكتباً مختصاً بالشأن السوري ضمن بعثتها في تركيا، التي أقامت حكومتها علاقات وثيقة مع فصائل سورية مختلفة، من بينها "هيئة تحرير الشام"، التي تُعد الأكثر نفوذاً حالياً، وفقاً للصحيفة.
وتواجه إدارة بايدن أزمة جديدة في الشرق الأوسط في الأيام الأخيرة قبل مغادرته السلطة، وتسعى للسيطرة على "مخاطر محتملة" ربما تنبثق عن سوريا ما بعد الأسد؛ تشمل عودة "الإرهاب المعادي"، للولايات المتحدة، و"تهديدات جديدة لإسرائيل المجاورة"، وتصاعد أعمال العنف التي ربما تؤدي إلى نزوح المزيد من اللاجئين من البلاد.
وقال الرئيس الأميركي جو بايدن، الأحد، إن الولايات المتحدة ستعمل مع الشركاء والأطراف المعنية في سوريا للمساعدة في اغتنام الفرصة وإدارة المخاطر، وذلك بعد أن أطاحت فصائل المعارضة المسلحة بالرئيس السوري بشار الأسد.
وأضاف بايدن، في تصريحات من البيت الأبيض بشأن التطورات في سوريا، أن الولايات المتحدة ستدعم جيران سوريا خلال الفترة الانتقالية، وستقيم أقوال المعارضة المسلحة وأفعالها، لافتاً إلى أن واشنطن ستتشاور مع جميع الأطراف السورية بالشراكة مع الأمم المتحدة.
قلق أميركي بشأن المقاتلين الأكراد
وأجرى مسؤولون أميركيون محادثات مع نظرائهم في تركيا خلال الأيام الأخيرة، إذ تواصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، مع نظيره التركي هاكان فيدان، وهو رئيس استخبارات سابق، السبت، بينما كانت فصائل المعارضة تتقدم بسرعة نحو العاصمة دمشق.
وأكد بلينكن خلال الاتصال "على أهمية حماية المدنيين، بما في ذلك أفراد الأقليات في جميع أنحاء سوريا"، وفقاً لبيان صادر عن الخارجية الأميركية، وبدا أن بلينكن أراد من فيدان إيصال هذه الرسالة إلى فصائل المعارضة المسلحة، بحسب "نيويورك تايمز".
ورغم رؤية الولايات المتحدة لتركيا كشريك محتمل بفضل علاقاتها الوثيقة مع الفصائل المسلحة، يساور مسؤولو بايدن القلق إزاء نوايا أنقرة تجاه المقاتلين الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة، الذين حاربوا تنظيم "داعش" في شمال شرق سوريا، وفقاً للصحيفة.
وأجرى وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، محادثة مع نظيره التركي يشار جولر، الأحد، تناولت جزئياً "تجنب المخاطر التي ربما تهدد القوات والشركاء الأميركيين، ومهمة هزيمة داعش"، بحسب بيان صادر عن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون).
وجاءت هذه المحادثة في أعقاب هجمات تركية استهدفت "قوات سوريا الديمقراطية" ذات القيادة الكردية. وأسفرت هذه الهجمات عن سقوط 22 من أفرادها على الأقل، بحسب المجموعة. ويقول مسؤولون أتراك إن هؤلاء المقاتلين الأكراد "مرتبطون بمسلحين قوميين أكراد في بلادهم".
محادثات مع حلفاء
في غضون ذلك، تُكثف إدارة بايدن محادثاتها بشأن سوريا مع حلفاء آخرين في المنطقة. وقال البيت الأبيض، الاثنين، إن مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، سيتوجه إلى إسرائيل هذا الأسبوع، لإجراء محادثات مع مسؤولين هناك بشأن الأوضاع المرتبطة بغزة، وسوريا، ولبنان، وإيران، حسبما ذكرت الصحيفة.
ولفتت "نيويورك تايمز" إلى أن "السقوط السريع" لحكومة الأسد فاجأ كل من إسرائيل والولايات المتحدة. وخلال نهاية الأسبوع الماضي، عبرت قوات إسرائيلية إلى داخل سوريا وعززت تواجدها في مرتفعات الجولان المحتل. كما شنت إسرائيل غارات جوية على مستودعات أسلحة كيميائية في سوريا، وفق مسؤولين إسرائيليين.
وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، الاثنين، بأن مسؤولي بايدن "لديهم عدة سبل للتواصل"، مع قادة فصائل المعارضة المسلحة في سوريا "بعضها بشكل مباشر مع مجموعات مختلفة، وبعضها الآخر عبر وسطاء داخل سوريا وخارجها".
وأشار ميلر إلى تواجد المبعوث الأميركي الخاص لشؤون الرهائن روجر كارستنز، في بيروت في إطار جهود متجددة لإطلاق الصحافي الأميركي سراح أوستن تايس، الذي اختفى في سوريا عام 2012، ويعتقد الرئيس بايدن أنه لا يزال على قيد الحياة.
وأوضح ميلر أن مهمة كارستنز تتمثل في "معرفة مكان وجود أوستن تايس وإعادته إلى وطنه في أقرب وقت، مضيفاً: "لدينا أسباب للاعتقاد بأنه على قيد الحياة"، دون تقديم تفاصيل إضافية.
مصير العقوبات على "هيئة تحرير الشام"
وقالت "نيويورك تايمز" إن الولايات المتحدة تتعامل بحذر مع "هيئة تحرير الشام"، وقائدها أحمد الشرع المعروف بـ"أبو محمد الجولاني"، البالغ من العمر 42 عاماً، منذ أن صنف الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما نسختها السابقة، "جبهة النصرة"، على أنها "جماعة إرهابية".
ويقول مسؤولون أميركيون إنهم يراقبون عن كثب ما إذا كانت المجموعة لا تزال تحمل صفات "التنظيم الإرهابي"، أو أنها تغيرت.
وقال بلينكن في بيان، الأحد: "سنراقب التطورات عن كثب ونتواصل مع شركائنا في المنطقة". وأضاف: "لقد أُحطنا علماً بالتصريحات التي أدلى بها قادة الفصائل المسلحة في الأيام الأخيرة، ولكن مع تحملهم مسؤوليات أكبر، سنقيّم ليس فقط أقوالهم، بل أيضاً أفعالهم"، وأشار تحديداً إلى "احترام حقوق الإنسان، وحماية المدنيين".
وفي بريطانيا، قال وزير الخارجية ديفيد لامي تصريحات مشابهة، الاثنين. وأشار أحد المسؤولين البريطانيين إلى احتمال رفع حكومته تصنيف الجماعة "منظمة إرهابية" في ظروف معينة، وفق "نيويورك تايمز".
أما في الولايات المتحدة، ربما يستغرق رفع التصنيف أسابيع أو أشهر من اتخاذ القرار، حسبما ذكرت "نيويورك تايمز".
وقال مسؤول أميركي بارز، الأحد، إن من السابق لأوانه مناقشة إمكانية رفع العقوبات عن "هيئة تحرير الشام". لكنه أشار، كما جاء في بيان بلينكن، إلى ضرورة أن تكسب المجموعة هذا الإعفاء من خلال أفعال ملموسة.
الموقف تجاه الجولاني
من جانبه، قال كولين بي. كلارك، محلل شؤون مكافحة الإرهاب في "مجموعة صوفان" للاستشارات الأمنية، للصحيفة إن أي تغيير في الموقف الأميركي تجاه الجولاني يشكل "مخاطرة كبيرة".
واعتبر كلارك أن "الجولاني قام بعمل رائع في تحسين صورته، إنه يقدم نفسه كرمز ثوري عصري على غرار (المناضل الأرجنتيني إرنستو) تشي جيفارا، وهذا يلقى استحساناً في أجزاء كثيرة من الشرق الأوسط وخارجه"، مضيفاً: "ولكن في ظل حكمه، لا يزال شمال غرب سوريا مكاناً قاسياً حيث يتعرض المنتقدون، لتكميم الأفواه، والتعذيب، والسجن، والاختفاء".
وذكر أن الولايات المتحدة لا تزال تعرض مكافأة تصل قيمتها إلى 10 ملايين دولار لمن يقدم معلومات تؤدي إلى القبض على الجولاني.
ومضى كلارك قائلاً: "الأسد ديكتاتور وحشي، لكن هذا لا يجعل الجولاني أكثر قبولاً. لا ينبغي لأي من هذين الرجلين أن يحكم سوريا، ولكن على السياسة الأميركية أن تتعامل مع الواقع على الأرض وليس السيناريوهات المثالية".
وقطعت الحكومة الأميركية علاقاتها الدبلوماسية مع الأسد ونظامه عام 2012، عندما تحولت احتجاجات شعبية ضد النظام بدأت في مارس عام 2011 إلى حرب أهلية مدمرة.
وضغط السفير الأميركي السابق، روبرت فورد على إدارة أوباما لتصنيف "جبهة النصرة" على أنها "منظمة إرهابية"، بعد أن نفّذ عناصرها هجومين انتحاريين بسيارتين مفخختين في دمشق في ديسمبر 2011. وأسفر الانفجاران، اللذان وقعا خارج مكاتب إحدى الوكالات الأمنية، عن سقوط 44 شخصاً على الأقل، معظمهم من المدنيين، وفقاً للحكومة السورية.
وقال فورد في مقابلة، الاثنين، إنه ينصح الآن إدارة بايدن بالنظر في رفع "هيئة تحرير الشام" من قائمة الإرهاب، مشيراً إلى أنها تبنت أفكاراً وتكتيكات أكثر اعتدالاً.
وأوضح أن المجموعة انفصلت عن تنظيمي "داعش" و"القاعدة" منذ سنوات وخاضت معارك ضدهما. كما أشار إلى أن "هيئة تحرير الشام" سمحت بممارسة طقوس المسيحية، وإعادة بناء الكنائس في منطقة إدلب، التي تسيطر عليها المجموعة وادارتها في المراحل الأخيرة من الحرب.
ولفت فورد إلى ضرورة تأكد إدارة بايدن من وجود قنوات تواصل مع الأطراف الرئيسية، وأن تشجع شركاءها، لا سيما الفصائل المسلحة، والجماعات السياسية الكردية في الشمال الشرقي، على المشاركة في أي عملية سياسية ناشئة.
بقاء القوات الأميركية
ويبقي البنتاجون 900 جندي أميركي في شمال شرق سوريا، حيث يعملون مع مقاتلين أكراد في عمليات ضد تنظيم "داعش". لكن الأكراد يواجهون هجمات من جماعات مسلحة مدعومة من تركيا.
وقال فورد: "بدلاً من محاولة إدارة عملية سياسية أو دعمها، من الأفضل الانخراط بشكل غير مباشر وتشجيع الأطراف".
وأكد مسؤولون كبار في البنتاجون أن القوات الأميركية ستبقى في سوريا، على الأقل في الوقت الراهن، لمواصلة جهود منع عودة تنظيم "داعش".
وقال دانيال شابيرو، نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط، خلال مؤتمر أمني بالعاصمة البحرينية المنامة، إن البنتاجون سيواصل السعي لهزيمة "داعش" بشكل دائم، وضمان احتجاز عناصره بشكل آمن وإعادة توطين النازحين.
ونفّذت طائرات حربية أميركية، الأحد، ضربات جوية استهدفت مواقع لـ"داعش" في وسط سوريا، حيث أصابت أكثر من 75 هدفاً، وفقاً لمسؤولين أميركيين.
وقال الجنرال مايكل إريك كوريلا، قائد القيادة المركزية الأميركية (Centcom): "يجب أن يكون الأمر واضحاً، لن نسمح لداعش بإعادة تشكيل صفوفه واستغلال الوضع الحالي في سوريا".
وأضاف: "يجب أن تعلم جميع المنظمات في سوريا أننا سنحاسبها إذا تعاونت مع داعش أو دعمته بأي شكل من الأشكال".
وتُهاجم فصائل مسلحة مدعومة من إيران في العراق، وعناصر تنظيم "داعش" في سوريا أحياناً القوات الأميركية في عدد قليل من القواعد في المنطقة، بحسب "نيويورك تايمز".
ومع تركيز إدارة بايدن على الغزو الروسي لأوكرانيا، والصراعات المستقبلية المحتملة مع الصين، أصبحت مهمة مكافحة "داعش" في سوريا قضية ثانوية.
وخلال فترته الرئاسية الأولى، سعى الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى سحب القوات الأميركية من سوريا، لكنه تراجع عن ذلك تحت ضغط من كبار مسؤولي البنتاجون، بمن فيهم الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة آنذاك.